أعلن غسان سلامة استقالته من منصبه مبعوثاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا، تاركاً خلفه مشهداً معقداً وصورة ضبابية للأزمة الليبية، وتاركاً أيضاً باب التكهنات للسيناريوهات المقبلة مفتوحاً على مصراعيه.

وكان سلامة، أعلن استقالته في الثاني من مارس (آذار)، في تغريدة على موقع "تويتر" قال فيها "سعيت لعامين ونيف للمّ شمل الليبيين وكبح تدخل الخارج وصون وحدة البلاد. وعليّ اليوم، وقد عُقدت قمة برلين، وصدر القرار 2510، وانطلقت المسارات الثلاثة على الرغم من تردّد البعض، أن أقرّ بأن صحتي لم تعد تسمح بهذه الوتيرة من الإجهاد".

وقال المتحدث باسم الأمانة العامة للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك إن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "قبل استقالة رئيس البعثة الأممية في ليبيا غسان سلامة"، مؤكداً أن "غوتيريش يحترم قرار سلامة وسيناقش معه كيفية الانتقال السلس في البعثة بعد ترك منصبه". وأشار إلى أن "تركيزنا الآن على ألاّ تقود مغادرة سلامة إلى نكسة لجهود السلام".

وأثار إعلان المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة استقالته من منصبه، بعد مرور 32 شهراً على توليه مهام منصبه، الكثير من علامات الاستفهام حول الأسباب الحقيقية التي دفعت «سلامة» لاتخاذ هذا القرار.

صحيفة "لاكروا" الفرنسية، أكدت أن استقالة غسان سلامة، جاءت جراء التدخلات الأجنبية، لا سيما الغزو التركي المباشر، وانتهاك قرارات حظر الأسلحة المفروضة على هذا البلد.

وأضافت الصحيفة الفرنسية، أن استقالة سلامة تعكس فشل الأمم المتحدة في ليبيا، كما تعكس حالة الضغوط الكبيرة التي تعرض لها الأمر الذي قوض عملية إحلال السلام.

وأكدت الصحيفة الفرنسية، أن استقالة سلامة، جاءت أيضاً بعدما خرقت المليشيات الهدنة التي بدأت في  يناير الماضي، والقفز على مخرجات مؤتمر برلين، كما أصبح غسان غير مسموع بشكل متزايد بسبب التدخلات الأجنبية؛ خاصة التركية في الأزمة الليبية.

وختمت الصحيفة مؤكدة أنه باستقالة المبعوث الأممي دخلت الأزمة في ليبيا منعطفًا جديدًا، بعد أيام قليلة على تأكيده أن الهدنة انهارت تقريبًا بين طرفي الحرب الدائرة في البلد.

وفوجئ عدد من الدبلوماسيين بقرار سلامة بالاستقالة لأنه "حاول القيام بذلك سابقاً، وأجمع جميع أعضاء مجلس الأمن على ضرورة بقائه في هذه المهمة"، وفقاً لما قاله أحد أعضاء مجلس الأمن لـصحيفة "الشرق الأوسط"، معترفاً بأن الاستقالة "ستكون انتكاسة كبيرة للجهود الدبلوماسية التي تبذلها الأمم المتحدة في ليبيا". ورفض أعضاء مجلس الأمن طلبات سابقة من جامعة الدول العربية والاتحاد الأفريقي بتعيين "مبعوث مشترك" إلى ليبيا.

من جانبه،اعتبر رئيس المجلس الرئاسي في ليبيا، فائز السراج، أن استقالة المبعوث الأممي السابق إلى ليبيا، غسان سلامة، والتي تعتبر الاستقالة السادسة لمبعوثين أمميين إلى ليبيا، هي انعكاس لصعوبة وتعقيد مهمتهم.

في ذات الصدد،وقال السراج في حديث لوكالة "سبوتنيك"، تعليقا على استقالة سلامة: "لقد بذل المبعوث الأممي السابق السيد غسان سلامة جهودا كبيرة للوصول إلى تسوية سياسية وكان له دور بارز في انعقاد مؤتمر برلين وهو من اقترح خطة من ثلاثة مسارات سياسية وعسكرية واقتصادية للخروج من الأزمة".

وأضاف: "أعتقد ان جهد السيد غسان كان مركزا على إيجاد توافق أو تفاهم بين الدول الخارجية التي تمارس نفوذا في ليبيا والتي دعيت للمشاركة في مؤتمر برلين وأقرت مخرجاته، لكنها للأسف لم تحترم هذه المخرجات وواصلت دورها السلبي في الأزمة الليبية".

وأوضح رئيس حكومة الوفاق: "لقد جاءت الاستقالة بشكل مفاجئ وبذريعة الدواعي الصحية ونشكره على جهوده ونتمنى له موفور الصحة، وهي الاستقالة السادسة للمبعوثين الأمميين إلى ليبيا وهو ما يعكس صعوبة وتعقيد المهمة"، مشيرا إلى أن  الآن تتولى السفيرة ستيفاني وليامز المهمة بالوكالة وهي على معرفة ودراية بتفاصيل الأزمة الليبية وخطة الأمم المتحدة لإيجاد تسوية سياسية ولا تحتاج إلى وقت لاستيعاب ما جرى ويجري، نتمنى لها كل التوفيق".

بدوره رأى المحلل السياسي الليبي، فرج فركاش، أنّ تنحي سلامة لا يعني فشله شخصيا، بل فشل كل الليبيين، خاصة الأطراف الرافضة للتنازل التي كانت ولا تزال مصرة على إقصاء الخصوم سواء سياسياً أو عسكرياً.

واعتبر في تصريحات صحفية، أن تعيين بديل آخر لسلامة سيكون مهمة صعبة للأمين العام لملء الفراغ الذي سيتركه، كونه ملماً بالملف الليبي وناطقاً بالعربية وعلى تواصل مع عدة دول فاعلة في الملف الليبي، داعياً البعثة الأممية إلى تدارك هذا الأمر في أقرب وقت ممكن بنشر بيان تؤكد فيه أن خطة سلامة للسلام مستمرة بوجود نائبته الأميركية ستيفاني ويلياميز، قبل أن تتحول لغة التواصل بين الأطراف الداخلية إلى لغة أكثر تسليحا وأكثر دموية، وتترجم استقالته على أنها انتهاء للهدنة.

من ذلك يرى مراقبون أن غسان سلامة فشل في أداء مهمته بشكل كبير، خاصة في المفاوضات الأخيرة في جنيف، التي غاب فيها الطرفان الرئيسيان المؤثران في الأزمة عن طاولة الحوار، حيث أنه لم ينتج أيّ حل منذ قدومه وتحوّل في بعض الأحيان إلى طرف في الأزمة بانحيازه إلى حكومة الوفاق المدعومة من الميليشيات المسلّحة والمرتزقة، كما أنه وقع في عدة سقطات عندما أطلق وعودا للأطراف الدولية بقدرته على إيجاد الحل، لكنه فشل فشلا ذريعا.