لا تبدو حكومة عبد الحميد الدبيبة اليوم مختلفة كثيرا عن حال الحكومات السابقة في مستوى ثقة الليبيين، وحتى في مستوى أدائها العام، رغم محاولات الدعاية المستمرة لها، في إطار حملة مستمرة لصناعة شخصية جديدة لمستقبل العملية السياسية، تشارك فيها إلى جانب أطراف في الداخل، حتى بعض الأطراف الدولية ذات النفوذ، في إطار مواصلة لما وقع في فترة الاتفاق السياسي والنجاح النسبي في تهدئة الأوضاع وتوحيد السلطة التي كانت لسنوات منقسمة بسبب أمزجة الفرقاء وخيارات الداعمين الدوليين.
فالرجل القادم من خلف التوقعات أصبح مغترا ببعض التقدّم الأمني ووحدة السلطة السياسية حالما بموقع قادم في انتخابات يبدو منافسا فعليا عليها، وبرى نفسه الأقرب لقيادة البلاد في ظروف وموقع أفضل لسنوات قادمة، في صورة إجراء الانتخابات التي لا يُعرف هل سيكتب لها الإجراء أم أن الظروف التي أجلتها سابقا قد تواصل تأجيلها لاحقا، وهذه أيضا في صالح الدبيبة باعتبارها تمنحه أكثر وقت في تسيير البلاد وفي تسويق نفسه منقذا جديدا بحث عنه الليبيون لعشرية كاملة.
لكن الصورة في البلاد ليست وردية كما يريدها الدبيبة. فالانتقادات تتزايد في العديد من الملفات آخرها شبهات الفساد التي ضربت حكومته وتسببت في إيقاف وزيرين منها، في إجراءات اعتبرها "حملة كانت تستهدفه، واليوم تستهدف وزراء حكومته بشكل كامل، مطالبا بضرورة توخي الحيطة والحذر مما قد يستجد من أمور". ففي تطور لافت قرر النائب العام في ليبيا حبس وزيرة الثقافة مبروكة توغي بتهم فساد مالي وإداري، ووزير التعليم موسى المقريف بعد اتهامه بالإهمال والمحسوبية في قضية الكتاب المدرسي، وهو تطور يضع الدبيبة أمام حرج حقيقي بين ما يريد أن يصوّره عن نفسه وبين الواقع في مؤسسات الدولة.
إيقاف الوزيرين وعلى الرغم من انقسام المواقف حوله بين من يراها اتهامات كيدية واستهداف لحكومة عبّرت عن جدّيتها وحققت نجاحا لم يحققه من كانوا قبلها، إلى درجة أن الناطق باسمها محمد محمد حمودة اعتبر إيقاف الوزيرين عملية احتجاز (تم الإفراج عن وزيرة الثقافة مساء الأحد)، وبين من يرى عملية الإيقاف خطوة شجاعة في حرب الفساد الذي ينخر العديد من المؤسسات ولم يكن أحد سابقا قادرا على مواجهته، لكن في الأخير عملية الإيقاف أكدت أن هناك خللا تسييريا ما في عمل الدبيبة فرض على النائب العام الذهاب في إجراء عقابي، وفق ما تمليه وظيفته.
تأجيل الانتخابات أيضا يعتبر سقطة في أداء حكومة عبد الحميد الدبيبة، فبعد أشهر من الاستعداد، والوعود بقدرتها على تنظيمها في وقتها، أعلنت المفوضية العليا، عدم قدرتها على إجرائها في الموعد الذي تم ضبطه في الاتفاق السياسي، بسبب دارسة ملفات المترشحين التي لم يتم الحسم فيها.
لكن التأجيل يتجاوز ما هو إجرائي إلى ما هو سياسي، حيث يبدو السعي حثيثا لإزاحة مترشحين منافسين للدبيبة، الذي يطمح لدخول "المعركة" منافسا لنفسه، عبر تعطيلات تساهم في حرمان بعض الشخصيات من الدخول في العملية السياسية، وقد وقع بالفعل في مراحل أولى إقصاء مرشحين قبل أن تتراجع المحكمة وتعيدهم إلى السباق.
اقتصاديا أصبحت حكومة الوحدة الوطنية أمام سهام الانتقادات، وسط تحذيرات من السياسة المالية التي تنتهجها والأموال الطائلة التي تقوم بصرفها، حيث قال الناطق باسمها محمد حمودة أن إجمالي نفقاتها بلغ أكثر من 83 مليار دينار، وهو رقم كبير مقارنة بالفترة التي تولت فيها مقاليد السلطة في البلاد. كما أن المشاريع السريعة التي يعلن عنها الدبيبة تلقى انتقادات ممن يعبرها إهدارا للمال العام دون أن تكون لذلك "تأثيرات ملموسة على واقع الليبيين لاسيما في جنوب البلاد الذي يواجه تهميشا متزايدا".
وفي تصريحات لصحيفة العرب اللندنية "انتقد الإعلامي المتخصص في الشأن الاقتصادي أحمد السنوسي الخيارات التي يتبعها الدبيبة والتي من شأنها دفع الوضع الاقتصادي للبلاد إلى التأزم، واصفا حكومته بالكارثية على اقتصاد ليبيا".
وأشار السنوسي إلى أن “حكومة الدبيبة أكبر حكومة حصلت على أموال منذ 2011 دون احتساب ما تقدمه المؤسسة الليبية للاستثمار التي لا نعرف إلى حد الآن ما هي مهمتها، على الدبيبة أن يُعامل الليبيين على قدم المساواة، أنت اليوم مكنت 50 ألفا من زيادات حتى ينتخبوك لكن هناك 2 ملايين لم تقدم لهم أي زيادة وسيكرهونك”.
من جانبه تحدث النائب محمد العباني للصحيفة نفسها عن شبهات الفساد في حكومة الدبيبة، معتبرا أنها تُهدر المال العام دون حسيب وفشلت في استصدار ميزانية من البرلمان في 5 محاولات، متهما رئيسها بالاستفادة من علاقته بمحافظ مصرف ليبيا المركزي حيث "تمكن من التهام كامل مشروع الميزانية قبل أن تتم المصادقة عليها بموجب قانون يصدره البرلمان”.
في جانب اتصالي أيضا وقع الدبيبة في عدد من التصريحات المتسرعة، آخرها ما اعتبر إهانة للمرأة الليبية خلال الحديث عن منحة الزواج، حيث تحدّث عن النساء العازبات وتقدّمهن في السن، وأهمية المنحة في التخفيف من "العنوسة"، وقد قوبل كلامه برد فعل عنيف من أطراف مختلفة، من بينهما مجلس النواب الذي طالب رئيس الحكومة بالاعتذار من الليبيين وعدم حصرهن في قالب اجتماعي تقليدي يسحب عنهن الدور الذي منحهن القانون الليبي والتشريعات الدولية.
كل ما ذكر سابقا، يجعل حكومة الوحدة الوطنية أمام امتحان الشرعية وإمكانيات المواصلة خلال المرحلة المقبلة، حيث تعالت الأصوات المطالبة بتغييرها، من بينها ما صدر عن لجنة البرلمان المكلفة بمتابعة العملية الانتخابية، التي "دعت إلى إعادة تشكيل السلطة التنفيذية في البلاد وذلك بعد عجز الحكومة الحالية عن إتمام العملية الانتخابية في موعدها المقرر الشهر الجاري"، وهو موقف لقي ردودا متباينة بين مؤيد يعتبر نجاح الانتخابات مشروط بمغادرة الدبيبة، ورافض يعتبر بقاءها الحل الأمثل ضمانا للاستقرار السياسي والأمني.