وسط غياب تام للدولة تواجه الأرامل في مدينة بنغازي تحديات جسام بعد فقدان أزواجهن جراء الحرب الدائرة في المدينة وفي ظل مجتمع مثخن بالمشاكل الإقتصادية والأمنية.

أماني (اسم مستعار) واحدة من الاف الأرامل في بنغازي ،أٌغتيل زوجها ضابط برتبة عقيد في مارس من العام الماضي،بعد أن وصلته تهديدات من الإرهابيين.تقول لبوابة إفريقيا:"كانت فاجعة بالنسبة إلي بعدما خسرت رفيقا وحبيبا وأبا لأطفالي، لكنني لم أكن أتوقع ما ستؤول له الأوضاع بعد شهر من وفاته".

تعيش أماني وهي أم ل4 أطفال منذ وفاة زوجها ظروفا إنسانية صعبة خاصة بعد أن تم إيقاف مرتب زوجها. ورغم كونها موظفة في إحدى مؤسسات الدولة إلا أن أزمة السيولة وتأخر صرف مرتبها لأشهر يضعها باستمرار أمام تحدي توفير احتياجات أطفالها. تتحدث بمرارة عن ظروفها الصعبة:"أشعر بالحرج لأنني لم أعتد الحديث عن ظروفي لأحد ،صدقيني أنا وعائلتي على مشارف التسول ،لدي 4 أطفال وكلهم يدرسون في مدرسة خاصة وذلك لعدم وجود مدرسة عامة أسجل فيها أطفالي، لأن أغلبية المدارس تحولت إلى مراكز نزوح في ظل الحرب الدائرة في المدينة ورغم أن هذا يكلفني كثيرا لكن مش مهم المهم تعليم أطفالي".

تشهد مدينة بنغازي منذ حوالي سنتين حربا بين قوات الجيش الوطني وميليشيات إرهابية.ولئن استرجعت قوات الجيش أكثر من 90% من المدينة خلال معارك طاحنة خاضتها الشهر الماضي وبدأ سكان المدينة في العودة إلى منازلهم ،إلا أن الوضع الإقتصادي مازال صعبا في ظل تخبط البلاد في أزمتها السياسية.

حاولت أماني الاتصال بعدة جهات حكومية وغير حكومية علها تحصل على مساعدة تلبي ولو جزءا من حاجيات أطفالها ،لكن كل محاولاتها باءت بالفشل ،وفي هذا السياق تشرح أحلام البدري رئيسة قسم شوؤن رعاية اسر الشهداء والمفقودين ببنغازي "لبوابة إفريقيا الإخبارية" أسباب عدم تجاوبهم مع أسر الشهداء قائلة:"إنقسام البلاد إلى حكومتين وعدم صرف ميزانية 2015 للحكومة المؤقتة ،إضافة لتردي الوضع الأمني في المدينة كلها ظروف حالت دون تقديم مساعدات ووضع منح لأرامل الشهداء. عدم استقرار المدينة أمنيا دفع بنا لنقل المكتب لمدينة شحات ،أما اليوم ومع تقدم الجيش وسيطرته على أغلب مناطق المدينة عدنا إلى بنغازي وفتحنا باب تقديم الملفات لحصر عدد الشهداء والمفقودين ،ليتم فيما بعد النظر في وضع منح لعائلاتهم وهو أمر سيظل رهين تنفيذ الإتفاق السياسي وتشكيل حكومة الوفاق."

وأضافت البدري أن دور مكتبهم يقتصر حاليا على تقديم بعض المساعدات الإدارية أو من خلال مخاطبة بعض الجهات المعنية بتقديم مساعدة ما لأرملة أو إبن شهيد :"أحاول أن أساعد أسر الشهداء فأغلبهم يعيشون ظروفا صعبة للغاية ،أعتمد في أغلب الأحيان على علاقاتي الشخصية في مخاطبة بعض الجهات كالمستشفيات والصيدليات والمدارس ".

بعد اغتيال زوجها بأشهر ،انتقلت أماني رفقة أبنائها للعيش في بيت أهلها لتتخلص من مصاريف تأجير المنزل الذي كانت تقيم فيه بعد أن نزحت من منزلها الواقع في منطقة الليثي أحد أكثر محاور القتال سخونة. تروي "لبوابة إفريقيا الإخبارية": "أهلي ناس بسطاء لايمكنهم مساعدتي أكثر مما ساعدوني، أما عائلة زوجي فقد تخلوا عني بعد أن استولوا على أملاك إبنهم المتمثلة في سيارة ومزرعة خارج بنغازي وشقة حيث قاموا بتزوير المستندات وأوراق الملكية، لايمكنني مقاضاتهم الان نظرا لغياب الدولة. أشعر بالغبن على أبنائي بعد أن تخلى عنهم أهلهم في البداية ومن ثم الدولة".

طبيعة المجتمع الذكوري في مدينة بنغازي صعّب على أماني إمكانية إعتمادها على نفسها، إذ تقول :"أتعرض دائما لمضايقات من قبل المجتمع، أشعر دائما أنني مراقبة وكثيرا ما تعرضت للإنتقاد فقط لأنني أعتمد على نفسي وأنيقة في لباسي. الناس هنا يريدونني أن أعيش بتزهد تخيلي أن أحدهم طلب مني ذات مرة إرتداء جلباب أسود فضفاض ووشاح طويل. أصبحت خشنة جدا في معاملاتي فقط لكي أضع حدا لكل من تسول له نفسه الإقتراب مني ،فأنا صغيرة وجميلة ونحن نعيش في مجتمع ذئاب".

قسوة الحياة وظلم المجتمع حول حياة أماني لكابوس ،فتراكم المسؤوليات عليها إضافة لمراقبة المجتمع جعلها تعيش حالة نفسية صعبة ‘تختتم حديثها لبوابة "إفريقيا الإخبارية" قائلة:أنا إنسانة محبة للحياة لن أستيطع البقاء طويلا في هذه الحالة ،أعتقد أن الزواج سيكون حلا لخروجي من هذا الكابوس ،سأتزوج أي شخص يتقدم لي ،فأنا أحتاج لمن يساعدني على تربية الأطفال ويخفف عني ظلم المجتمع".