خلال العشر سنوات الماضية في ليبيا، طفت على السطح مشكلة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وبالأخص إلى السواحل الإيطالية،وتصاعدت وتيرة الاحتجاج سواء في إيطاليا أو خارجها من دول الاتحاد الأوروبي على مواصلة التعاون مع خفر السواحل الليبي في ظل التقارير المتواترة عن أوضاع توصف بالمأساوية يخضع لها المهاجرون واللاجئون.

وتعرف أوروبا جدلا واسعا بشأن مصير اللاجئين والمهاجرين في ليبيا خاصة الـ60 ألفا الذين اعترضهم خفر السواحل الليبي خلال السنوات الأربع الماضية عندما كانوا في طريقهم نحو الضفة الشمالية للمتوسط حيث تمت إعادتهم الى مراكز الاحتجاز في مدن الغرب الخاضعة لسيطرة الميليشيات.

وبين يناير ويونيو 2021، اعترضت مهمات الإنقاذ لخفر السواحل الليبي المدعومة من أوروبا حوالي 15 ألف شخص في البحر وأعادتهم  إلى ليبيا وهو رقم يفوق من تم اعتراضهم في عام 2020 بأكمله، لكنّ مصير هؤلاء وإن كان يكتنفه الكثير من الغموض، إلا أن التقارير الدولية أجمعت على أن ما يدور في مراكز الاحتجاز مأساة إنسانية واللافت أن ذلك يتم بتمويلات أوروبية.

ويرى ناشطون أن إيطاليا ورطت نفسها منذ توقيع مذكرة التفاهم مع حكومة الوفاق في فبراير 2017 ضمن تصور وتنفيذ سياسات لاحتواء تدفقات الهجرة، وخصصت منذ ذلك الوقت حوالي 100 مليون يورو للسيطرة على الحدود البرية والبحرية للبلاد، وقد تم تمويل حوالي الثلث بموجب مرسوم البعثات وهو حساب مستقل تماما عن اعتماد التدابير اللازمة لتجنب هبوط الأشخاص الذين يتم إنقاذهم أو اعتراضهم في المياه الإقليمية الليبية أو لضمان احترام حقوق اللاجئين والمهاجرين في ليبيا.

لكن في غضون ذلك، لا يزال المهاجرون واللاجئون في ليبيا يتعرضون بشكل منهجي لخطر الاحتجاز التعسفي وغيره من الانتهاكات الجسيمة لحقوقهم، حيث يتم احتجازهم بشكل غير قانوني وإلى أجل غير مسمى فور اعتراضهم في البحر وإعادتهم الى الأراضي الليبية، إذ تقول المنظمات الحقوقية إن الظروف المعيشية لا تزال غير إنسانية وأن عدد الأشخاص المحتجزين ارتفع في الأشهر الأخيرة، في حين يستمر توثيق حالات التعذيب والعنف الجنسي والاستغلال.

في ذات الصدد،تقارير محلية ودولية عدة تحدثت عن واقع أليم يعيشه المهاجرون بالعاصمة طرابلس، إلا أنها لم تكشف حجم "المأساةالتي باتت تهدد حياة الآلاف.

فوسط الحديث عن اعتقال قرابة آلاف مهاجر في عملية أمنية نفذتها وزارة الداخلية التابعة لحكومة تصريف الأعمال في ليبيا، انتشرت صور ومقاطع فيديو لفرار طالبي اللجوء من مراكز الاحتجاز إلى شوارع العاصمة طرابلس، في مشاهد أثارت الفزع في قلوب ساكني المدينة.

وقال أيمن غرايبة، مدير المكتب الإقليمي للمفوضية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في بيان ، إن المفوضية قلقة بشأن الوضع الإنساني لطالبي اللجوء واللاجئين في ليبيا، في أعقاب عملية أمنية واسعة النطاق قامت بها السلطات الليبية الأسبوع الماضي، استهدفت المناطق التي يعيش فيها طالبو اللجوء والمهاجرون.

وأشار مدير مكتب مفوضية اللاجئين، إلى أنه نتيجة للمداهمات وتدهور الأوضاع، "شهدنا حشوداً متزايدة من طالبي اللجوء وهم يحتجون أمام المركز المجتمعي النهاري في طرابلس، مطالبين بإجلائهم من ليبيا وبإعادة توطينهم".

وأكدت مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة والمنسقة المقيمة للشؤون الإنسانية في ليبيا، جورجيت غانيون، في بيان، أن استخدام القوة المفرطة والفتاكة وغير المبررة أثناء عمليات إنفاذ القانون يعد انتهاكاً للقانون الوطني والدولي، داعية السلطات الليبية إلى التحقيق في ما ورد من استخدام القوات الأمنية للقوة المميتة والمفرطة بحق المهاجرين.

وفيما أبدت الأمم المتحدة احترامها التام لسيادة الدولة الليبية ودعمها لها في أداء واجبها في حفظ النظام والقانون وحماية أمن السكان، فإنها دعتها إلى احترام حقوق الإنسان وحفظ كرامة جميع الناس بمن فيهم المهاجرون واللاجئون في جميع الأوقات.

من ناحية أخرى،دعا البابا فرنسيس، الأحد، المجتمع الدولي إلى حل أزمة الهجرة انطلاقا من ليبيا، رغم خلافات بين قادة الاتحاد الأوروبي حول أفضل طريقة لإدارة تدفق المهاجرين إلى أوروبا.

وقال الحبر الأعظم، بعد صلاة الأحد التقليدية في ساحة القديس بطرس بالفاتيكان، "أعبر عن قربي من آلاف المهاجرين واللاجئين وغيرهم ممن يحتاجون إلى الحماية في ليبيالن أنساكم أبدا، أسمع صراخكم وأصلّي من أجلكم".

أضاف "يتعرض العديد من هؤلاء الرجال والنساء والأطفال لعنف لاإنسانيأطلب مرة أخرى من الجماعة الدولية أن تفي بوعودها بالبحث عن حلول مشتركة وملموسة ودائمة لإدارة تدفقات الهجرة في ليبيا وفي جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسطكما جاء على موقع الفاتيكان.

وقال البابا إن على الحكومات أن تضع حدا لإعادة المهاجرين إلى "بلدان غير آمنةمثل ليبيا وإعطاء الأولوية لإنقاذ الأرواح في البحر المتوسط "بواسطة أجهزة إنقاذ ونزول من السفن وضمان ظروف معيشية كريمة لهم وبدائل للاحتجاز ومسارات هجرة نظامية والحصول على إجراءات اللجوء".

يرى مراقبون أن ملف الهجرة لا يمكن علاجه بالمقاربة الأمنية الصرفة أو تحميل دول الجنوب المسؤولية فقط لأن هذه الظاهرة أمست كونية شأنها شأن الإرهاب حيث تتحمل دول الشمال جزء من المسؤولية جراء أزمة التكافؤ العامة التي يعيشها الكون في ظل عالم مفتوح.

حيث أن عملية الإصلاح الحقيقية تنطلق بداية من النظر في أساس المشكل الذي يدفع ملايين البشر للمخاطرة بحياتهم و تجاوز المياه أملا في جنة منتظرة ما وراء البحار.