يوم الثالث من مايو الماضي أعلنت جماعة الإخوان المسلمين في ليبيا عن حل نفسها وتحولها إلى جمعية تحت اسم "الإحياء والتجديد" إيمانا منها بأن المدخل الحضاري للتغيير والنهضة هو العمل المجتمعي، للإسهام في قيام مجتمع مدني لا يضيق بالتنوع والاختلاف، بحسب بيان أصدرته في الغرض وخلف جدلا واسعا في ليبيا وخارجها. التحول المفاجئ جعل الكثيرين يطرحون أسئلة عن حقيقة نوايا الجماعة بين من يراها مراجعات مهمة يمكن البناء عليها للمستقبل وبين من يعتبرها "تقية" إخوانية يراد منها إعادة تنظيم الصفوف بعد حالة الانقسام التي تشهدها في السنوات الأخيرة.

الجماعة الليبية قالت إنها انتقلت إلى جمعية "إحياء بالدعوة إلى التمسك بمنهج الإسلام الوسطي وتعاليمه"، وإن تحولها كان لكي "تؤدي رسالتها في المجتمع الليبي من خلال عملها الدؤوب في شتى مجالات العمل"، كما رغبت في بيانها ذكر كلمة "مدني"، وقطع الصلة بالتنظيم العالمي للإخوان المسلمين، وهي مفردات تحاول عبرها نزع فكرة التنظيم الديني المنغلق والرافض للآخر، وقد تكون الرسالة هنا موجهة للخارج الذي أصبحت بعض القوى فيه تنظر بعين القلق لتواجد الفروع الإخوانية في بعض العواصم، والتأثير السلبي الذي أحدثته فيها سواء عبر مشاركتها في الحكم وفشلها فيه كما هو حال تونس والمغرب، أو عبر الانخراط في العنف ودعمه وهذا كان واضحا خاصة في ليبيا وسوريا.

لكن المتابع لخطوة التنظيم الليبي سيفهم أن تغيير الاسم، ليس حدثا وحيدا، ويبدو أنه تغير عام في فروع التنظيم العالمي في أكثر من عاصمة، حيث يتزامن مع زيارة خاطفة لرئيس حركة النهضة التونسية إلى الدوحة، ليس بصفته رئيسا للبرلمان بل بصفته التنظيمية التي قد تخفي أشياء مرتبطة بمستقبل الجماعة السياسي في المنطقة. الأخبار في تونس لم توضح الأسباب الحقيقية للزيارة، وأنصار الحزب أرادوا أن يسوقوا بأن أسبابا اقتصادية سرّعت بها وأن أرقاما كبيرة من الأموال ستدخل تونس ودائع ومنحا واستثمارات مفترضة، لكن ما تحمله بعض الكواليس أن الزعيم الإسلامي التونسي باعتباره أحد رموز الحركة الإسلامية في المنطقة العربية، زار قطر لبحث موقع الجماعة عالميا بعد التطورات الأخيرة في المنطقة والتي رأى الإسلاميون أنها قد تجعلهم على الهامش من جديد، خاصة في ظل التقارب المصري التركي والمصالحة الخليجية.

من هذا المنطلق قد يكون "الهروب" الإخواني الليبي، جزءا من هذه التحولات، في إطار البحث عن موقع جديد بعيدا عن الشكل التنظيمي التقليدي واللعب على الجانب الجمعياتي أو الدوعي باعتبار مساحة التحرك فيه أكثر حرية وحتى علاقتها بالمجتمع أخف حدة من العلاقة الحزبية، خاصة في وضعية جماعة مثل جماعة الإخوان التي تلقى نفورا كبيرا في ليبيا.

في جانب آخر يرى محللون أن هذا التغيير هو مناورة لربح الوقت والظروف لإعادة التموقع الداخلي، من أجل ضمان مستقبل سياسي لم يعد مضمونا بالشكل القديم. فليبيا على بعد أشهر قليلة من الانتخابات وموازين القوى على الساحة غير واضحة. والجماعات الإسلامية لم تعد إطارا مغريا للناس، بل هي الأكثر نفورا بالنظر إلى ما تسببت فيه خلال العشرية الأخيرة وارتباطها بالإرهاب وبخيارات إقليمية متورّطة بقوة في الفوضى الذي عاشتها البلاد من فوضى وانقسام سياسي، ومن هناك سارعت الجماعة الليبية إلى البحث عن عنوان جديد تحاول تقديم نفسها عبره ثم المحاججة بالاستقلالية.

وفي مقال للكاتب التونسي عبد الجليل معالي على موقع "الرؤية" قال إن "المرحلة الراهنة لا تسعفهم (إخوان ليبيا) بترف سياسي أو دعة اجتماعية، فحاولوا الانحناء حتى تمر العاصفة، وبادروا إلى تغيير اسم الجماعة للهروب من كل انتماء قد يجرّ عقوبة أو تضييقاً، وتوارَوْا وراء هوية دعوية معلنة تخفي حقيقة سياسية مضمرة، لكنهم حافظوا على أروقة خفية مع الحزب الإخواني (حزب العدالة والبناء)، تتيح لهم اعتماداً متبادلاً يضمن تقاسم أدوار يجنب الجمعية مآلات مخيفة مقبلة لكل الفروع الإخوانية العربية، ويزود الحزب برأس ماله البشري" وأضاف الكاتب التونسي، أنه "في السياق الليبي الراهن، وفي الظرفية الإقليمية التي تكتنفها التحولات، يصبح إعلان جماعة الإخوان التحول إلى جمعية حدثاً مهماً من منطلقين، فكري وسياسي، على أن أهمية الحدث تقتضي التشديد على أن الإعلان نفسه ليس سوى تغيير للاسم ولا يَعِد بتحولات فكرية وسياسية اكتظّ بها البيان".

أما بعض التحليلات الأخرى فهي تذهب إلى أن الجماعة ترغب في إعادة ترتيب بيتها الذي ضربته الانشقاقات والخلافات في السنوات الأخيرة تسببت في حل فروعها بمدينتي الزاوية ومصراتة، كما استقال عدد من أعضائها وقياداتها ما أدّى إلى تراجع على مستوى المزاج الشعبي الذي لم تدم شعبيتهم عنده طويلا بطبيعتها. بل إن البعض يرى أن هذا التغيير هو "محاولة للتنصل من الجرائم التي اقترفتها الجماعة بحق الشعب الليبي والشعوب العربية، والتظاهر بالتغيّر بلبس قناع جديد قد يظهرهم في صورة جديدة قبل الانتخابات والظهور باسم جديد، فهم أصبحوا مثل الشركات الرأسمالية عندما تصل لحالة الإفلاس تغير اسمها حتى تتخلص من الملاحقة القضائية"، مثلما قال نائب رئيس المجلس الأعلى للقبائل والمدن الليبية، ادريس ونيس الدرسي، في تصريحات سابقة لسكاي نيوز عربي.

وعلى هذا الأساس كان إخوان ليبيا أمام ضرورة إحداث "تغيير" لعله يساهم في إعادة تنظيم أنفسهم بشكل يسمح لهم بتجميع جديد ربما يبدأون به الانتخابات القادمة كمستقلين في انتظار ما سيحصلون عليه من نتائج، إما تجعلهم من التاريخ أو تبعث فيهم أملا جديدا يعيدهم إلى الواجهة وهذا غير منتظر في السياقات الجديدة.