ما كاد العالم يفيق من فزع انتشار فيروس كورونا في العديد من الدول بعد أخبار عن اكتشاف علاج ناجع له حتى ظهرت أمراض أخرى فتاكة تهدد البشرية أيضا مثل مرض الملاريا الذي عاود الرجوع في أفريقيا. وقد فاجأت منظمة الصحة العالمية العالم مؤخرا، بتقرير صادم يفيد بارتفاع عدد ضحايا الملاريا في أفريقيا خلال جائحة كورونا إثر تعطل الخدمات المخصصة للتعامل مع المرض، وبينت المنظمة أن أكثر من 409 آلاف شخص في أنحاء العالم ومعظمهم من الرضع قضوا جراء إصابتهم بالملاريا في أفقر المناطق الأفريقية العام الماضي مشيرة إلى أن هذا العدد سيرتفع على نحو شبه مؤكد في 2020 بسبب جائحة كورونا.

وبحسب الأمم المتحدة، فإن مواجهة النقص الحاد في ميزانيات المساعدة الإنسانية يتطلب 35 مليار دولار هي قيمة المساعدات الإنسانية المطلوبة للعام 2021، من أجل مساعدة حوالي 160 مليون شخص من أصل 325 مليوناً في 46 دولة، هم الأكثر ضعفا، يواجهون الجوع والنزاعات والنزوح وتداعيات التغيّر المناخي والوباء، حيث من المتوقع أن يرتفع عدد الأشخاص الذين يحتاجون إلى مساعدة إنسانية في العالم عام 2021 إلى عدد قياسي جديد ليبلغ 235 مليون شخص أي سيزيد بنسبة 40 بالمائة مقارنة بعام 2020، وفق خطط الاستجابة الإنسانية التي تنسّقها الأمم المتحدة. وللمرة الأولى منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي، ارتفعت نسبة الفقر المدقع، وسجّل متوسط العمر المتوقع تراجعاً حاداً في العالم وقد يتضاعف عدد الوفيات الناجمة عن الإيدز والسلّ والملاريا.

والصادم حقا، أن الإصابة بالأمراض (الطفيلية) كالملاريا تبلغ ذروتها في عالمنا الذي يدعي التحضر والتطو، في حين تسعى غالبية الدول في سباق قوي نحو اكتناز الأسلحة المتطورة بمختلف تصنيفاتها، حيث أن أرتال كثيرة من تلك الأسلحة مصيرها المخازن دون استخدام... ورغم أن هذا المصير للأسلحة يعتبر شيئا مأمولا يتطلع إليه كل من يعنيه دوام الأمن والاستقرار... إلا أن الأجدى بالاهتمام والأولى بالتفعيل وليس التخزين هو ما كان ينبغي أن يتلخص في الأفكار الإبداعية والجهود البحثية في كيفية مكافحة الأمراض الطفيلية المعدية كالملاريا، بل أضعف الإيمان ما يجب صرفه على استيراد الأدوية واللقاحات لمحاربة الملاريا والأمراض المعدية الأخرى بدلا من الصرف على التسليح.

لقد أكدت المنظمة الأممية في آخر تقرير لها، بأن معدلات الإصابة بالملاريا تزايدت على مستوى العالم رغم تراجعها في الأعوام السابقة التي كانت نهاياتها تحمل أخبار سارا بشكل متواتر عن تراجع الملاريا، غير أن الأحدث من التقارير الأممية يأتي بما هو غير سار في هذا المضمار. وفي هذا السياق، فقد لفت مدير برنامج الملاريا في منظمة الصحة العالمية "بيدرو ألونسو" في تصريحات صحفية جديدة، إلى أن "تقديرات المنظمة التي تستند إلى مستوى تعطل الخدمات بسبب كوفيد 19 تشير إلى أنه سيكون هناك زيادة في وفيات الملاريا تتراوح بين 20 ألفا و100 ألف في أفريقيا جنوب الصحراء ومعظمهم من الأطفال الصغار" مرجحا أن تكون الوفيات بالملاريا أكبر من الوفيات المباشرة الناجمة عن كورونا. وبين التقرير أن عام 2019 شهد 229 مليون حالة إصابة بالملاريا وأنه على الرغم من التحديات غير المسبوقة لجائحة كورونا فإن الكثير من البلدان في أنحاء العالم كافحت بشدة للحد من انتشار المرض إلا أنه لا يمكن تأكيد النجاح على المدى الطويل في الوصول إلى عالم خال من الملاريا في غضون جيل.

والمخجل، هو ما أكدته منظمة الصحة العالمية بأن حالات الاستعصاء على العقاقير وعلى المبيدات الحشرية المستخدمة ضد البعوض المسبب للملاريا ليس لها تأثير كبير على التراجع في جهود المكافحة، بل إن العوامل الأساسية المسببة لذلك التراجع في جهود المكافحة مرده بشكل أساسي عدم كفاية وسائل التمويل ووجود ثغرات في الإجراءات الوقائية ضد الملاريا، مؤكدة بأن الإنفاق الدولي لمكافحة الملاريا غير كاف لتحقيق الأهداف التي تسعى المنظمة لتحقيقها بشأن حملتها ضد المرض بحلول عام 2030، علاوة على أن حدوث تذبذبات في الأحوال المناخية له دوره أيضا في زيادة حالات الإصابة وتراجع جهود المكافحة. 

إنّ زيادة وفيات الملاريا يعتبر صفعة في وجه الجهود الأممية، وفضيحة وتعرية لسياسات الرعاية الصحية في غالبية الدول الموبوءة بمرض الملاريا والتي تتربع أفريقيا العربية وغير العربية ضمن قمتها فضلا عن الكثير من دول أميركا الجنوبية والكثير من الدول الآسيوية. وللأسف الشديد أنه ورغم التقدم الذي وصل إليه العلم إلا أنه ما زال يقف عاجزا أمام تهديدات الأوبئة والفيروسات التي توحشت بسبب الأدوية والمضادات الصناعية التي يتناولها الإنسان وتكيفت الفيروسات على مقاومتها... لذلك فإننا في حاجة لبرنامج صحي دولي يكافح تهديدات الفيروسات في مهدها ويساهم في احتواء الأزمة قبل تفشيها وتحولها لوباء بعيدا عن منطق الربح والخسارة الذي تضعه شركات الأدوية في الاعتبار عند مكافحة هذه الأمراض.