تحت حراسة مشددة، وصل مدير وكالة المخابرات الأمريكية وليام بيرنز، الى العاصمة الليبية طرابلس، في زيارة تثير الكثير من التساؤلات، خاصة وأنها تأتي بعد ايام قليلة من اعلان مجلسي النواب والدولة الليبيين، اتفاقهما على إقرار القاعدة الدستورية، ووضع "خريطة طريق" لاستكمال العملية الانتخابية وتوحيد المؤسسات الليبية.

هذه الزيارة تعتبر الأولى من نوعها، لدبلوماسي أمريكي رفيع المستوى، منذ أن تولى الرئيس الأمريكي جون بايدن السلطة. وبالرغم من أنه لم يتم الكشف عن أسباب الزيارة لكن التطورات التي تشهدها ليبيا تنبئ بالأسباب التي يرجح أنها محاولة أمريكية للدفع نحو تحقيق تقدم ملموس في المسار السياسي بخطوات جديدة تتبع خطوة التوافق بين مجلسي الدولة والنواب.

والتقى بيرنز،القائد العام للجيش الوطني، خليفة حفتر  بمقره في الرجمة خارج مدينة بنغازي شرق البلاد، قبل أن ينتقل إلى المنطقة الغربية للاجتماع مع عبد الحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة في طرابلس، بحضور وزيرة الخارجية والتعاون الدولي نجلاء المنقوش، ورئيس جهاز المخابرات حسين العائب، ووزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ورئيس الحكومة عادل جمعة.

ضغط أمريكي متوقع

ويتوقع أن تسعى الولايات المتحدة الامريكية،لممارسة ضغوط على الأطراف الليبية من أجل خطوات جديدة تعزز الخطوة الأخيرة التي جاءت بعد اجتماع القاهرة بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح ، ورئيس مجلس الدولة خالد المشري.

وكان سفير الولايات المتحدة ومبعوثها الخاص إلى ليبيا ريتشارد نورلاند، أكد في وقت سابق، أن اختتام النقاشات بين عقيلة صالح وخالد المشري في القاهرة، لا يترك أي سبب لتأجيل وضع تاريخ مبكر للانتخابات البرلمانية والرئاسية. دعا نورلاند في تغريدة نشرت على حساب السفارة الأمريكية لدى ليبيا بتويتر "القادة الليبيين لتبني الإجراءات اللازمة بأسرع وقت ممكن للسماح للمفوضية الوطنية العليا للانتخابات بالشروع في تفعيل العملية الانتخابية".

وسبق أن نجحت الأطراف الليبية في الوصول الى توافقات هامة،لكن سرعان ما أدت الخلافات بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة ذي الصفة الاستشارية بشأن قانون الانتخابات، وشروط المرشحين، إلى الفشل في صياغة القاعدة الدستورية، وبالتالي فشل الوصول الى الانتخابات التي كانت مقررة في ديسمبر 2021.

دعم الدبيبة

زيارة المسؤول الامريكي، تأتي بعد حوالي شهرين من تسليم حكومة عبدالحميد الدبيبة، للمواطن الليبي، أبو عجيلة مسعود المريمي، للولايات المتحدة التي تتهمه بالمشاركة في تفجير طائرة أمريكية فوق مدينة لوكربي في أسكتلندا عام 1988. وهو الأمر الذي أثار غضبا واسعا في الأوساط الليبية وخرجت احتجاجات ضد حكومة الدبيبة وسط مطالبات بضرورة محاسبة المسؤولين عن تسليم ابوعجيلة.

ويرجح ان تكون القضية احدى الملفات التي طرحت خلال زيارة مدير المخابرات الأمريكية الى طرابلس،ولقاءه رئيس حكومة الوحدة،حيث يسعى الدبيبة لنيل الدعم الأمريكي في مواجهة خصومه وخاصة في ظل وجود حكومة فتحي باشاغا التي تطالب بتسليمه السلطة وهو ما يرفضه الدبيبة ويصر على الاستمرار في منصبه رغم انتهاء ولاية حكومته.

ومنعت القوات الموالية لحكومة الدبيبة مسؤولي الحكومة المكلفة من الدخول إلى طرابلس، لممارسة مهامهم،ونتج عن هذا اشتباكات بين الطرفين،اضطر بعدها فتحيباشأغا لقيادة الحكومة من سرت لتتصاعد أزمة الشرعية في البلاد مجددا وسط انقسامات حادة بين المؤسسات ما أدى الى عودة البلاد الى مربع الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.

وفي ديسمبر الماضي،أكد السفير الأمريكي في ليبيا، ريتشارد نورلاند، أنه لا حاجة لتشكيل حكومة انتقالية جديدة في ليبيا في ظل وجود حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبدالحميد الدبيبة،في رسالة دعم واضحة لحكومة الأخير امام منافستها حكومة فتحي باشاغا. وصرح نورلاند لمجلة "جون أفريك"،بأن الولايات المتحدة تعتبر الدبيبة رئيسًا للحكومة الانتقالية "ولا نحتاج إلى فريق آخر من الوزراء الانتقاليين".


أولوية الملف الليبي

في ظل التحركات الدبلوماسية التي طغت مؤخرا على المشهد الليبي في تواصل للمساعي الإقليمية والدولية لوضع حد للأزمة المتفشية في البلاد منذ سنوات،يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية باتت تبحث جديا زيادة مشاركتها الدبلوماسية والعسكرية في الساحة الليبية.

الإدارة الأمريكية بقيادة جو بايدن،انخرطت بشكل اكبر في الملف الليبي،ودخلت الساحة الليبية بثقلها منذ اللحظة الأولى، حتى باتت الأزمة الليبية من أولويات السياسة الخارجية الأميركية.ويبدو ألامر أكثر وضوحا باختيار رئيس المخابرات الأمريكية ويليام بيرنز،للقيام بمهمة اللقاءات العاجلة مع القيادات الليبية.

فبيرنز ،الذي خدم 32 عامًا في وزارة الخارجية، وشغلَ مناصب مهمة وحساسة ،يعد من أبرز الدبلوماسيين الأمريكيين تعاملا مع الملف الليبي،فقد سبق أن أشرف على عدة ملفات أمنية على علاقة بليبيا،ويبدو أن الادارة الامريكية تسعى من خلال الديبلوماسي المحترف الملقب "بالرجل الرمادي"،الى تأكيد حضورها في ليبيا كقوة فاعلة دبلوماسيا.

ومنذ العام 2011،كانت الولايات المتحدة الأمريكية،أبرز القوى الدولية حضورا في الساحة الليبية على الصعيدين الديبلوماسي والعسكري،لكن بعد وصول  دونالد ترامب للرئاسة في البلاد،التزمت الادارة الأمريكية الصمت حيال ما يحدث في ليبيا،ووصل بها الأمر حد التنصل من أي تدخل في هذا البلد المتأزم.لكن ادارة بايدن التي أصبحت شريكا للأمم المتحدة في رعاية كل المفاوضات السياسية في ليبيا،تسعى لفرض وجودها في بلد استراتيجي لحماية مصالحها اولا ومواجهة نفوذ قوى أخرى ابرزها روسيا وتركيا في المنطقة.