إثر ماراتون من اللقاءات في الفترة الأخيرة، أسدلت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا الخميس الماضي الستار على أول اتفاق مبدئي للمرحلة الانتقالية ، قيل عنه أنه بموافقة الخصمين اللدودين  رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية المعترف بها دوليا فايز السراج المشير خليفة حفتر.

اللقاء وفق ما هو معلن جاء تعزيزا لإعلان الموفد الأممي إلى ليبيا في 18 يناير عن أمله في الدعوة في الأسابيع المقبلة لمؤتمر وطني في ليبيا لإنهاء المرحلة الانتقالية والتمهيد لتنظيم انتخابات رئاسية وتشريعية، وعزا ذلك إلى  ما وصفه بنجاح الاتصالات التي يجريها مع الأطراف الليبية ودول الجوار ، وهو ما تجسد بحسب البعض في اختيار أبوظبي تحديدا كمقر الاجتماع، حيث يعد هذا اللقاء هو الثاني بين السراج وحفتر الذي تستضيفه الإمارات بعد لقاء جمعهما في مطلع مايو 2017، في أبوظبي، وتم الاتفاق خلاله على حل الأزمة الليبية سياسيا وأهمية إجراء الانتخابات.

إعلان البعثة لم يوضح تفاصيل الاتفاق، ما دفع بالكثير من المراقبين إلى التساؤل حول شكل الاتفاق ومضمونه، وعن اعتماده بشكل نهائي. في هذا الإطار، دعا تحالف القوى الوطنية في ليبيا، بعثة الأمم المتحدة إلى نشر تفاصيل الاتفاق الذي أعلنت عن التوصل إليه أخيراً، تحت رعايتها في أبوظبي، بين رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج وقائد الجيش المشير خليفة حفتر.

وطالب التحالف الذي يقوده محمود جبريل، رئيس أول حكومة عقب الإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، البعثة بـ"إطلاع الليبيين على تفاصيل هذا الاتفاق، ومرجعيته، وعلاقته بخطة المبعــوث الأممي، وبالملتقى الوطني الليبي الشامل المطلوب عقده في أقرب وقت ممكن لتتويج جهود تجاوز الأزمة الراهنة كافـة، ووضـع أسس مشروع وطني يزيل عراقيل بناء الدولة، ويؤسس للاستقرار من دون إقصاء لأحـد، ويضمن حقوق الليبيين بشكـل متساوٍ".

وأثار هذا الإتفاق الذي إعتبره البعض تاريخي بين شخصيتين طال بينهما أمد الصراع و القطيعة،حيث يرحب عضو مجلس النواب علي السعيدي باجتماع أبوظبي قائلا: "نؤيد أي لقاء يرفع عن المواطن أزمته ويوقف المرحلة الانتقالية الحالية". ويتابع السعيدي تصريحه لـ"أصوات مغاربية" قائلا: "هذه ليست المرة الأولى التي يلتقي فيها الجنرال خليفة حفتر مع السراج، وجميع اللقاءات السابقة كانت دون جدوى". ويؤكد عضو مجلس النواب أن اجتماع أبو ظبي "كان تحت ضغوط دولية وأنتج رسائل غير واضحة ودون تحديد مواعيد ثابتة لإنهاء الأزمة الليبية".

من جانب آخر،يبدي عضو المجلس الأعلى للدولة أحمد لنقي تحفظا قاطعا على الاجتماع، إذ يقول: "كنا نتمنى عدم تغييب أي طرف فاعل من حضور الاجتماعات السياسية للتقارب بين أطراف الأزمة الليبية، لأن تهميش أي طرف يؤثر على تحقيق نتائج ملموسة". ويرى لنقي أنه يتعين توحيد السلطة التنفيذية أولا قبل إجراء الانتخابات التشريعية الجديدة. ويضيف بأن غياب دور الولايات المتحدة الأميركية التي يعتبرها "شريكا فعليا في استقرار ليبيا" عن اجتماع أبو ظبي "سيضعف من نجاحه ونتائجه المتوقعة".

ويستشعر الاسلاميون خطر التقارب بين القائد العام للجيش المشير خليفة حفتر ورئيس حكومة الوفاق واتفاقهما على إجراء انتخابات عامة بدل مقترح إجراء التشريعية فقط، والذي يسعى الإسلاميون وحلفاؤهم الإقليميون والدوليون إلى فرضه. حيث انتقد حزب الوطن الذي يرأسه الأمير السابق للجماعة الليبية المقاتلة عبدالحكيم بلحاج الاتفاق.  وقال الحزب في بيان الأحد إن الطريق لإنهاء الأزمة المفتعلة هو إكمال المرحلة الانتقالية بالاستفتاء على مشروع الدستور، وليس لإعادة إنتاج مرحلة انتقالية أخرى.

في سياق متصل ساهم هذا اللقاء في تخفيض حدة التوتر الخفي بين حكومة الوفاق وقيادة الجيش الليبي التي ارتسمت مفاعيلها على وقع العمليات العسكرية في جنوب البلاد، لاسيما بعد تطهير الجيش الليبي لمناطق مختلفة في الجنوب الليبي كانت تحت سيطرة المتطرفين. من ذلك يرى مراقبون أن تطورات معركة الجنوب، هي التي فرضت هذه المُتغيرات في المشهد الليبي، باعتبارها وضعت جميع الأطراف أمام معادلة جديدة أجبرتها على التكيف مع عناصرها، في مسعى لضبط مُخرجات سياسية جديدة لإعادة ترتيب الوضع الداخلي الليبي بعيدا عن الخلافات التي عمقت الأزمة الليبية.