سلط موقع "أي يو ريبوتر" الأخباري الأوروبي الضوء على آخر مستجدات الأوضاع في ليبيا، وتساءل الموقع عما إذا كانت فرنسا تستطيع قيادة ليبيا نحو الاستقرار.

وقال موقع "أي يو ريبوتر" إنه خلال الفترة التي سبقت زيارته لليبيا هذا الأسبوع ، دعا رئيس البرلمان الأوروبي أنطونيو تاجاني أوروبا إلى "التحدث بصوت واحد" وتوجيه جهودها بشكل جماعي نحو إعادة بناء دولة فاعلة في الدولة التي تدمرها الفوضى والخلاف بين الفصائل المتنافسة والقوى الخارجية. وتبدو دعوات تاجاني للوحدة مبهمة، ولكنها موجهة بشكل خاص لكل من باريس وروما، بعدما انتقل أبرز اللاعبين الأوروبيين في ليبيا –يقصد فرنسا وإيطاليا- من الانتقادات اللاذعة حول قضايا الهجرة إلى التراجع عن محاولاتهم المتنافسة لتجميع الأطراف السياسية الليبية.

وتأتي تعليقات تاجاني بعد أن أمضى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الكثير من الوقت في الأسابيع القليلة الماضية في محاولته التدخل في الجمود الداخلي المستعصي  بليبيا. وخلال قمة دولية استضافها ماكرون في باريس في مايو الماضي وافق أربع شخصيات ليبية رئيسية على إجراء انتخابات "سلمية وذات مصداقية" في البلاد في ديسمبر المقبل، وهي خطة وصفت بشكل مختلف بأنها رمزية وطموحة وغير واقعية. ومنذ ذلك الحين واصل الرئيس الفرنسي الضغط على الفصائل المتناحرة في ليبيا للتأكد من إبرام الاتفاق.

وقد توفر الفوضى على عتبة أوروبا فرصة لماكرون لإضفاء بصمته ، لكنه يضع أيضًا أمام باريس مجموعة من التحديات المستعصية واللاعبين الفاعلين. وتقاتل عدة فصائل من أجل السيطرة على ليبيا التي دمرتها الحرب منذ وفاة العقيد معمر القذافي عام 2011. ولا يزال البلد المجزأ بدون سلطة موحدة واحدة. ومع كل من الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما والرئيس الحالي دونالد ترامب الذي يوجه واشنطن إلى الانسحاب من الساحة الليبية، أصبحت فرنسا الآن في طليعة القوى الأجنبية التي تسعى إلى حل سياسي للفوضى الليبية.

وكانت قمة مايو هي أكثر محاولات ماكرون الملموسة لتحقيق الاستقرار في ما أصبح الطريق المفضل للمهاجرين الذين يتوجهون إلى أوروبا. وتعد ليبيا نقطة عبور لمئات الآلاف من الأفارقة الذين فروا من الحرب والفقر والتجنيد العسكري والقمع السياسي  وغالباً ما يتم الاتجار بهم عبر الصحراء الليبية قبل التوجه إلى إيطاليا بالقوارب. وإذا كان على الرئيس الفرنسي الطموح أن يحرز تقدمًا سياسيًا فعليه أن يتعامل مع الوضع الأمني الفوضوي في ليبيا وفي الوقت نفسه بناء إجماع بين أصحاب المصلحة الغربيين في هذه الأزمة الإنسانية. وإذا لم يعالج هذه العناصر  فإن الانتخابات المقبلة التي يريد تنظيمها ستتعرض لخطر دفع الدولة في شمال أفريقيا إلى المزيد من الفوضى.

ومن بين القادة الليبيين الذين أيدوا هذه المبادرة المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي المسيطر على شرقي البلاد. ولقد برز حفتر، وهو الآن واحد من أقوى اللاعبين في الصراع  ويعزز نفسه بأنه أفضل أمل في البلاد للاستقرار وكحصن ضد الجهاديين. ولقد ساعد قمعه للجماعات المتطرفة - التي نجحت قواته مؤخراً في طرد الميليشيات الإسلامية المتشددة من مدينة درنة شمال شرق البلاد المحاصرة - في الحصول على دعم رصين من باريس والعواصم الأوروبية الأخرى التي تنظر إليه بصورة متزايدة على أنها أكثر يدٍ أمنة للحفاظ على ليبيا مستقرة.

ونظراً لاستمرار حالة عدم الاستقرار في البلد لا تزال الشكوك قائمة حول آفاق إجراء انتخابات ديسمبر التي توسط فيها "ماكرون". وحذرالمسؤول الليبي السابق محمود جبريل من أن الانتخابات المبكرة قد تؤدي إلى تقسيم ليبيا ودعت إلى مزيد من الأمن والوحدة قبل تنظيم الأصوات. ومن جانبه  اعترف ماكرون بأن العنف قد يعطل الانتخابات ، لكنه ما زال يشيد بمؤتمر باريس باعتباره إنجازًا.

ويجب على ليبيا أن تحقق شيئاً من الاستقرار حتى تتسنى  أي فرصة لإجراء انتخابات ناجحة، وسيكون الدعم الغربي أساسياً لكن هذا الدعم مرتبط بشكل وثيق بتدفق المهاجرين القادمين من ليبيا إلى أوروبا. وحتى الآن  لم يكن هناك أي عاصمة أوروبية باستثناء باريس مستعدة لطرح وجهة نظر بعيدة المدى. وإيطاليا على سبيل المثال  اتفقت مع ليبيا على إعادة تفعيل معاهدة تطلق 4.2 مليار يورو من الاستثمارات الإيطالية إذا قبلت طرابلس عودة المهاجرين وفرضت قيود على العبور غير الشرعي إلى أوروبا.

ومن المفهوم أن جماعات حقوق الإنسان غاضبة من هذا الإجراء. وتفرض إيطاليا بشكل أساسي عودة أولئك الذين يعبرون البحر المتوسط إلى بلد مزقته الحرب حيث يتعرضون لسوء المعاملة على نطاق واسع في مراكز الاعتقال وغيرها من أشكال الاستغلال. إن إرسال أعداد كبيرة من المهاجرين إلى ليبيا قد يؤدي أيضاً إلى اضطرابات اجتماعية واقتصادية كبيرة في البلد الهش ويخلق شيئاً "أسوأ بكثير من الوضع الحالي" ، وفقاً للأكاديمي والسياسي الليبي جمعة القماطي.

لقد عرقلت الخلافات الداخلية في أوروبا بشأن حصص اللاجئين التعاون داخل الاتحاد الأوروبي. وفي الشهر الماضي على سبيل المثال منعت حكومة إيطاليا الشعبية قارب إنقاذ من الرسو بأحد موانئها، وهو تحرك انتقده ماكرون على أنه "مستهتر وغير مسئول"، كما رفضت فرنسا تقديم ملاذ آمن للسفينة. ويغضب الوزراء الأوروبيون مما يرون أنه إحجام ماكرون عن تقديم المساعدة العملية ، حتى بعد أن أعلنت باريس وطرابلس عن خطط لتعزيز تعاونهما ومكافحة مهربي البشر الشهر الماضي.

وبطبيعة الحال  فإن تاجاني محق تماماً في القول إن على القادة الأوروبيين التغلب على خلافاتهم ومساعدة ليبيا من أجل حل أزمة الهجرة الخاصة بهم. وبغض النظر عن الشائعات لا يزال بإمكان فرنسا وإيطاليا الاتفاق على العديد من جوانب هذا التحدي. وسيساعد أضعاف الجماعات المسلحة الضعيفة وتحسين الأمن على تخفيف طرق الاتجار بالبشر. إن تعزيز الاستقرار والأمن في ليبيا هي مقدمات لا غنى عنها لأي انتخابات مستقبلية  ناهيك عن مستقبل ووحدة مشروع أوروبا.