تصاعدت الأزمة السياسية في ليبيا بتكريس الانقسام وانفلات الأمن الذي بات يغرق البلاد في الفوضى، منذرا بتحوّلها إلى نموذج لـ”الدولة فاشلة” كما وصفها مسؤولون، إذ أعلن المؤتمر الوطني الليبي، المنتهية مهامه والذي يهيمن عليه الإسلاميون المتشددون، استئناف أعماله، وتكليف عمر الحاسي بتشكيل حكومة “إنقاذ وطني”، في وقت تقدّمت دول الجوار الليبي، بمبادرة تدعو إلى نزع تدريجي لسلاح الميليشيات، وتعهدت بتقديم الدعم للسلطات الشرعية المنبثقة من انتخابات يونيو الماضي والمساعدة في تأمين الحدود لمنع التنظيمات الجهادية من التغول وتنفيذ خططها الإرهابية.

وكلف المؤتمر الوطني الليبي المنتهية ولايته عمر الحاسي المحسوب على الإسلاميين تشكيل حكومة إنقاذ وطني، متجاوزا بذلك القوانين ومتحديا البرلمان المنتخب شعبيا والذي تسانده أغلب القوى السياسية.

وتثير هذه الأوضاع في ليبيا الغارقة في الفوضى منذ سقوط نظام العقيد معمر القذافي سنة 2011 المخاوف من بروز تعقيدات أكثر مع قيام حكومتين متنافستين وبرلمانين متخاصمين.

وعقد الاجتماع بطلب من الإسلاميين الذين يهيمنون على المؤتمر الوطني المنتهية ولايته ويعارضون منح البرلمان الجديد أية شرعية خصوصا وأنهم يشكلون أقلية داخله.

ويتخذ البرلمان الجديد المنبثق من انتخابات يونيو الماضي من مدينة طبرق مقرا له (1600 كلم شرق طرابلس) بسبب أعمال العنف التي تعصف بقسم كبير من ليبيا وخصوصا في العاصمة طرابلس.

وقال المتحدث باسم المؤتمر الوطني المنتهية ولايته عمر احميدان إن “المؤتمر أقال عبد الله الثني من منصبه كرئيس للحكومة وكلف أحمد الحاسي بتشكيل حكومة إنقاذ خلال أسبوع″.

وأضاف احميدان أن الحكومة والبرلمان “فقدا كل شرعية” مدّعيا أن المؤتمر الوطني العام “يدعم العمليات الشرعية الهادفة إلى تكملة تحرير البلاد”. لكن الثني رفض في مؤتمر صحافي في طبرق قرار المؤتمر المنتهية ولايته قائلا إن “الاجتماع غير شرعي والإجراءات غير شرعية والجسم التشريعي الوحيد هو البرلمان” الذي انتخب في الخامس والعشرين من يونيو الماضي.

وأعلن من جهة أخرى أن ميليشيات إسلامية قامت بنهب وحرق مقر إقامته في طرابلس متهما مجموعات “فجر ليبيا” بالاعتداء على منزله جنوب طرابلس.

وكان البرلمان وصف قبل أيام الميليشيات الإسلامية الموالية للمؤتمر الوطني العام والجهاديين المتشددين بالإرهابيين الذين يعترضون على شرعيته مؤكدا عزمه محاربتهم.

كما قرر البرلمان تعيين رئيس أركان جديد للجيش هو اللواء عبدالرزاق الناظوري الذي أعلن “الحرب على الإرهاب في بلاده” عقب أدائه اليمين القانونية أمام البرلمان في طبرق.

وأكد البرلمان “دعم الجيش ليواصل حربه ضد قوات تحالف فجر ليبيا وأنصار الشريعة التي تسيطر على جزء كبير من بنغازي، حتى إرغامهم على وقف القتل وتسليم أسلحتهم”.

على الصعيد الدبلوماسي، دعت ست دول مجاورة لليبيا إلى نزع متدرج لسلاح الميليشيات في هذا البلد مؤكدة رفضها أي تدخل أجنبي وتعهدت بتقديم المساعدة للحكومة لـ”تامين الحدود” الليبية.

وفي ختام اجتماع حضره وزراء خارجية ليبيا ومصر وتونس والجزائر وتشاد والسودان، إضافة إلى ممثل للنيجر، طالبت هذه الدول بـ”الوقف الفوري لكافة العمليات المسلحة من أجل دعم العملية السياسية، وتعزيز الحوار مع الأطراف السياسية التى تنبذ العنف وصولا إلى تحقيق الوفاق الوطني والمصالحة ووضع دستور جديد للبلاد”. وأكدت دول الجوار في بيان لها “الدور الأساسي والمحوري لآلية دول جوار ليبيا وخصوصيتها فيما يتعلق بتطورات الوضع في ليبيا وضرورة إشراكها في مختلف المبادرات الإقليمية والدولية الهادفة لإيجاد تسوية توافقية للأزمة الليبية”.

ودعت إلى “تنازل جميع الميليشيات والعناصر المسلحة وفق نهج متدرج المراحل ومتزامن من حيث التوقيت عن السلاح والخيار العسكري في إطار اتفاق سياسي بين كل الفرقاء ينبذ العنف وفق آلية مستقلة تعمل برعاية إقليمية من دول الجوار ومساندة دولية”.

وتعهدت دول الجوار، التي تخشى من انعكاسات النزاع في ليبيا على أوضاعها الداخلية، بـ” تقديم المساعدة للحكومة الليبية فى جهودها لتأمين وضبط الحدود مع دول الجوار وفق برنامج متكامل، ووقف كافة الأنشطة غير المشروعة للتهريب بكافة أنواعه”.

ورحب وزير الخارجية الليبي محمد عبد العزيز في مؤتمر صحافي في ختام الاجتماع ب” الاعتراف (من قبل دول الجوار) بأن مجلس النواب المنتخب عن طريق انتخابات نزيهة يمثل أعلى سلطة الآن في البلد” معتبرا أن “هذا الاعتراف سيعطي دفعة كبيرة” لليبيا.