عيّنت الرئيسة الانتقالية بأفريقيا الوسطى "كاترين سامبا بانزا"، اليوم الأحد، "محمد كامون" رئيسا جديدا لوزرائها، خلفا لـ "أندريه نزابايكي"، والذي قدّم استقالته  في 5 أغسطس/ آب، بناء على طلب من الرئيسة الانتقالية للبلاد.

"كامون" الذي تخطى الخمسين من عمره، هو أوّل رئيس وزراء مسلم لأفريقيا الوسطى.. رجل "براغماتي" لصيق بواقعه السياسي، ومع ذلك، لا يحظى بالإجماع داخل تحالف "السيليكا" (ائتلاف سياسي وعسكري مسلم) الذي ينتمي إليه.

يتدرّج في السلم المهني بالإدارة المالية بأفريقيا الوسطى، إلى حين تقلّده منصب مدير الخزينة العامة في عهد الرئيس المسيحي "فرانسوا بوزيزيه".

وفي العام 2012، كان عليه مواجهة تهمة "اختلاس" أموال عامة، وهو ما أجبره على الفرار إلى الولايات المتحدة الأمريكية. ثمّ عاد إلى أفريقيا الوسطى، غداة انقلاب أحد مؤسّسي تحالف السيليكا، وهو ميشيل دجوتوديا، على "بوزيزيه"، ليشغل منصب مدير لمكتب الرئيس الجديد للبلاد.

وإثر فرار "دجوتوديا" وتشكيل الحكومة الانتقالية في أفريقيا الوسطى، عينته الرئيسة الانتقالية "كاترين سامبا بانزا" في منصب مستشار خاص لدى الرئاسة ، من منطلق مساعيها لتحقيق مقاربة أكثر توازنا من حيث الانتماء الطائفي لوزراء حكومتها، تعتمد بالأساس على تطعيم تشكيلتها بشخصيات مسلمة وقريبة من تحالف "السيليكا".

الحسّ البراغماتي لدى "كامون" دفعه لقبول هذا المنصب، وهو ما أثار غضب الجناح المتشدّد "صقور" "السيليكا". وعٌرف بطبيعته الغامضة، وبتفضيله العمل في الخفاء كمستشار للقابضين على زمام القرار.. معطيات جعلت الغموض يحفّ بشخصيته وبنشاطه المهني، وتعيينه رئيسا للوزراء يعتبر علامة فارقة في مسيرته المهنية، على الأقلّ على مستوى تحوّله من الكواليس التي يحبّذها إلى الواجهة، أو بالأحرى من الظلّ إلى النور.

ورغم أنّ اسمه كان من ضمن المرشّحين لنيل منصب رئاسة وزراء بلاده، غير أنه لم يكن المفضّل بينهم، بما أنّ وزير الخارجية السابق "كريم ميكاسوا" هو من كان يتمتّع بالجزء الأكبر من الدعم الدولي، ليكون اختيار "كامون" من طرف "بانزا" مبنيا على مقاربة "سياسية أكثر منها منطقية"، هذا على الأقلّ في صورة الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذه الشخصية لا تمثّل نقطة توافق حتى صلب تحالف السيليكا نفسه، بحسب مصادر دبلوماسية بالعاصمة بانغي.

ويأتي تعيين "كامون" في إطار مساعي الرئيسة الانتقالية إلى تشكيل حكومة "أكثر تمثيلا" لمختلف الأطراف الفاعلة في البلاد، عملا بمقتضيات اتفاقية "برازافيل" لوقف أعمال العنف، والموقّعة في عاصمة الكونغو، في 23 يوليو/ تموز المنقضي.

وسرّ تعيين "محمد كامون" وزيرا أولا في أفريقيا الوسطى نابع من حقيقتين فاصلتين، أوّلهما أنه مسلم، وليس ذلك فحسب، وإنما هو أول شخصية مسلمة تتقلّد هذا المنصب في البلاد، وهذا إنجاز في حدّ ذاته. والحقيقة الثانية لها صلة بقرابة الرجل من "ميشيل دجوتوديا"، والذي يستمرّ في تحريك العناصر الموالية له من خلال ذراعه العسكري التابع لتحالف السيليكا، وفقا للمصادر ذاتها.

وترمي "بانزا" من هذا القرار إلى إثبات مساعيها الجادة بشأن احترام اتفاق برازافيل، لمختلف أطراف الأزمة في أفريقيا الوسطى، بحسب مصادر دبلوماسية مطّلعة. فتعيين "كامون" في هذا المنصب بدا خطوة ملحة لدعم الاتفاق بقرارات وتدابير إجرائية، تفنّد الأقاويل أو المساعي نحو عرقلة تجسيده، ومؤشرا لا يقبل التفنيد عن رغبة واضحة من قبل أعلى هرم السلطة في البلاد حول وجود رغبة حقيقية في تقاسم السلطة بين المسلمين والمسيحيين.

وأضافت المصادر ذاتها أنّ "كامون" يفرض نفسه كخيار "داخلي" بامتياز، بما أنّ الرجل متواجد في دوائر السلطة، ومنصبه السابق كمستشار للرئاسة مكّنه من الحصول على معطيات وخبرات بشأن تحدّيات الوضع الراهن، ويدرك جيدا خصوصيات وعموميات الأزمة الحالية. كما أنّ صلته بـ "ميشيل دجوتوديا" من شأنها أن تمنح السلطة الحالية دعما قويا، متمثّلا في الحصول على تأييد  تحالف "السيليكا" المسلم.