لقد أصبحت تركيا، منذ سنة 2011، أحدَ الرعاة الرئيسيين للتطرف، خاصة في سوريا، حيث عزّزت سياساتها تنظيم داعش والجماعات المرتبطة بتنظيم القاعدة.
 ويمكن اعتبار ليبيا دولة أخرى، استثمرت فيها تركيا، بشكلٍ مكثف، في رعاية الجماعات المرتبطة بالمنظماتِ الإرهابية.
إثر حسم الأمور على الأرض السورية بدحر حلفاء أنقرة،تتوجّه الأنظار حاليا إلى طرابلس حيث تدور في ليبيا، حاليّا، معركة للسيطرة على العاصمة طرابلس؛ بين الجيش الوطني الليبي، بقيادةِ المشير خليفة حفتر، وبين حكومةِ الوفاق الوطني ، والتي يقودها رسميًّا رئيسُ الوزراء فايز السراج، المدعومة من قبل ميليشيّات مختلفة حليفة لأنقرة.
وتعيش الميليشيات التي تدين بالولاء لأنقرة حالة من الحصار الغير مسبوقة في العاصمة الليبية ما حتّم تحركات سريعة للسلطات التركية إذ بدأت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا في التخلص من المجموعات المسلحة التي دعمتها طوال سنوات الحرب في سوريا تحت مسمى "المعارضة السورية" بإرسالها إلى ليبيا، بعد تطويق الجيش السوري مناطقها في شمال البلاد وخاصة في إدلب وريف حلب.
وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض، بأن الفصائل المسلحة الموالية لتركيا افتتحت مراكز لتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، اليوم الخميس إن "الفصائل الموالية لتركيا افتتحت مراكز لتسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا".
وأوضح المرصد وهو مكتب إعلامي معارض للحكومة السورية، يبث من بريطانيا، أن مصادره خاصة أفادت بأنه تم "افتتاح 4 مراكز لاستقطاب المقاتلين ضمن مقرات تتبع للفصائل الموالية لتركيا في منطقة عفرين شمال حلب، حيث افتتح مكتب تحت إشراف "فرقة الحمزات"في مبنى الأسايش سابقاً، وفي مبنى الإدارة المحلية سابقاً تحت إشراف "الجبهة الشامية" كما افتتح "لواء المعتصم"مكتباً في قرية قيباريه، وفي حي المحمودية مكتباً آخر تحت إشراف "لواء الشامل".
وقال المرصد السوري إنه رصد عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز، للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك"، مؤكدا "أن الفصائل الموالية لتركيا، تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية وتقدم مغريات ورواتب مجزية تتراوح بين 1800 إلى 2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة على تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة".
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد أكد في وقت سابق أن بلاده سترسل قوات إلى ليبيا استجابة لطلب من طرابلس في وقت قريب قد يكون الشهر المقبل. وأعلن الخميس أن بلاده تلقت من حكومة الوفاق طلباً لإرسال قوات إلى ليبيا، مشدداً: "وسنفعل ذلك".
كما أضاف "ندعم حكومة الوفاق ضد الجيش الليبي بكل الوسائل". وأوضح أنه "في الثامن من يناير ستتم الموافقة على إرسال قوات إلى ليبيا"، قائلاً "اتفاقيتنا مع ليبيا دخلت حيز التنفيذ بشكل كامل ودونت بسجلات الأمم المتحدة".
إثر ذلك،أكد وزير داخلية حكومة الوفاق فتحي باشاغا طلب السراج دعما عسكريا رسميا من تركيا لإبعاد قوات الجيش التي تتقدم بخطى ثابتة نحو العاصمة طرابلس.
من جانبه، تحدث المبعوث التركي إلى ليبيا أمر الله إيشلر، عن إرسال جنود إلى ليبيا، قائلاً :"يسألوننا عمّا إذا كنا سنرسل الجنود إلى ليبيا.. نحن نتجه إلى المكان الذي نُدعى إليه". وتابع سنلبي دعوة ليبيا لإرسال الجنود بعد تمرير مذكرة التفويض من البرلمان فور افتتاح جلساته.
جدير بالذّكر أنه،سبق أن حذرت منظمات دولية من إعادة سيناريو شبيه بالسيناريو السوري الذي شهد تدخل عدة قوى إقليمية، في ليبيا في حال تورط دول أجنبية أكثر فيها.
وحشدت تركيا فصائل إسلامية متشددة للقتال إلى جانبها في عملياتها العسكرية في شمال شرقي سوريا، أطلقت عليهم تسميات متعددة تحت غطاء "المعارضة السورية".
في سياق متصل،أكدت وكالة "بلومبرج" الأمريكية، أن تركيا سترسل عددًا من المقاتلين السوريين إلى ليبيا مع نشر قوات للدفاع الجوي في طرابلس ، وفقًا لما كشف عنه مسؤول ليبي.
 وتابعت أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيرسل إلى ليبيا عناصر من الجيش السوري الحر الذين قاتلوا مع القوات التركية في عدوان أردوغان الأخير على شمال سوريا، لدعم حكومة الوفاق الوطني بقيادة فايز السراج.
 وأضافت أن حكومة السراج رفضت من قبل طلب تركيا بنشر القوات البرية السورية بها، ولكنها عادت ووافقت بعد هجوم الجيش الوطني الليبي الأخير على طرابلس.
 وقالت الوكالة، إن القوات التركية ستقوم بتدريب وتنسيق القوات العسكرية للسراج. وتأتي الاتفاقية بعد توقيع اتفاق بحري بين أردوغان والسراج.
 وتابعت أن عمليات الانتشار العسكرية التركية، تؤكد التورط المتزايد لأردوغان في ليبيا ومنطقة شرق المتوسط، بالإضافة إلى نشر سفنها البحرية في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل القبرصية.
تأتي هذه التطورات المتسارعة  في الملف الليبي في وقت توجهت فيه أنظار أردوغان منذ أسابيع نحو طرابلس بعد أن حققت قوات الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر تقدما كبيرا نحو العاصمة الليبية، حيث مقر حكومة الوفاق التي تقاتل في صفوفها مجموعات مسلحة تدعمها تركيا بالسلاح.
قصارى القول،فإن الانخراط التركي في الصراع الليبي، هو أحد أبرز مُسبِّبات تفاقم الصراع وتأجيجه، في ظل محاولاتها المستميتة لإنقاذ الحليف من سقوطه في طرابلس؛ في ظل تشبث الوفاق بالعاصمة باعتبارها ورقة الضغط الوحيدة والأخيرة، في مقابل سيطرة الجيش على أغلب الأراضي الليبية الأخرى، وتُكثّف أنقرة جهوده في الفترة الأخيرة لدعم مليشيات الوفاق عسكريًا بهدف المحافظة على حد أدنى من القوة التفاوضية لحكومة الوفاق في مؤتمر برلين، ومن أجل فرض حلفاء أنقرة في طرابلس كجزء من الحل السياسي إلى جانب محاولة توفير خروج آمن لقادة المليشيات.