بعد تقلص نفوذ تنظيم داعش في ليبيا أصبح نشاطها شبه معدوم تقريباً، يثار التساؤل حول فرضية هزيمة التنظيم وعدم قدرته على إنتاج نفسه مجدداً بعد العمليات التي استهدفته، في الوقت الذي تشهد فيه معظم خلاياه ضعفاً في بنيتها ونشاطها.

عقب أحداث2011، استمرت ليبيا في احتلال مركز هام، إلا أنه متأرجحا، بالنسبة للجهاديين العالميين. وبما أن أجهزة الدولة الجديدة في ليبيا فشلت في توطيد مؤسساتها، وفشلت في ادماج نفسها مع الشعب الليبي في الفترة الأولى عقب إسقاط نظام العقيد القذافي بين 2012-2013، فإن الفراغ الأمني والسياسي في ليبيا خلق مناخاً مناسباً يمكن للجهاديين اللجوء إليه بعد انتهاء اشتباكاتهم في العراق وسوريا.

فالظهور الرسمي لداعش في ليبيا كان رسمياً في إعلان البيعة للبغدادي في مدينة درنة الواقعة شرق ليبيا عام 2014، ثم أعقب ذلك انتشار للتنظيم في مدينتي بنغازي وسرت وتوالت مقاطع الفيديو التي تنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتعلن فيها جماعات تبعيتها للتنظيم.

بعد معارك عدة خرج تنظيم داعش من المدن رسمياً من دون أن يجري القضاء على أفراده كلهم الذين خاضوا المعارك في مدن الشمال الليبي.

وقال فرحات البدري وهو باحث في شؤون الجماعات الارهابية "أثبت تنظيم داعش أنه يتمتع بقدرة كبيرة على المناورة رغم فقدان معقله في سرت قبل عامين". وأضاف البدري لوكالة الأنباء الصينية "نفذ تنظيم داعش هجمات مميتة في العاصمة طرابلس أدت إلى إرباك الحكومة فيما يتعلق بالنهاية الفعلية لتهديد الجماعة المتطرفة في البلاد".

وشن داعش هجومًا انتحاريًا في مايو الماضي على مقر اللجنة الوطنية العليا الليبية للانتخابات مما أسفر عن مقتل أكثر من 14 شخصًا وإصابة العشرات، كما تعرض مقر المؤسسة الوطنية للنفط لهجوم في سبتمبر وقتل شخصان.

وفي الأسبوع الأخير من عام 2018  هاجم تنظيم داعش مقر وزارة الخارجية في طرابلس مما أسفر عن مقتل شخصين وإصابة أكثر من 10 آخرين. كما هدد التنظيم المتطرف بشن سلسلة من الهجمات المتعاقبة في عام 2019 على المؤسسات الليبية وقوات الجيش في شرق البلاد وغربها.

في نفس الإطار، رسم موقع بلومبيرغ الأميركي خريطة شارحة لما قال إنها دول يُرجّح عودة تنظيم داعش إليها، بعد نحو أسبوعين من إعلان الولايات المتحدة الأميركية هزيمة كاملة للتنظيم الذي روّع العالم على مدة سنوات عدة، فيما كان لافتا ظهور اسم ليبيا من بين الدول التي يمكن للتنظيم أن يعود إليها في أي وقت، فيما يربط التقرير الذي بدا لافتا بين غياب الاستقرار السياسي في الدول التي وردت في التقرير والعودة التدريجية للتنظيم الذي يقول التقرير إنه فقد العديد من قدراته وإمكانياته التي تتيح له العودة بالصورة التي عرفها العالم قبل سنوات.

وبحسب التقرير فإن الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر قد ألحق هزيمة بتنظيم داعش ومجموعات إرهابية أخرى في عدة مدن ليبية، لكن تقرير بلومبيرغ يقول إن هذه الهزيمة لم تكن تامة وكاملة، بالنظر إلى غياب الاستقرار السياسي، وضعف الأوضاع الأمنية التي يمكن أن تُشكّل لعناصر تنظيم داعش الفارة من مصر وتونس والعراق وسوريا نقطة جذب إلى ليبيا مجددا.

في السياق نفسه، يروي ماتيو باكستون، المتخصص في قضايا الدفاع ومراقب مرجعي للمنظمة الإرهابية، كيف أن التنظيم الجهادي قد عاد بالقوة من خلال اللعب على التنافس بين أطراف الصراع في البلاد.

حيث ذكر تفجير مانشستر (22 مايو 2017) بشكل محزن، بأهمية الفرع الليبي لداعش، والذي شارك بشكل واضح في التحضير لهجمات في الخارج. وإذا كان هذا الفرع قد فشل، في ليبيا، في تكرار النموذج الميداني الذي وضعته المنظمة الجهادية في سوريا والعراق، فإن خسارته لآخر معقل له في سرت في ديسمبر 2016، لم يكن يعني أيضًا اختفاءه.