في مثل هذا اليوم 4 ابريل من العام 2019 أعطى القائد العام للقوات المسلحة الليبية المشير خليفة حفتر، إشارة دخول قواته إلى العاصمة طرابلس لتحريرها من قبضة الجماعات المسلحة، بحسبما جاء على لسانه.

وأكد المشير خليفة حفتر في كلمة مسجلة إلى قواته، أنه قد حان موعد "الفتح المبين" للعاصمة طرابلس لتحريرها، داعياً إلى عدم رفع السلاح إلا في وجه من يرفعه بوجه قوات الجيش الليبي.

وقال أيضاً إن الأمر بدخول العاصمة جاء "استجابة لأهالي طرابلس"، متابعاً: "اليوم نزلزل الأرض تحت أقدام الظالمين الذين طغوا في البلاد، فأكثروا فيها الفساد، اليوم يشرق النور من كل جانب بعد طول انتظار، يُبشر بالخير والازدهار.. اليوم يرتفع صوتنا ليدوي صداه في كل سماء.. لبيك طرابلس لبيك.. لبيك طرابلس لبيك".

وأردف قائلا: "أيها الأبطال لقد دقت الساعة.. آن الآوان وحان موعدنا مع الفتح فتقدموا بخطى واثقة بالله، وادخلوها بسلام على من أراد السلام، مناصرين للحق غير غازين، لا ترفعوا السلاح إلا في وجه من ظلم نفسه منهم وآثر المواجهة والقتال، ولا تطلقوا النار إلا على من حمل السلاح منهم".

وأضاف حفتر في كلمته "من ألقى السلاح فهو آمن ومن رفع الراية البيضاء فهو آمن"، وتابع قائلا "سلامة المواطنين وأمنهم وأعراضهم وضيوفنا الأجانب وأهلنا وأعراضنا كلها أمانة في أعناقكم".

ويحي الليبيون اليوم الذكرى الأولى لإطلاق عملية طوفان الكرامة لتحرير العاصمة من المنطقة الغربية من سيطرة الميلشيات المسلحة والجماعات الإرهابية ، في ظل تقدم للجيش الوطني على مختلف المحاور  رغم إتساع دائرة التدخل التركي السافر سواء بالخبراء والعسكريين وجلب المرتزقة ، أو بنقل شحنات الأسلحة والذخيرة الى طرابلس ومصراتة ، في تحدّ سافر للقرارات الأممية

ففي  الرابع من ابريل 2019 تقدمت قوات الجيش الوطني ليبيا الى مدينة غريان لتحررها من الميلشيات ، ثم إتجهت نحو ضواحي طرابلس ، وقال القائد العام للقوات المسلحة المشير خليفة حفتر في كلمة لشعبه :"اليوم نستكمل مسيرتنا الظافرة مسيرة الكفاح والنضال، اليوم نستجيب لنداء أهلنا في عاصمتنا الغالية كما وعدناهم، وقد بلغ بهم الصبر منتهاه، اليوم موعدنا مع القدر ليستجيب لنداء الحق ومع التاريخ ليفتح لنا صفحاته النيرة، نسطر فيها ثمرة الجهاد وخاتمة المعاناة والألم".

وجاء إطلاق العملية ردا على تنكر المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق لإتفاق الحل السياسي الذي تم التوصل إليه في أبوظبي ، وإتساع دائرة الفساد المالي في العاصمة ، وسيطرة الميلشيات على القرار السياسي والإقتصادي والإعتمادات المستندية للمصرف المركزي ، وتحول طرابلس الى بؤرة لتجمع فلول الإرهاب الفارة من ضربات الجيش سواء في شرق البلاد أو جنوبها ، وكذلك تلبية لنداء سكان العاصمة والمناطق المجاورة ممن ذاقوا على مدى تسع سنوات ويلات الترهيب والسلب والنهب  والتضييق على الحريات العامة والخاصة من قبل ميلشيات الإسلام السياسي والجماعات الإرهابية والجهوية

وقال المتحدث بإسم الجيش الوطني الليبي آحمد المسماري أن الهدف من العملية هو بسط نفوذ الدولة على عاصمتها المحتلة من قبل الميلشيات ، بعد فشل مخرجات إتفاق الصخيرات المبرم في 17 ديسمبر 2015 ، وسيطرة جماعة الإخوان على مفاصل الحكم في طرابلس وتغلغلها في مفاصل المؤسسات السيادية

سعى الجيش الوطني خلال عام كامل من المواجهات الى تجنب الحرب داخل العاصمة حتى لا تعمد الميلشيات الى إستعمال السكان المحليين دروعا بشرية ، ويرى المحلل السياسي عبد الحكيم معتوق أن القيادة العامة كانت حريصة على سلامة المدنيين ، لذلك عملت على إستنزاف الميلشيات من خارج طرابلس ، وتكبيدها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ، الى أن دخلت طلائع الجيش الى أحياء العاصمة الجنوبية ، وكانت على بعد كيلومترات قليلة من وسطها ، عندما تم الإعلان عن الدخول في  الهدنة في 12 يناير الماضي أي قبيل أيام من مؤتمر برلين 

ويشير مراقبون الى أن القيادة العامة للقوات المسلحة تعرضت الى ضغوط إقليمية ودولية للتوقف عن مخططها لإقتحام العاصمة في ديسمبر الماضي ، الى أن يتم الإتفاق على ترتيبات أمنية وسياسية ، من بينها محاولة بعض القوى الخارجية إعادة تدوير قوى الإسلام السياسي في المشهد القادم  ، والعمل على دمج عناصر الميلشيات في المؤسستين الأمنية والعسكرية ، وهو ما تبين لاحقا من خلال حواري جنيف السياسي والعسكري المنبثقين  عن مؤتمر برلين  والذين أدى فشلهما الى إستقالة المبعوث الأممي غسان سلامة من منصبه

عندما دخلت طلائع الجيش الوطني الأحياء الجنوبية للعاصمة مثل صلاح الدين والهضبة ، وباتت على بعد 3 كلم من وسط العاصمة ، هرع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج الى إسطنبول ليوقع في 27 نوفمبر الماضي على مذكرتي التفاهم المثيرتين للجدل ، بخصوص المنطقة البحرية ، والتعاون الأمني والعسكري ، لينطلق النظام التركي بعد أيام قليلة في حشد مسلحي المعارضة السورية الموالية له ، والدفع بها نحو طرابلس في رحلات للطيران المدني ، الى جانب خبراء عسكريين أتراك إنتقلوا الى الغرب الليبي للعمل كمستشارين وواضعي خطط  للميلشيات ، وشحنات من الأسلحة والذخيرة  ، في تحد سافر للقرات الدولية 

وفي الرابع من يناير أعلن المشير خليفة حفتر النفير العام بين الليبيين ، معتبرا أنّ "المعركة اليوم لم تعد من اجل تحرير العاصمة، بل يشتدّ سعيرها حرباً ضروساً في مواجهة مستعمر غاشم يرى في ليبيا إرثاً تاريخياً ويحلم باستعادة امبراطورية بناها أجداده بطوب الفقر والجهل والتخلّف والغطرسة وقهر أمّة العرب ونهب ثرواتها" في إشارة الى النظام التركي

وقال المتحدث بإسم عملية الكرامة خالد المحجوب أن التدخل التركي جاء لتأكيد اطماع أردوغان في ليبيا ولرغبته في وضع يده على مقدراتها وعلى موقعها الإستراتيجي المهم ، وبهدف التمكين لأتباعه ومنفذي أجندات من جماعة الإخوان وأمراء الحرب الذين يخشون من سيادة الدولة وسلطة القانون بسبب تورطهم في جرائم ضد الوطن والشعب والمجتمع ، لافتا الى أن الجيش الوطني قادر  على إتمام مهمته في تحرير العاصمة وكل شبر من الأراضي الليبية مستندا في ذلك الى مسوؤليته الوطنية والتاريخية والى الدعم الشعبي  الجارف الذي يحظى به

يمكن القول أن الجيش الوطني الليبي حقق جانبا مهما من خطته ، حيث بات على قاب قوسين أو أدنى من قلب العاصمة . بعد أن بسط نفوذه على أكثر من 90  بالمائة من المساحة الجملية للبلاد ، وأصبحت قواته موجودة في أغلب مدن وقرى المنطقة الغربية ، غير أن المعطى الجديد الذي يختلف عما كانت عليه الأوضاع قبل عام ، هو التدخل التركي المباشر من خلال غرف عمليات يشرف عليها ضباط أتراك ، وأكثر من 6000 مرتزق جلبهم نظام أردوغان الى طرابلس ومصراتة ليخوضوا  حربا بالوكالة ، هدفها عرقلة تقدم  الجيش نحو أهدافه الأخيرة

غير أن المواجهات الميدانية أثبتت أن القوات النظامية قادرة على التصدي وبقوة للغزاة الأتراك وردهم على أعقابهم ، وهو ما أكدته الأيام الماضية على أكثر من جبهة

وبينما لا تزال حكومة السراج تنادي بضرورة أن يعود الجيش الى مواقعه قبل الرابع من ابريل 2019 ، بات هدف القوات المسلحة هو إتمام المهمة في أقرب وقت ، خصوصا وأن الحرب لم تعد مع ليبيين ، مهما كانت عقيدتهم ، ولكن مع قوات غازية ومرتزقة أجانب يقاتلون على الأرض بنزعة استعمارية مرفوضة داخليا وخارجيا.