بالتوازي مع الحراك السياسي الكبير، الذي تشهده ليبيا خلال الأيام الأخيرة، بعد الأنفراجة الكبيرة التي أحدثها اعلان مجلسي النواب والدولة، عن اتفاق حول القاعدة الدستورية وانهاء الخلافات ما وضع البلاد عل عجلة الانتخابات، عاد الحوار مجددا بين الأطراف المتصارعة مع اعلان عودة اجتماعات لجنة 5+5 العسكرية.

وتعتبر هذه الخطوة الجديدة مبشرة، خاصة أن عودة اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة "5+5"، في مدينة سرت الليبية؛ تأتي بعد توقفها منذ أشهر نتيجة الصراعات الداخلية وحالة الجمود السياسي. ومن المنتظر أن تبحث اجتماعات اللجنة التي تدوم يومين، بحضور مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، عبد الله باثيلي، أخطر الملفات وأكثرها تعقيدا.

توحيد المؤسسة العسكرية

تكتسي المؤسسة العسكرية، أهمية بالغة في إعادة الأمن والإستقرار للبلاد، التي مازالت تعاني من فوضى أمنية كبيرة مع انتشار المليشيات المسلحة والعصابات الاجرامية والعناصر الارهابية في عدة مناطق من البلاد.

وتتصاعد الجهود لتوحيد المؤسسة العسكرية في ليبيا بهدف منع عودة البلاد إلى مربع العنف ووسط مخاوف من تداعيات تصاعد الخلافات السياسية القائمة بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس التي يقودها عبدالحميد الدبيبة، والحكومة المكلفة من البرلمان برئاسة فتحي باشاغا.

وفي ديسمبر الماضي، اجتمع رئيس أركان الجيش الليبي، الفريق عبدالرازق الناظوري، بالفريق أول ركن محمد الحداد، رئيس أركان القوات المسلحة التابعة لحكومة الوحدة الوطنية، بحضور عدد من الضباط من المعسكرين ضمن برنامج لتوحيد المؤسسة العسكرية.

وجاء الاجتماع بعد أقل من شهر من اجتماع مماثل بين الطرفين، بالعاصمة التونسية، حيث حضر الناظوري والحداد، فعاليات المعرض الدولي للطيران والدفاع في دورته الثانية والمقام بمطار النفيضة الدولي، وأظهرت الصور التي نشرت حينها للرجلين تقاربا واضحا بشر بامكانية انهاء أعوام من الحروب والانقسام.

يتطلع المواطن الليبي للوصول الى توافقات جدية من أجل توحيد المؤسسة التي انقسمت شرقاً وغرباً وتدخلت فيها السلطة السياسية وباتت في دائرة صراع مستمر منذ سنوات، في وقت تصاعدت فيه التهديدات الخارجية للبلاد في محيط اقليمي مشتعل جراء الصراعات الدولية على النفوذ وانتشار الجماعات الإرهابية.

القوات الأجنبية والمرتزقة

يمثّل ملف إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من ليبيا أحد أكثر الملفات تعقيدا على طاولة لجنة 5+5 العسكرية، فعلى الرغم من اتفاق أطراف النزاع على إخراج كافة القوات الأجنبية والمرتزقة من البلاد، وصدور أكثر من قرار دولي يشدد على ضرورة تطبيق هذا الاتفاق ومعاقبة المخالفين، فإن كل هذه الاتفاقات والقرارات ظلت حبرا على ورق.

ومنذ العام 2019، ومع اشتعال الحرب بين الفرقاء الليبين، تدفق آلاف المرتزقة والقوات الأجنبية الى ليبيا، وكشفت مبعوثة الأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا ستيفاني ويليامز مطلع كانون الأول/ديسمبر 2021، عن وجود 20 ألفا من "القوات الأجنبية والمرتزقة" في ليبيا، مشيرة إلى وجود عشر قواعد عسكرية في ليبيا، تشغلها بشكل جزئي أو كلي قوات أجنبية ومرتزقة.

وأرسلت تركيا طائرات مسيرة ومدربين ومستشارين عسكريين إلى ليبيا بموجب اتفاق عسكري موقع مع حكومة الوفاق الوطني.وفي يونيو الماضي، صادق البرلمان التركي، على تمديد عمل القوات العسكرية التركية في ليبيا لمدة 18 شهرا إضافيا، فيما اتهم المرصد السوري لحقوق الانسان، أنقرة بمواصلة ارسال المرتزقة الى ليبيا.

روسيا بدوره تتواجد عسكريا في ليبيا، وكشفت الأمم المتحدة وجود نحو 2000 مرتزق روسي في ليبيا، كما سبق لتقرير أميركي الكشف عن بقاء 5 آلاف "مرتزق في ليبيا بالنيابة عن موسكو"، بعد سحب عدد منهم على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا، حسب ما نقله موقع "فايننشال تايمز" عن مسؤولين غربيين وليبيين نهاية الشهر الماضي.

ولعبت مسألة خروج القوات الأجنبية، دوراً كبيراً في تعقيد المشهد السياسي الليبي، ومازالت تمثل خطرا يتهدد العملية السياسية في البلاد، خاصة مع وجود خلافات حول الملف وهو ما كشفته الازمة التي أحدثتها تصريحات وزيرة الخارجية في حكومة الوحدة الليبية، نجلاء المنقوش، حين طالبت بخروج كل القوات العسكرية الأجنبية من البلاد دون استثناء لأي منها.

واثارت تصريحات المنقوش حفيظة أطراف سياسية وعسكرية في غرب البلاد، خاصة مع وجود تحالفات مع تركيا، ووصل الامر حد اقتحام جماعة مسلحة فندق كورنثيا بالعاصمة طرابلس، الذي يجتمع فيه المجلس الرئاسي، احتجاجا على تصريحات المنقوش، وطالبوها بتقديم استقالتها.

المليشيات المسلحة

تعد مشكلة انتشار الميليشيات المسلحة، معظلة كبيرة ومعقدة في ليبيا، فهذه المليشيات لا تعد خارجة عن سلطة الدولة فقط بل في الحقيقة تسيطر على مفاصلها، فمنذ سنوات تغلغلت الميليشيات في البلاد واكتسبت نفوذا كبيرا تحت سطوة السلاح، فاجتاحت البلاد الصراعات المتكررة وسالت دماء الليبيين جراء صراع النفوذ بين امراء الحرب.

بعد توقيع وقف إطلاق النار في طرابلس عام 2020، شهدت ليبيا هدوءا نسبيا وخفت صوت البنادق مؤقتا، لكن سرعان ما عادت الاشتباكات مجددا خاصة مع توظيف الاطراف السياسية للمليشيات المسلحة في اطار الصراع على السلطة.فخلال الأشهر الماضية تجددت الاشتباكات المسلحة في طرابلس بين جماعات موالية لحكومة الدبيبة واخرى موالية لحكومة باشاغا.

ومع الزخم الكبير الذي احدثه التوافق الأخير بين مجلسي النواب والدولة حول القاعدة الدستورية ووضع خريطة طريق تنتهي باجراء انتخابات في البلاد، بيسود التفاؤل بامكانية الوصول اخيرا الى نهاية الأزمة في البلاد، لكن العديد من المتابعين للشأن الليبي يرون أن انهاء سطوة المليشيات يعد المطلب الأكثر الحاحا قبل الحديث عن أي استحقاقات سياسية في البلاد.