مثّل اعلان وقف اطلاق النار بين الفرقاء الليبيين مبعث أمل حول إمكانية الذهاب نحو الحل السلمي والوصول الى تسوية سياسية في البلاد،لكن وبالرغم من ذلك لم تنجح الانتقادات الدولية في كبح جماح التدخلات التركية السافرة والتي تمثل حجر عثرة أمام امكانية ارساء توافق سياسي شامل بين المتحاربين وانهاء سنوات من الفوضى الأمنية.

ويواصل النظام التركي تحركاته في لتعكير الأجواء في الساحة الليبية حيث كشف المرصد السوري لحقوق الإنسان،السبت، أن تركيا نقلت نحو 350 قاصرا من سوريا إلى ليبيا، وذلك للقتال في صفوف الميليشيات المتطرفة.وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن، في تصريحات لـ"سكاي نيوز"، إن ما لا يقل عن 34 من أولئك القاصرين قد قتلوا أثناء المعارك الدائرة في ليبيا، وقد أعيدت جثامينهم إلى جانب نحو 500 جثة أخرى أرجعت إلى سوريا عبر تركيا.

وأضاف مدير المرصد، رامي عبدالرحمن، أن نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان متورط في نقل قرابة 19 ألف مرتزق سوري إلى الأراضي الليبية، إضافة إلى حوالي 10 آلاف متطرف من حاملي جنسيات مختلفة.وكان عبد الرحمن، قد قال الخميس، إن دفعة جديدة من مئات المرتزقة توجد حاليا بمعسكرات تدريب في تركيا، بانتظار الضوء الأخضر ليتم نقل عناصرها إلى ليبيا "في حال انهيار وقف إطلاق النار ومساعي التهدئة هناك".

وبيّن أن هناك من يخضعون الآن لتدريبات عسكرية في تركيا، ويتم تحضيرهم لإرسالهم إلى ليبيا، في حال انهيار وقف إطلاق النار، مضيفا: "زخم التجنيد التركي للمرتزقة خفّ في الآونة الأخيرة بعد التقارير الدولية التي تحدثت عن الأمر، لكن المرتزقة الموجودين في المعسكرات التركية، البالغ عدهم نحو 500، يعلمون أنهم ذاهبون للقتال في ليبيا في حال انهار وقف إطلاق النار".

وكان تقرير صادر عن القيادة الأميركية في أفريقيا "أفريكوم"،اكد ي وقت سابق إن أكثر من 5 آلاف من المرتزقة السوريين، أرسلتهم تركيا إلى طرابلس، خلال الفترة ما بين أبريل ويونيو 2020.ووصف التقرير هؤلاء المرتزقة بأنهم من ذوي السوابق الإجرامية، وأنهم ارتكبوا فظاعات وتعديات على المواطنين الليبيين.

كما أكدّ أن غالبية هؤلاء المقاتلين يفتقدون الخبرات القتالية، وأن الدافع لقدومهم هو المال فقط.وأشار التقرير الى أن أنقرةلم تكتفي  بذلك بل قامت، بنقل المئات من وحدات قواتها النظامية إلى داخل الأراضي الليبية، وتحديدا من فرق المدربين والمستشارين.

بدورها أدانت الأمم المتحدة تواصل ارسال المرتزقة والسلاح الى الأراضي الليبية ما يهدد وقف اطلاق النار في البلاد.وأعلنت المبعوثة الأممية إلى ليبيا ستيفاني وليامز،خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي،أن تهريب السلاح والمرتزقة مستمران، كما أكدت ضرورة وقف التصعيد في ليبيا والعودة إلى الحل السياسي.

من جهة أخرى، تتحرك تركيا لتعكير الأجواء في الساحة الليبية وخلق صراعات حتى في صفوف حلفائها،حيث بدا ذلك واضحا من خلال الصراع بين رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج ووزير داخليته فتحي باشاغا الذي وصفته صحيفة "كوريرا" الإيطالية بأنه الرجل الأقوى في طرابلس بعد دعم تركيا له خلال الصراع الذي دار لعدة أيام بينه وبين السراج.

وأشارت الصحيفة إلى أن السراج حاول إصدار قرار يقضي بإيقاف "باشاغا" والتحقيق معه،لكن الأخير عاد إلى عمله بصورة أقوى بفضل الدعم التركي.ووصفت الصحيفة باشاغا بأنه كان "رئيس وزراء الظل" في حكومة الوفاق منذ شهور، كما أنه صاحب القوى العسكرية الأقوى في طرابلس منذ خروج الجيش الليبي من العاصمة الليبية.

وشهدت العاصمة الليبية طرابلس في وقت سابق، انتشارا واسعا لسيارات ومدرعات عسكرية تابعة لمليشيات من مدينتي طرابلس ومصراتة وسط احتقان شديد بينهما.ورفضت مليشيات مدينة مصراتة الليبية قرار السراج تحويل وزير داخليته فتحي باشاغا، المنتمي لمصراتة، للتحقيق أمام المجلس الرئاسي وإيقافه عن العمل.

وقالت الصحيفة الايطالية أن الصدام السياسي بين رئيس المجلس الرئاسي ووزير داخليته زاد من العداء بين ميليشيات طرابلس "النواصي" وكذلك "الردع" المؤيدة للسراج، وميليشيات مصراتة الموالية لـ"باشاغا"، مستدركة أنه قبل كل ذلك "هناك منافسة بين مؤيدي أردوغان والسراج الأوروبيين والأمريكيين".واكدت الصحيفة أن الصراع بين السراج وباشاغا، ظل خفيًا لمدة عام ونصف العام، غير أنه سرعان ما ظهر بعد انسحاب الجيش الليبي من طرابلس.

وتراجع السراج عن قراره بإيقاف وزير الداخلية المفوض فتحي باشا أغا،بعد جلسة تحقيق أمام المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق، الخميس الماضي. وقال باشاغا أن جلسة التحقيق معه انعقدت داخل مقر الحكومة، واستمرت لأكثر من 5 ساعات و20 دقيقة، وتمت بين أعضاء المجلس الرئاسي ووزير الداخلية دون وجود أي أطراف أخرى.مشيرا إلى أن التحقيق دار بشكل أساس حول المظاهرات الأخيرة وما صاحبها.

وتتهم مليشيات طرابلس والزاوية وزوارة ومدن أخرى باشاغا بموالاة مليشيات مصراتة على حساب نظيراتها، وأنه يخطط لإخراجها من المشهد السياسي والأمني، كما تتهمه بتصفية عدد من قيادات المليشيات.ويعد باشاغا أحد المتورطين في مذبحة غرغور (15 نوفمبر 2013) التي ارتكبتها مليشيات من مصراتة حين قتلت 47 مدنيا وأصابت 518 آخرين  بينهم شوخ وأطفال ونساء.

وتسعى تركيا لمزيد اشعال الصراعات والحروب في ليبيا مدفوعة بأطماع أردوغان في نهب الثروات الليبية لدعم اقتصاد بلاده المتهالك وسياساته الفاشلة.وأكد "معهد لوي" الأسترالي،في تقرير نشره الجمعة،إن "تورط أردوغان في ليبيا يعتبر خطة مفيدة لتحويل الانتباه عن الأزمة الاقتصادية والمشكلات الاجتماعية في بلاده وعن فشل الحكومة في مواجهة تفشي وباء كورونا.. لهذا السبب فإن اروغان بات بحاجة إلى تحقيق مكاسب في ليبيا إذا ما أراد فرصة لإنقاذ نفسه في مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية المتفاقمة في تركيا".

واعتبر التقرير أن "حزب العدالة والتنمية" التابع لأردوغان أصبح متعبا ومنهكا ويفتقر إلى رؤية حقيقية في الاستراتيجية التي يتبعها لمعاجلة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الداخلية مشيرا الى أن سياسة أردوغان لم تعد تتركز على أن تكون تركيا "الجسر بين الشرق والغرب بل على التحول إلى قوة إقليمية في المنطقة المجاورة"،وأضاف أنه "من المستبعد أن تحقق تركيا أهدافها في التحول إلى قوة إقليمية عبر تورطها في ليبيا لأنها باتت دولة معزولة وقد تكون ليبيا فرصة أردوغان الأخيرة لإنقاذ نفسه داخليًّا.

ويشير مراقبون الى أن المساعي السياسية محليا ودوليا التي ما زالت تسعى لإقناع الأطراف المتنازعة للجلوس على طاولة الحوار باعتباره المخرج الوحيد للأزمة،عليها أن تلتفت أولا الوجود التركي المتنامي في طرابلس،حيث بات اردوغان بحسب كثيرين الحاكم الفعلي بعد أن فتحت حكومة السراج الباب أمامه لغزو غرب ليبيا، فيما تتزايد حالة الرفض الشعبي للممارسات التدخلات التركية السافرة بدعم من حلفائها في ليبيا.