بدأ الصالون الدولي للكتاب، في استقبال زائريه مع بداية الدورة الـ25، بقصر المعارض بالصنوبر البحري بالعاصمة. نسخة العام 2022 جاء تحت شعار "الكتاب جسر الذاكرة"، بعد انقطاع عامين كاملين بسبب الأوضاع التي فرضها وباء كورونا، وتنظيم الدورة كان بمثابة تحد جديد لاستئناف نشاط الحياة والمعرفة...  فكانت مباني فعاليات الصالون الدولي للكتاب بالجزائر "سيلا 2022" هي المكان المناسب لاستضافة 1250 دور نشر عربية وأجنبية، ومشاركة أكثر من 36 دولة، أما المشاركون فقد توزعوا بين 266 عارضا جزائريا، و324 عارضا من البلدان العربية، و660 عارضا أجنبيا من جنسيات مختلفة. وإذا كانت إقامة الصالون الدولي للكتاب في الظروف الطبيعية في مرحلة ما قبل الجائحة يعتبر حدثا ثقافيا مهما، فإن أهميته تتضاعف في هذه الظروف الاستثنائية التي يمر بها العالم، وإقامته في هذه الظروف أيضا يعطي دليلا واضحا على اهتمام الدولة الجزائرية بالثقافة والفكر وبإثراء المشهد الحياتي بحضور الكتاب من كل نواحي المعمورة في المقام الأول وبتلك الحالة الثقافية التي يصنعها المعرض عبر قنوات الحوار ومناقشات الأفكار... ومن خلال هذا العرس الثقافي، تحتفي الجزائر ممثلة في الأسرة الأدبية والثقافية والمهتمين بشتى العلوم والمعارف والمتخصصين، وتحل دولة إيطاليا ضيفة شرف لهذه الطبعة التي تحتضنها الجزائر إلى غاية يوم 1 أبريل. 

أكثر من خطوة وفي أكثر من اتجاه، فالصالون الدولي للكتاب، في نسخته 25، يعيد الرهان على الثقافة بمفهومها الأوسع، وتستعيد الثقافة بوصفها أسلوب حياة، ويصيغ النسيج الوطني من جديد، وبخياطة أكثر أناقة لأجيال جديدة يعيد لها الكتاب الوعي باستحقاق وجودها، وينتظر أن تكون الدورة الجديدة من دورات المعرض، من أكثر دورات المعرض قدرة على فتح الحوار ومناقشة الأفكار، لأسباب تتعلق بالحالة الاستثنائية التي تعيشها الإنسانية في ظل الوباء الذي بدأ جائحة صحية إلا أنه سرعان ما تحول إلى أزمة كبرى تداخلت فيها كل تفاصيل الحياة، سواء كان ذلك عبر الجوانب العلمية التي برزت أهميتها أكثر خلال مواجهة الجائحة وتداعياتها أو عبر الأزمة الاقتصادية التي كرسها الوباء، بالإضافة إلى التداعيات الاجتماعية الأخرى التي ما زالت تصنع الكثير من التحولات في الحياة الاجتماعية للإنسان التي تحتاج إلى مزيد من الحوار لصناعة الوعي بها وبما يحيطها، وستكون كل هذه القضايا حاضرة في أروقة صالون الجزائر الدولي للكتاب، حاضرة عبر ما صدر من بحوث ودراسات في قلب الجائحة أو في ما يدور في المعرض من حوارات ونقاشات تميز المعرض.

ورغم أن الصالون الدولي للكتاب يفتح شهية الأسئلة حول الكتاب وناشره، والقارئ والمشهد الثقافي وما بينهما من علاقة حتمية، إلا أنها تأتي رخوة في ظل تجمعهم تحت سقف صالون للكتاب واحد يجتمع فيه مئات الآلاف من العناوين ومئات دور النشر التي تجعل القارئ يحتار أين ييمم وجهه، لكن ما هي إلا أيام ويعود كل شيء إلى ما كان عليه حتى أننا نادراً ما نقرأ مراجعة لأحد تلك الكتب التي تم اقتناؤها من الصالون الدولي للكتاب أو مراجعة لأفكار سياسية أو دينية أو اقتصادية أو اجتماعية حضرت إلى صالون الكتاب عبر أطروحات علمية وبحوث ودراسات تستحق المراجعة. وما من شك أن صالون الجزائر الدولي للكتاب، يعد تظاهرة ثقافية عظيمة الأثر والشأن تتاح فيها الفرصة للجميع لإثراء معارفهم من خلال اقتناء الكتب واختيار العناوين التي تناسب توجهاتهم وتخدم تخصصاتهم العلمية والأدبية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حيث يحرص المنظمون على إدخال الجديد من المعارف والعلوم... وهذه الفسحة الثقافية الاستثنائية تستحق أن نشكر عليها القائمين على الصالون الدولي للكتاب الذين استطاعوا أن يصمدوا به خلال دوراته السابقة رغم كل التحديات... لكن هذا لا يعني أن لا مآخذ على صالون الكتاب الدولي بالجزائر، بل هي كثيرة لو أردنا البحث عنها، ولكن الحق أيضاً أن التطور في صالون الجزائر الدولي للكتاب، يسير وفق فعل تراكمي جيد وفق الإمكانيات ووفق الجو العام للمشهد الثقافي في الجزائر الذي لا يمكن أن ينفصل عنه الصالون الدولي للكتاب. 

وإذا كان قدوم صالون الجزائر الدولي للكتاب في طبعته الخامسة والعشرين، يُدخل الفرحة والسرور في قلوب زواره، ولكنه يعيد طرح الكثير من الأسئلة التي نتناساها غالباً وهي أسئلة ملحة من قبيل ماذا قرأنا مما اقتنيناه من المعارض الماضية. وربما أثار ثيمة الخجل فينا عندما نلتفت إلى الكتب الكثيرة التي اقتنيناها من الدورات السابقة ولم يأت دور قراءتها بعد رغم أننا كنا نعتقد أن قراءتها أمر ملح جداً لحظة شرائها. نسعد كثيراً عندما نرى المواكب تخرج من صالون الكتاب محملة بأكياس ممتلئة بالكتب، لكن نتساءل: إلى متى سنبقى مصابين بمرض ''الاستسهال'' في صالون الكتاب السنوي، نلم كل شيء، على اعتبار أنّ ما قد يفوتنا لن نعوضه إلا في العام الذي يليه؟ ما الصعوبة التي تقف في وجه تبني مشروع بيع الكتاب الجزائري وغير الجزائري والتعامل معه على أنه سلعة يجب أن تصل إلى أكبر كم  من الشرائح الجزائرية المهتمة بالقراءة؟ وإلى متى سيبقى الكتاب في حيز الإهداءات والتوقيعات المجانية؟

من وجهة نظري أظن أنّ المشكلة هنا تنقسم إلى شطرين: الأول، نحن في أمس الحاجة إلى كتابة قانون جديد يتناسب مع روح التغيرات التي أصابت إعلامنا وكتاباتنا ومتطلبات حياتنا الجديدة، وشطر آخر من المشكلة يتعلق بغياب المستثمر الجزائري القادر على خوض هذه المغامرة، إذ بالتأكيد لن يدر أرقاماً خيالية جرّاء افتتاح مكتبة. اللجنة المنظمة لصالون الجزائر الدولي للكتاب، شاءت أن يكون نافذة ثقافية، لكن أحلام المثقف تريد منها أن يكون أوسع بكثير من النافذة، تريده حالة ثقافية مستمرة وباقية، بأنشطته وخططه ومشاريعه، وعلاقاته مع المؤسسات الثقافية، داخل الجزائر وخارجها خلال أشهر العام، وليس لأيام معدودة، وأن تكون له مشاركة باسمة في مختلف المعارض الثقافية، ذاهبين به إلى أن يكون له رأي في المستجدات الثقافية الجزائرية والعربية، بنظرة أبعد من كونه صالوناً اعتيادياً للكتب... وهذا ما نرجوه من اللجنة المنظمة لصالون الجزائر الدولي للكتاب، أن تعطي أهمية للفعاليات الثقافية التي تقام على هامشه، وأن تنهض بالكتاب الجزائري. ألا تصبح فقط أسيرة أدبيات المديح، التي تسمعها الإدارة من بعض الناشرين، وحديثهم المتكرر سنوياً بأن صالون الجزائر الدولي للكتاب، من ''أفضل'' صالونات الكتب العربية تنظيماً، وإن كان هذا صحيحاً وصادقاً، إلا أن الحال ذاته يتكرر في صالونات كتب مختلفة أيضاً، لها أيضاً إداراتها التي تتوخى العرض الحَسَن لتوزيع الكتب وأماكن دور النشر... ولو سألنا ناشراً يشارك في صالون ما، لقال: إنه من أفضل صالونات الكتب، هذه الأفضلية تتكرر في كل دورات معارض الكتب العربية، لذلك نرجو ألا تبقى إدارة الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، مأخوذة ومجذوبة بإيقاع حديث المديح العذب فقط، وكأن التنظيم الحَسَن هو أكثر ما يشغل الإدارة، وأنا شخصياً أتيحت لي فرصة زيارة مجموعة من معارض الكتب العربية، فوجدت جميعها تمتاز بالتنظيم الحسن...

طموحات المنظمين للصالون الدولي للكتاب بالجزائر كبيرة، والجهود المبذولة واضحة للعيان، ولكن لابد من تجديد الخطاب بين الحين والآخر، ومعه تتجدد الرسالة، ولا ضير من النقد الهادف، الذي يَبني ولا يَهْدِم، ويعترف بالجميل ولا ينكر الفضل، وجهد اللجنة المنظمة منذ بداياته مشكور لا ينكره أحد، إذ لولا الجهود المبذولة لما نجح صالون الكتاب الدولي أن يصل إلى الطبعة 25، وتحقيق رقم قياسي للمشاركين والزائرين. ولكننا نطمح إلى مزيد من التطوير، فقد كثر الكتاب والناشرون، وفي كل دورة من دورات الصالون الدولي للكتاب، يتقدم العديد من الكتاب الجزائريين في مختلف المجلات بإصدارات جديدة، تدخل الساحة الثقافية كوليد جديد يضيف بهجة في العائلة السعيدة. نحن فرحون جداً بالصالون الدولي للكتاب، وفرحون كثيراً بالإصدارات الجزائرية والعربية الحديثة، التي تبشر بخير ثقافي قادم، وهي إبداعات صادقة لا مراء فيها ولا غلو ولا مبالغة، فلا حجر على أي كتاب كما قال، ولم الحجر في زمن النشر الإلكتروني؟ لقد أصبح القارئ واعياً بالكتاب المهم، ولا يشتري إلا الكتاب المهم، فقد انتهى الخوف والتوجس من الكتب، وأصبح العالم مفتوحاً على سموات افتراضية، أصبح مزيجاً من الحقيقة والوهم، مثلما أصبح الفضاء مشحوناً بالمعلومات، ومليئاً بالمعرفة. فأرقام دور النشر المشاركة والعناوين ووضع منصة رقمية تسمح بزيارة الـمعرض افتراضيا، مع إمكانية شراء الكتب عن بعد بهدف عصرنة هذه التظاهرة، وتوفير خدمات رقمية جديدة يستفيد منها كل من لم يستطيع التنقل إلى فضاءات المعرض، وإتاحة الفرصة لجميع الجزائريين تشجيعا على المطالعة... هذه المجهودات توضح دور المنظمين في عملية التجديد... كما تبين الرغبة في احتضان كل جديد... لذلك يحق للوسط الثقافي والعلمي في الجزائر وخارجها أن يحتفي بالصالون الدولي للكتاب لكونه رافداً من روافد الفكر والمعرفة، وتظاهرة الجميل فيها حصادها المعرفي، إلى جانب أنواع الحصادات الأخرى.