في الوقت الذي يستعد فيه الجيش الليبي لدخول العاصمة الليبية طرابلس وانهاء سطوة المليشيات المسلحة فيها يزداد وضع حكومة الوفاق الليبية هشاشة مع تصاعد وتيرة الصراعات في صفوفها مع تواصل تداعيات اتفاقها مع تركيا التي فتحت باب الانتقادات محليا ووليا تجاه حكومة السراج التي باتت في مهب الأزمات.

اتسعت دائرة الخلافات داخل المجلس الرئاسي الليبي لحكومة الوفاق برئاسة فايز السراج،ففي تطور جديد حاصرت مجموعة مسلحة من مدينة مصراتة مقر مجلس الوزراء في طرابلس، واشتبكت مع الحرس الرئاسي.وقال المحلل العسكري، محمد الترهوني،"إن قوة تتبع ما تسمي جهاز مكافحة الإرهاب مصراتة بإمرة مختار الجحاوي، قامت في البداية بمحاصرة مبنى وزارة المالية بمنطقة الظهره بالعاصمة طرابلس مستخدمة في ذلك أسلحة ثقيلة، للمطالبة بمستحقاتهم المالية المتأخرة، لافتا أن المجموعة اتهمت وزير المالية المفوض فرج بومطاري بالتقاعص وطالبت بإقالته من منصبه"، على حد قوله.

وتابع الترهوني، "المجموعة التي حاصرت مقر وزارة المالية، قامت أيضا بمحاصرة مكتب السراج بطريق السكه، وهناك أنباء غير مؤكدة تفيد بمقتل وزير المالية، كما قامت المجموعة بسرقة ثلاث سيارات من السيارات المخصصة للسراج وأعطبت الباقي قبل خروجها"، بحسب تعبيره.

وتعتبر هذه الحادثة تطورا ملفتا في الأحداث المتسارعة في طرابلس حيث تكشف عن تصدع التحالفات التي أقامتها حكومة الوفاق مع المليشيات المسلحة خاصة تلك القادمة من مصراتة والتي تقوم حكومة السراج بتمويلها مقابل حمايتها وتأمين بقائها،بالاضافة الى قيادة العمليات العسكرية ضد الجيش الليبي الذي يهاجم طرابلس.

وتصاعدت وتيرة الخلافات في صفوف قوات حكومة الوفاق،فالحادثة الأخيرة تأتي بعد ايام من  تصريحات آمر الاستخبارات العسكرية في "البنيان المرصوص"محمد قنيدي،والتي هدد فيها بالاشقاق عن حكومة الوفاق.وأكد قنيدي، خلال تصريحات تلفزيونية،أنه سيعقد اجتماعا خلال اليومين المقبلين مع من أسماهم بـ"قادة الجيش والثوار"، زاعما تشكيل حكومة "حرب" جديدة ضد قوات الجيش الليبي، بسبب الخلافات مع حكومة السراج والخسائر المتلاحقة التي منيت بها القوات الموالية لها.

وأضاف أنه "لا يهمني من سيعترف بهذه الحكومة أو من سيرفضها"،في تحدى واضح لحكومة السراج التي تدعي أنها تسيطر على هذه القوات.وشن قنيدي هجوما على حكومة السراج منتقدا اياها على عدم جلب أسلحة متطورة لمواجهة الجيش الوطني الليبي.واعتبر قنيدي أن هناك "يد سوداء توجد بالرئاسي" متهما إياها بالمراوحة والخذلان مؤكدا أن اتفاق الصخيرات قد انتهى منذ بدء العملية العسكرية للجيش على العاصمة طرابلس.على حد تعبيره.

وتشير هذه الأحداث بحسب مراقبين الى وجود انقسامات حادة داخلية بصفوف القوات الموالية لحكومة الوفاق وأنهم يتلقون خسائر فادحة،وهو ما تؤكده الوقائع على الأرض.ويرى هؤلاء أن التحالف الموجود في العاصمة هش كونه يجمع مليشيات مختلفة ايديولوجيا بين القاعدة وداعش والمقاتلة والاخوان وغيرها،وهو تحالف يتجه نحو التفكك في ظل استمرار الخسائر بالرغم من الدعم الكبير من دول داعمة للفوضى على غرار تركيا وقطر وايران.

وتأتي أزمات حكومة الوفاق الداخلية بالتزامن مع تصاعد الانتقادات الدولية لمذكرة التفاهم الأخيرة التي وقعها السراج مع تركيا.حيث وصفت وزارة الخارجية الأمريكية، الثلاثاء، الاتفاق بأنه "استفزازي".وذكرت صحيفة "كاثيميريني" اليونانية، أن متحدث باسم الخارجية الأمريكية وصف الاتفاق في مؤتمر صحفي بأنه يزيد التوترات في المنطقة.

وأضاف  المتحدث باسم الخارجية الأمريكية،أن الولايات المتحدة لا تتدخل بشكل عام في النزاعات حول الحدود البحرية في الدول الأخرى، لكنه طالب كل الأطراف "بالابتعاد عن التحركات التي تزيد التوتر في شرق المتوسط في هذا الوقت الحساس".

ومن جانبه طالب الاتحاد الأوروبي ،الأربعاء ،كلا من أنقرة وطرابلس بتسليمه نسخة من مذكرة التفاهم الموقعة بين تركيا وحكومة الوفاق الليبية "دون أي تأخير".وجاء في بيان صادر عن الاتحاد الأوروبي أن الأخير "يتضامن بشكل كامل مع اليونان وقبرص فيما يخص الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها تركيا شرق المتوسط، بما في ذلك في بحر إيجة. على تركيا أن تحترم سيادة جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي".

وأضاف البيان أن "مذكرة التفاهم الثنائية بين تركيا وليبيا بتاريخ 27 نوفمبر 2019 حول تعيين الحدود البحرية لم يتم نشرها للعلن، وما زالت هناك حاجة إلى توضيحات حول محتواها، ونحن نتوقع تسليم نص المذكرة للاتحاد الأوروبي دون أي تأخير".وختم البيان بالتأكيد على ضرورة احترام القوانين البحرية ومبادئ حسن الجوار والمناطق البحرية لجميع البلدان الساحلية المتجاورة.

وكانت اليونان طالبت الاتحاد الأوروبي باتخاذ الإجراءات اللازمة بعد توقيع تركيا مذكرتي تفاهم مع السراج، والتي تتعلق بالحدود البحرية بين أنقرة وطرابلس.ونقلت وسائل إعلام محلية يونانية عن وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، قوله إنه أطلع مسئولين بارزين بلجنة الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي على مذكرتي التفاهم حول الحدود البحرية، وطالب التضامن الأوروبي في هذا الأمر.

أما الخارجية الروسية،فقد دعت  تركيا وحكومة الوفاق إلى تجنب خطوات تزيد التوتر في ليبيا والبحر المتوسط.وقالت الناطقة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، في بيان نُـشر على موقع الوزارة "لا يمكن تقديم أي تقييم قانوني لهاتين الوثيقتين إلا بعد الاطلاع على فحواهما الذي لم يتم الكشف عنه بعد. لكننا لفتنا مع ذلك اهتمامنا إلى الرد الحاد بما فيه الكفاية على توقيعهما من قبل بعض دول منطقة البحر الأبيض المتوسط، خاصة اليونان وقبرص ومصر".

وأضافت زاخاروفا:"على الرغم من التصريح الرسمي للخارجية التركية الذي جاء فيه أن المذكرة التركية - الليبية حول تحديد المناطق البحرية لا يتعارض مع القانون الدولي، إلا أن أثينا ونيقوسيا اتهمتا أنقرة بانتهاك اتفاق الأمم المتحدة الخاص بالقانون البحري والعبث بمصالحهما".لافتة إلى أن التوقيع على مذكرة التفاهم بشأن التعاون في مجال الأمن "أعطى إبرامها أسسًا للحديث عن محاولات تركيا لشرعنة دعمها العسكري للحكومة في طرابلس في المواجهة مع الجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر، بما في ذلك عبر الخرق السافر لحظر توريد السلاح".

وأشارت زخاروفا إلى أن المبعوث الأممي إلى ليبيا، غسان سلامة،"اعتبر خلال الأيام الماضية، أن الوثيقة قد تقوض التمهيد للاجتماع الدولي حول قضايا التسوية الليبية في برلين، الذي يخطط لعقده في أواخر العام الجاري". معتبرة من ناحيتها أن "هذه التطورات تثير كذلك أسئلة كثيرة مباشرة لرئيس المجلس الرئاسي فائز السراج".

وتزيد هذه الانتقادات الدولية من الضغوط على حكومة الوفاق التي يبدو أنها وضعت نفسها في مأزق كبير خاصة مع تصاعد المطالبات برفع الشرعية الدولية التي تحضى بها منذ دخولها طرابلس.وطالب رئيس مجلس النواب الليبي، المستشار عقيلة صالح،الاثنين، الأمين العام للأمم المتحدة بإصدار قرار ينص على سحب شرعية حكومة الوفاق الوطني برئاسة فائز السراج، خلال خطاب رسمي وجهه عقيلة للأمين العام للأمم المتحدة، على خلفية توقيع مذكرة أمنية بين تركيا وليبيا.

وسارعت وزارة الخارجية بحكومة الوفاق الوطني الليبية،الثلاثاء،للتحذير من المساس بشرعيتها، وقالت الخارجية، عبر (تويتر)، نقلا عن الوزير محمد طاهر سيالة، إنه "يحذر من المساس بشرعية حكومة الوفاق الوطني باعتبارها الحكومة الشرعية وفقا لقرارات مجلس الأمن".وحاول سيالة تبرير الاتفاقية المبرمة بين فائز السراج والرئيس التركي والتي قوبلت برفض محلي ودولي واسع بالقول إنها "تعتبر صونا للمصلحة الوطنية وتخدم الأشقاء بالدرجة الأولى، ولا يعد التوقيع عليها تعديا على سيادة أي دولة".على حد تعبيره.

.وفي غضون ذلك،يواصل الجيش الليبي تضييق الخناق على القوات الموالية لحكومة الوفاق،حيث أعلن الجيش الليبي،الأربعاء،عن السيطرة على إحدى المناطق جنوبي مدينة مصراتة الخاضعة لسيطرة قوات حكومة الوفاق الوطني، غربي البلاد.وقالت الكتيبة 166 مشاة التابعة للجيش الوطني الليبي،في بيان صحفي عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك، إن "الوحدات العسكرية بالكتيبة 166 مشاة تتقدم في مناطق جنوب مصراتة لتصل إلى منطقة السدادة، وتُسيطر على قلعة السدادة التي كانت تتحصن بها المجموعات الإرهابية والعصابات الإجرامية".

وبالتزامن مع ذلك،أعلن الجيش الليبي،الأربعاء، بدء عملية عسكرية على مدينة سرت، الواقعة على بعد 450 كيلومترًا شرقي طرابلس، والتي تسيطر عليها قوات تابعة لحكومة الوفاق.وقال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة التابعة للجيش الليبي إن القوات المسلحة بدأت التحرك نحو سرت للسيطرة عليها.

وشهدت مدينة سرت منذ أيام غارات مكثفة لطيران الجيش الليبي استهدف عدة تمركزات مسلحة في قاعدة القرضابية وعدة مواقع بالمدينة.وقال الجيش الليبي في بيانات سابقة إن سلاح الجو دمر هوائيات تسير طائرات تركية، إضافة إلى تدمير عدة دشم تخزين ذخائر وأسلحة.تسيطر على مدينة سرت مليشيات قادمة من مصراتة اخراج تنظيم "داعش" منها.

وتاتي تحركات الجيش الليبي مع تواصل دفعه بالتعزيزات إلى محاور القتال في طرابلس،حيث أعلن المركز الإعلامي باللواء "106" مجحفل، التابع للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية ،الأربعاء ،عن وصول تعزيزات عسكرية كبيرة من اللواء 106 مجحفل إلى محاور القتال بمدينة طرابلس.وقال المركز الإعلامي إن هذا التحرك العسكري يأتي وفقا لتعليمات القيادة العامة،مشيرا أن القوات المسلحة أحرزت تقدمات في عدوة محاور جنوب العاصمة طرابلس.

ويشير العديد من المراقبين الى أن التطورات الحاصلة تكشف تصدع تحالفات حكومة الوفاق مع المليشيات المسلحة ذات التوجهات المختلفة،حيث أنها تحالفات مؤقتة قائمة على مصالح شخصية.يشير هؤلاء الى مازق الوفاق يتصاعد في ظل العزلة الدولية التي تعانيها ما جعلها تلجأ للمحور التركي-القطري في محاولة لوقف تمدد الجيش الليبي الذي بات أكثر اصرار على انهاء نفوذ مليشيات تيار الاسلام السياسي في العاصمة وقطع الطريق أمام مخططات أردوغان الاستعمارية والأطماع المتوالة في نهب ثروات ليبيا.