يواجه مسار الحل السياسي للأزمة الليبية جملة من المطبْات التي يسعى النظام التركي وحلفاؤه في غرب البلاد الى تكريسها بهدف إعادة خلط الأوراق قبل إجتماعات جنيف التي ينتظر تدشينها في الخامس من أكتوبر القادم للإعلان على إثرها عن تشكيل السلطات الجديدة التي ستحل محل مجلس الرئاسي الحالي وحكومته والحكومة المؤقة في شرق البلاد

وفي الوقت الذي لا تزال فيه بعثة الأمم المتحدة وسفارات الدول الغربية تتجاهل الإتفاق الحاصل بين قيادة الجيش وعضو المجلس الرئاسي أحمد معتيتق حول إعادة ضخ النفط إنتاجا وتصديرا ، أعلنت أغلب مراكز النفوذ التركي والإخواني في طرابلس ومصراتة عن رفضها الإتفاق ، وهو ما فسره المراقبون بخشيتها من أن يتسبب في سحب البساط من تحد أقدامها ، بعد أن أعاد قيادة الجيش الى صدارة المشهد ، ومنح معيتيق صورة رجل السلام في غرب ليبيا ، وفتح أمامه أبواب مجالا واسعا للمنافسة على الزعامة وخاصة في مواجهة رجل تركيا الأبرز وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا

ويعتقد المحللون المحليون أن مبادئ الاتفاق مثلت صفعة قوية للنظام التركي وحلفائه في غرب ليبيا ، وخاصة من حيث التوافق على تحديد آلية لتوزيع الثروة النفطية على مناطق البلاد ، وسحب مقود التصرف في الإيرادات من مصرف ليبيا المركزي الخاضع لسيطرة الإسلام السياسي والمرتبط باتفاقيات تبعية لتركيا

ورغم أن عددا من الحقول قد عاد فعلا الى الإنتاج سواء في الهلال النفطي أو منطقة الواحات وصحراء فزّان ، وأن المؤسسة الوطنية للنفط أعلنت رفع القوة القهرية عن بعض موانيء التصدير في شرق البلاد ، إلا أن مصادر إعلامية أكدت أن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج غير موافق على الإتفاق الموقع من قبل نائبه الأول ، وكذلك الأمر بالنسبة لوزير داخليته فتحي باشاغا ، ولقادة الميلشيات وخاصة في مدينة مصراتة ،

كما أعلن أعضاء مجلس النواب المنشقون والمجتمعون في طرابلس، رفضهم ما وصفوها ب« المحاولات الفردية والجماعية لنقل القضية الليبية خارج مظلة الأمم المتحدة، والتي تتم دون مشاركة كل الأطراف الليبية وفقا للإعلان الدستوري والاتفاق السياسي» وشددوا على أن « أي قرار يمس الثروة الليبية، والمصدر الوحيد لقوت الشعب الليبي يجب أن يكون في يد السلطات الشرعية لا سواها » في إشارة الى السراج

وكانت أحزاب الإسلام السياسي بما فيها حزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة الإخوان ، و« الوطن » الذي يتزعمه الإرهابي عبد الحكيم بالحاج ، أكدت رفضها للإتفاق حول إستئناف إنتاج وتصدير النفط ، وهو ذات الموقف الذي إتخذته ميلشيات مصراتة ووزير دفاع حكومة الوفاق صلاح الدين النمروش ورئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري الذي زعم  في بيان وجهه إلى رئيس وأعضاء مجلس رئاسة الوزراء بحكومة الوفاق، أن "هذا الإجراء يعد اعتداء على اختصاصات السلطات الشرعية الواردة في الاتفاق السياسي (مجلس النواب ومجلس الدولة ومجلس رئاسة الوزراء) واعتداء على الاختصاص القانوني لمصرف ليبيا المركزي".

ويرى المراقبون أن قوى طرابلس ومصراتة الرافضة للاتفاق الحاصل بين قيادة الجيش ومعيتيق ، لم تدعُ المؤسسة الوطنية للنفط الى الإمتناع عن رفع القوة القهرية ، ولا تستطيع منع الحقول والموانيء النفطية من إستئناف نشاطها بإعتبارها تقع في مناطق خاضعة لنفوذ الجيش الوطني ، وإنما هي تضغط من أجل عرقلة بعض مبادئ الاتفاق ، وخاصة في ما يتعلق بالتوزيع العادل لإيرادات التصدير  ، وتعديل وتوحيد سعر الصرف أو الرسم على مبيعات النقد الأجنبي بحيث يشمل كافة المعاملات سواء الحكومية أو الأهلية ولكافة الأغراض وإلغاء تعدد الأسعار و أقرت فتح المقاصة ومنظومة المدفوعات الوطنية بين المصارف في كل أرجاء التراب الليبي وخصوصا المقفولة على مصارف المنطقة الشرقية ،و فتح الاعتمادات والتحويلات المصرفية لجميع الأغراض المسموح بها قانونا ولكافة الجهات دون تمييز وأن يتم معاملة المصارف على قدم المساواة وبالضوابط القانونية الموحدة على الجميع ، إضافة الى الاتفاق على وضع الآلية المناسبة للاستفادة من الرسم المفروض على سعر الصرف وذلك باستخدامه في تمويل مشروعات التنمية وإعطاء الأولوية للمشروعات العاجلة التي تخدم المواطن بشكل مباشر والمناطق المتضررة وإعادة اعمارها .

وفي هذا السياق أكّد رئيس لجنة السيولة في مصرف ليبيا المركزي ( الموجود في مدينة البيضاء بشرق البلاد )  رمزي الآغا إنّ الاتفاق تناول التوزيع العادل ما بين المدن في الميزانيات المخصّصة للبلديات، والتي من شأنها أن يكون لها تأثير إيجابي على الخدمات التي تقدّمها البلديات، مشيرا الى أن مواجهتها بالرفض من قبل المليشيات ومن يقف وراءها باعتبارهم منتفعين من هذه الأموال عكس المواطن،  أمر منتظر ،

 كما أوضح عضو لجنة الأمن القومي في مجلس النواب علي التكبالي إنّ الميليشيات الموجودة في طرابلس لن تسمح بتمرير أيّ اتفاق بشأن إعادة إنتاج وتصدير النفط كالذي قدّمه الجيش الوطني طالما لم يحقق مصالحهم، وإعتبر أن الحاكمين في طرابلس لا يأبهون للشعب ولن يوافقوا على إعادة إنتاج النفط؛ إلا إذا تمَّ ضخُّ أمواله إلى مصرف ليبيا المركزي لدفع الأموال للمرتزقة الذين يدافعون عنهم ،مشيرا الى أنّ الجيش حاول تقليل معاناة الشعب عبر اتفاق إعادة إنتاج النفط، إلّا أنّ تلك الميليشيات لن تقبل بهذا الأمر.

بالمقابل ، أكد مؤسس سوق الأوراق المالية الليبي سليمان الشحومي أن اتفاق إعادة تصدير النفط يتحول شيئا فشيئا الى واقع ، وقال "‏شيئا فشيئا يتحول اتفاق إعادة تصدير النفط إلى واقع، وينصاع الرافضون لبنوده، هناك تحديات كبيرة وكثيرة أمام التنفيذ الكامل ولكنها ستكون بوابة الاتفاق على استعادة وطن بورقة بيضاء وشيئا  فشيأ سنصل جميعا بطي صفحة الماضي".