انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية منذ وصول الرئيس ترامب للبيت الأبيض سياسة خارجية اتسمت بالمحافظة حيث خلت من التدخلات المباشرة حتى أنها تراجعت عن لعب دور محوري في ليبيا.

وبدت الولايات المتحدة أكثر حذراً وأقل اندفاعاً فيما يخص تفاعلات المشهد السياسي الليبي، حيث ذهبت إلى انتهاج مسار يتسم بالتحفظ على المستوى السياسي، مما أعطى المجال لقوى دولية واقليمية للقيام بأدوار سياسية وعسكرية أكبر في ليبيا.

وربما كان هذا الأمر بمشيئة الولايات المتحدة نفسها، كونها لا تعتبر ليبيا أولوية مباشرة بالنسبة لسياستها الخارجية، حيث أكد الرئيس الأمريكي في أحد تصريحاته بأنه "لا يرى دوراً لأمريكا في ليبيا حالياً.. وأن الولايات المتحدة تقوم بأدوار مختلفة بما يكفي حول العالم "، وقد جاءت هذه التصريحات في لقائه مع رئيس الوزراء الإيطالي السابق (باولو جينتلوني ) بالبيت الأبيض منتصف عام 2017، والذي جاء يطلب الدعم الأمريكي لإيطاليا فيما بتعلق بتحقيق الاستقرار في ليبيا.

من المؤكد أن الرجل المثير للجدل الذي جاء إلى سدة الحكم في البيت الأبيض في يناير كانون الثاني 2017 يرى إدارة الشؤون الأمريكية بعقلية مختلفة عن سابقيه.

فجدير بالذكر فإن هناك مؤشرات تَشير بتبدل ما في الرؤية الأمريكية تجاه ليبيا، حيث أتت أولى هذه المؤشرات في نهاية مايو 2018، حيث زار قائد قوات "الأفريكوم" الأمريكية، الجنرال توماسوالد هاوسر العاصمة طرابلس، وهي أول زيارة لمسؤول أمريكي بهذا المستوى منذ عام 2014، إمكانية تقديم قوات الأفريكوم الدعم اللوجستي اللازم لتأمين الانتخابات الليبية في حال تقرر إجراؤها.

في هذا الصدد، يرى مراقبون أن هذه الخطوات لم تأت من فراغ، حيث ترتبط بشكل أو بآخر بمصالح أمريكية متجددة ومتغيرة، فاحتمالية زيادة أسعار النفط عقب العقوبات الأمريكية الجديدة التي فرضت على إيران ورغبة الولايات المتحدة في استقرار وزيادة الصادرات النفطية الليبية، هو ما استلزم العمل لتحقيق تقدم على صعيد التسوية السياسية للصراع الليبي.

من جانب آخر، فإن البيت الأبيض قد أعلن بعد أيام من اتصال هاتفي بين ترامب والجنرال حفتر، الذي جرى في 15 من نيسان/أبريل أن الرئيس ترامب قد ثمن في الاتصال الهاتفي أهمية دور الجنرال حفتر في مكافحة الإرهاب وفي حماية الثروة النفطية في ليبيا، حسب تعبير البيان الرسمي.

وأضاف البيان أن الجانبين تحدثا عن تصوراتهما بشأن مرحلة انتقالية في ليبيا تمهد لنظام سياسي ديمقراطي مستقر في البلاد.

حسب مهتمون بالعلاقات الأمريكية الليبية، فإن الإعلان الرسمي عن الاتصال الهاتفي بين حفتر وترامب كانت خطوة غير مألوفة، فواشنطن مازالت رسميا تعترف بشرعية بحكومة السراج كممثلة لليبيا دوليا.

وحتى قبل أيام من الاتصال الهاتفي المذكور، وجه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو انتقادات حادة للجنرال حفتر بسبب هجومه على طرابلس. وفي حينها قال بومبيو إن "مسؤولين حكوميين على مستوى رفيع" أوضحوا "إننا نرفض الهجوم العسكري".

هذه الخطوة التي اتخذها البيت لا يمكن أن تصنف ضمن أحد شطحات ترامب، حيث تحدد معالم الرؤية الأمريكية إذ وصف المشير حفتر بقائد الجيش، والثناء على دوره في مكافحة الإرهاب، جميعها نقاط لا يمكن إغفالها، بعد نضوج الموقف الأمريكي، وانقشاع الضبابية في رؤية المشهد الليبي.

ولعلّ ما نشرته صحيفة "وول ستريت جورنال" عن موقف وزير الدفاع الأمريكي أكد هو الآخر، الموقف من تأييد المشير حفتر، وفي تعليق آخر على المكالمة الهاتفية بين الرئيس ترامب والمشير حفتر، قال فريدريك وهري الخبير في مؤسسة كارنيجي للسلام: "إن هذا الاتصال امتياز كبير لحفتر؛ فهو وللمرة الأولى لديه هذا التأييد الشخصي الذي يرفع من مكانته، ليضعه في اتصال مباشر مع أقوى زعيم في العالم".