بعد يوم حافل بالاحتجاجات الشعبية المناهضة لحكومة هشام المشيشي وحركة النهضة، استيقظت تونس الاثنين على وقع مشهد سياسي جديد يتزعم فيه الرئيس قيس سعيد صلاحيات السلطة التنفيذية مع تجميد عمل البرلمان ثلاثين يوما و توليه رئاسة النيابة العامة.
وبعد إعلان سعيد، انتشرت قوات الجيش أمام المؤسسات الحيوية في البلاد فيما خرج كثير من التونسيين للاحتفال بما يرونه "إنهاء" لحالة انسداد مستمرة منذ ستة أشهر زاد من وطأتها الانتشار المتسارع لفيروس كورونا الذي تسبب في شلل الحركة الاقتصادية.
توجه الرئيس التونسي، قيس سعيد، في ساعة مبكرة، اليوم الاثنين، إلى شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة التونسية، حيث التقى حشداً من المواطنين الذين نزلوا إلى الشارع احتفالاً بقرار تجميد عمل البرلمان وإقالة الحكومة.
ونفى سعيد أن تكون التدابير الاستثنائية التي اتخذها بمثابة "انقلاب على الشرعية"، واعتبرها قرارات دستورية وفق الفصل 80 من الدستور، مؤكداً، ''أكره الانقلابات، ولست من دعاتها، وكيف يكون انقلاباً تطبيق فصل من الدستور؟".
وشدد سعيد على أنه استشار قبل الإعلان عن هذه التدابير رئيس الحكومة، هشام المشيشي، الذي التقاه بشكل مباشر، ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي أعلمه هاتفياً. وأضاف، ''على الرغم من أنني تعاملت معهم بمنتهى الصدق والاحترام، يتآمرون ليلاً، المسؤولية تقتضي أن أتحملها، ولن أترك تونس لقمة سائغة يتلاعب بها هؤلاء".
وشدد الرئيس التونسي قائلاً، ''من يتحدث عن انقلاب فليقرأ الدستور جيداً، أو فليعد إلى الصف الأول الابتدائي''، مضيفاً، ''من يحاول الهروب الآن، ومن يريد أن يتحصن بالحصانة، ليتطاول على الدولة ورموزها فهو مخطئ، صبرت كثيراً، وتألمت مع الشعب التونسي".
واتهم رئيس البرلمان التونسي، راشد الغنوشي، رئيس البلاد بشن "انقلاب على الثورة والدستور".
ونفى رئيس مجلس النواب، راشد الغنوشي، استشارته من قبل سعيد حول تفعيل الفصل 80 من الدستور.
وقال، "إن تجميد أعمال مجلس نواب الشعب، دعوة لا دستورية، وغير قانونية، ولا تستقيم"، مضيفاً، أن "مجلس نواب الشعب بالجمهورية التونسية قائم، وسيستكمل أشغاله، ونطمئنُ الشعب التونسي وأصدقاء تونس في العالم، أن صوتها الحر لن يخبو أبداً بإذن الله تعالى".
وتحول الغنوشي، برفقة نائبته، سميرة الشواشي، وعدد من النواب الآخرين فجر الاثنين 26 2021، إلى مقر مجلس النواب، إلا أن وحدات الجيش الوطني، المتمركزة أمام مدخل البرلمان، منعته من الدخول.
وندد الغنوشي، في تصريح من أمام مقر البرلمان، بمنعه من دخول مقر المجلس، مؤكداً أن ما حدث في تونس، "انقلاب على الثورة" داعياً كل القوى السياسية إلى الوقوف مع الشعب التونسي.
ودعا أنصار الحركة إلى التوجه إلى مقر البرلمان للتظاهر والاحتجاج "حماية للثورة ولإرادة الشعب".
وقد تمركزت وحدات من الجيش ليلاً حول عدد من المقار الحيوية الرسمية على غرار البرلمان ومقر التلفزة الوطنية ومبنى الإذاعة التونسية.
وأيدت قوى سياسية في تونس القرارات التي اتخذها الرئيس، قيس سعيّد، معتبرة أن من شأنها أن تنقذ البلاد وترسي دعائم الاستقرار فيه.
وأعلن حزب التحالف من أجل تونس مساندته لكل القرارات والإجراءات التي أعلن عنها سعيّد، بما في ذلك إقالة حكومة هشام المشيشي وتجميد أعمال البرلمان.
وقال الحزب في بيان إنه "بهيئته السياسية ومنتسبيه يعلن مساندته لكل القرارات والإجراءات التي أعلن عنها رئيس الجمهورية وعن ثقتنا المطلقة في قواتنا العسكرية والأمنية وفي الإدارة التونسية وكل أجهزة ومؤسسات الدولة لتنفيذها بما يحقق السلم الاجتماعي واستقرار البلاد (...)".
واعتبر أن التصريحات التي تصف قرارات الرئيس التونسي بـ"الانقلاب" عبارة عن جملة من الأكاذيب والاشاعات وتشويه للحقائق.
أما حركة الشعب التونسية، فرأت أن قيس سعيّد لم يخرج بقراراته عن الدستور، وتصرف وفق ما تمليه عليه مسؤوليته في إطار القانون.
واعتبرت في بيان أن قرارات الرئيس كانت مدفوعة بالرغبة في المحافظة على كيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها وضمان السير العادي لدواليب الدولة.
وأكدت "مساندتها للقرارات التي أصدرها رئيس الجمهورية وتعتبرها طريقا لتصحيح مسار الثورة الذي انتهكته القوى المضادة لها وعلى رأسها حركة النهضة والمنظومة الحاكمة برمتها".
من جانبه،أكد أمين عام التيار الشعبي زهير حمدي خلال مقابلة تليفزيونة مع ميدي شو أن حزبه يدعم جميع قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد ويؤيدها، داعيا إلى إقرار خارطة طريق واضحة في هذا الإطار.
وتابع: "الناس إلّي وصلتنا للمأزق منذ سنوات ولهذه النهايات، تتحمل مسؤولية هذه القرارات..وما قام به الرئيس يدخل في صميم صلاحاته".
في الجانب المقابل،أما حزب التيار الديمقراطي فأعلن اختلافه مع الرئيس التونسي في تأويله للمادة رقم 80 من دستور البلاد، ويرفض ما ترتب عنه من قرارات واجراءات خارج الدستور.
وقال إنه "لا يرى حلا إلا في إطار الدستور، داعيا رئيس الجمهورية وكل القوى الديمقراطية والمدنية والمنظمات الوطنية لتوحيد الجهود للخروج بالبلاد من الأزمة باحترام الديمقراطية وحقوق الإنسان ومقاومة الفساد السياسي".
لكن النائبة عن الحزب، سامية عبو، اعتبرت قرارات الرئيس التونسي تستعيد الدولة، ووصفت في مقابلة إذاعية رئيس حركة النهضة الإخوانية، راشد الغنوشي بالشخص غير المسؤول.
وقالت إن البرلمان هو من انقلب على الدستور.
أما حركة النهضة فقد اعتبرت قرارات سعيّد انقلاب ضدها، وتماهت معها عدد من الحركات السياسية المقربة منها، مثل ائتلاف الكرامة.
فيما أكد الاتحاد التونسي للشغل ،الإثنين، ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية في إجراء يتخذ في هذه المرحلة التي تمر بها البلاد لتأمين احترام الدستور واستمرار المسار الديمقراطي وإعادة الاستقرار لتونس.
وشدد الاتحاد التونسي للشغل في بيان على  وجوب مرافقة التدابير الاستثنائية التي اتخاذها الرئيس قيس سعيّد بجملة من الضمانات الدستورية.
وأوضح أن هذه الضمانات تتمثل في "ضرورة ضبط أهداف التدابير الاستثنائية بعيدا عن التوسع والاجتهاد والمركزة المفرطة وتحديد مدة تطبيق الإجراءات الاستثنائية والإسراع بإنهائها، حتى لا تتحوّل إلى إجراء دائم والعودة في الآجال إلى السيرالعادي وإلى مؤسسات الدولة، وكذلك ضمان احترام الحقوق والحريات بما فيها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية".
ويرى مراقبون أن أن حركة النهضة ستحاول النزول إلى الشارع، وهو ما حدث فعلا حيث وصل بعض أنصارها لمقر البرلمان بعلة حماية الشرعية و هو ما يمكن أن يجرّ البلاد إلى مربّع الفوضى و العنف.