حول الاجابة على سؤال ماذا يجري في تونس؟  يرى الأكاديمي المغربي علي خداوي،  في تصريح لـ"بوابة افريقيا الاخبارية" أنه من  الصعب الإجابة عنه في غياب معلومات دقيقة ومؤكدة ، لكن يمكن  الاستنتاج انطلاقا من بعض  الوقائع والاحدأث التي عرفتها تونس في مرحلة ما بعد بنعلي .

وبعيدا عن الجدل القانوني الدائر حول مدى دستورية القرارات المفاجئة للرئيس قيس سعيد دستورية وموقف دور الجيش التونسي والقوات الامنية مما يجري ؟  يبقى السؤال الجوهري الذي يجب أن يطرح بالنسبة له :" هو اي دور حزب النهضة الإسلاموي في ما جرى ويجري في تونس"؟

ويعود  الاكاديمي على خداوي الى الوراء قليلا ، متسائلا عن غياب معطيات دقيقة لما كان يخطط له في الكواليس بكل سرية من طرف كل اطراف الصراع الظاهر - الخفي وطنيا واقليميا ودوليا  وعن مسار التحقيقات حول الإغتيالات التي طالت وجوه   ويساريين بارزة،  صلة ذلك  بارتباط حركة النهضة بالجماعات الإرهابية ، وتحالفها مع  رموز الفساد ، معتبرا بأن كل هذه قنابل موقوتة كان الوقت لتنفجر، ويستخلص  من كل هذه التساؤلات، مخرجات ادت الى حدوث ما حدث: اولها ما يجري في تونس دليل على صعوبة بناء الديمقراطية في البلاد التي لا يزال الدين يلعب فيها دور سياسي من الدرجة الأولى.

وثانيها ،أن هذه الاحداث دليل على صعوبة ارساء الديمقراطية في اوطان تكون فيها الثقافة الديمقراطية ضعيفة نظرا لسيادة فكر لا يؤمن بالحوار الديمقراطي.

وثالثها ، أن مجريات الأحداث في تونس مند بداية ما سمي ب"الثورة" تدل على ان ما جرى ليس بثورة كما هو معروف  في الادبيات التاريخية والسياسية الخاصة لمفهوم الثورة،  ولكنها احداث  ثار فيها الشعب على أحواله المزرية دون توفر شروط الثورة من فكر ثوري ومشروع مجتمعي وبرنامج ثوري وقيادة تطبق كل هذا. هي اذا انتفاضة عفوية من اجل تحسين الأوضاع وليست ثورة.

  ويوضح الأكاديمي على خداوي ، بأن تاريخيا كل الثورات المعروفة سبقها نضال اعدادي فكري وسياسي وثقافي طويل الامد تم فيه تكوين المناضلين والاطر التي ستأخذ بزمام الامور كما كان الشأن في الثورة فرنسية وروسية والصينية وكوبية وغيرها.

ويضيف بأن  ما وقع من انتفاضات عفوية في تونس وغيرها ،استغل من طرف  معتنقي الفكر الديني المحافظ والمتواطئ دائما مع الرجعية والاقطاع:" راينا كيف استغل تنظيم الإخوان انتفاضة الشعب التونسي والمصري لكي ينقضوا على السلطة باسم الديمقراطية في حين أنهم اصلا لا  يؤمنون بها بل يستغلونها لبناء ما يسمونه " الدولة الاسلامية وتطبيق الشريعة".

  في مسعاه لتفسير ما وقع  وتبعاته الشعبية يرى الأكاديمي  المغربي أنه "في ظل هيمنة الاقتصاد الليبرالي العالمي على كل البلدان الغير النامية وتبعية هذه البلدان للمؤسسات المالية الدولية، سريعا ما تتحول الانتفاضة الى انتفاضات لان الأوضاع الاقتصادية ومعها  الأوضاع الاجتماعية لا تتحسن نظرا للاسباب المذكورة ونظرا للفساد الموروث سياسيا وثقافيا ومجتمعيا".

ويشير الى  أنه "ونظرا لضعف الدراسات الانتروبولوجية والسوسيولوجية في هذه البلدان، لا تفرق الادبيات العربية في هذا الشأن بين الثورة والانتفاضة اذ هناك فرق شاسع بين الثوري والثائر  وهما في العربية مشتقان من نفس كلمة "الثورة" في حين نجد في الادبيات الفرنسية مثلا ان الثوري مرده كلمة الثورة   (revolutionnaire_revolution) بينما  الثائر او المنتفض (révolté) مرده (révolte).  وقد بين اندري مالرو في كتابه الشهير la condition humaine واللذي تناول فيه الثورة الصينية الفرق بين مفهوم الثوري ومفهوم  الثائر عبر  شخصيتين   : احداهما ثوري  مؤمن وواعي كل الوعي باهداف الثورة التي يعمل من اجلها ومستوعبا لادبياتها ومنضبطا لقوانينها التنظيمية واوامر قادتها، بينما نجد أن الثائر او المنتفض غالبا ما يتصرف تبعا لعواطفه واهواءه ومشاكله الشخصية الآنية دون احترام ضوابط التنظيم ولاوامر القادة معرضا بذالك الثورة برمتها للخطر". 

ويخلص الاستاذ علي خداوي إلى القول:"ان الانتفاضات مهما كانت عارمة وصاخبة، ان لم تكن  مبنية على فكر واعداد  قبلي، وشروط زمانية ومكانية معينة, فإنها غالبا تنقلب الى ضدها او الى فوضى عارمة كما هو الشأن في تونس الان. دون اغفال اعداء الثورة داخليا وخارجيا وهم كل من تهدد الثورة مصالحهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية".