في الوقت الذي يواصل فيه الجيش الوطني الليبي معاركه على تخوم العاصمة الليبية طرابلس بهدف تحريرها من سطوة المليشيات المسلحة التي ترسخ وجودها في المدينة خلال السنوات الماضية وشكلت خطرا كبيرا على البلاد، يواصل تيار الاسلام السياسي محاولاته لنشر الكراهية والحقد في صفوف الليبيين في محاولة لبث الفتنة في البلاد بما يكرس استمرار الفوضى ويخدم مصالح التيار وداعميه.

وفي مشهد يعكس بشاعة الأوضاع التي وصلت اليها البلاد، شهد ميدان الشهداء وسط طرابلس تجمع العشرات من أنصار وأفراد المليشيات الاخوانية الموالية لحكومة الوفاق الجمعة في احتفالات صاخبة، فرحا بسقوط العقيد عبدالوهاب المقري آمر اللواء التاسع بقوات الجيش الليبي، والقائد الميداني محسن الكاني وشقيقه عبدالعظيم الكاني، إثر استهدافهم بقصف طيران تركي مسير.

وأظهرت لقطات مصورة بثتها مساء أول من أمس، وسائل إعلام موالية لحكومة الوفاق التي تسيطر عليها جماعة "الاخوان"، احتفال عناصرها المسلحة بمقتل القيادات الثلاثة التابعين لقوات الجيش بميدان الشهداء بالعاصمة طرابلس، حيث أطلقت الأعيرة والألعاب النارية في الهواء وسط عبارات التهليل والتكبير وتصاعد أبواق السيارات.

ونعت القيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية، السبت، آمر اللواء التاسع والقائد الميداني باللواء النقيب محسن الكاني وشقيقه عبدالعظيم الذين سقطوا، الجمعة، في محور السويحلي بطرابلس بطائرات تركية مسيرة. وأوضحت القيادة، في بيان لها، أن قائد اللواء والقائد الميداني وشقيقه استشهدوا إثر قصف جوي من قبل طائرات مسيرة تركية الصنع أرسلها رجب طيب أردوغان لدعم المليشيات الموالية لحكومة الوفاق.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية، مؤخراً عن النقيب محمد أبو خزام من غرفة عمليات الجيش أن قصفاً بطائرة مسيرة استهدف السيارة التي كان يستقلها قائد اللواء التاسع ومرافقوه. ونعى المشير حفتر في بيان وزعه مكتبه كلا من العقيد عبد الوهاب المقري آمر اللواء التاسع والشقيقين النقيب محسن الكاني، والجندي عبد العظيم الكاني، وقال إنهم لقوا حتفهم إثر قصف طيران تركي مُسيّر جنوب العاصمة طرابلس.

بدوره، قال المركز الإعلامي لغرفة "عمليات الكرامة" التابع للجيش الوطني، أول من أمس، بأن الثلاثة "قتلوا على يد عدو غاشم استباح أرضنا بفعل خيانة الخونة وعمالة العملاء الذين انبطحوا لتنظيم الإخوان الإرهابي وإردوغان وحكام قطر"، وأضاف "اغتالتهم اليد التركية القذرة بطائرة مسيّرة يقودها ضباط أتراك... هذه هي تركيا التي تعتدي على أرضنا وتدعم الإرهاب وأدواته من المجرمين والمخربين والمهربين الذين يحاربون قيام دولة المؤسسات حتى يستمر الفساد والفوضى".

وبالتزامن مع احتفالات مليشياتها، أطلقت قيادات "الاخوان" العنان لتصريحاته العدوانية تجاه أبناء ليبيا، حيث سارع عضو المؤتمر الوطني السابق عن حزب العدالة والبناء الذراع السياسي لجماعة "الاخوان" المسلمين في ليبيا، محمود عبد العزيز الورفلي، للتعبير عن سعادته بسقوط العقيد عبدالوهاب المقري آمر اللواء التاسع، والقائد الميداني محسن الكاني وشقيقه عبدالعظيم خليفة عبدالرحيم.

ووصف القيادي الإخواني المعروف بتصريحاته العدوانية والداعية للفتنة، المقري والكاني، بـ"المجرمين والسفاحين"، الذين لايساوون "ظفر واحد من تريسنا السمح"، قاصدا مقاتلي قوات حكومة الوفاق والمليشيات المساندة لها، متمنياً الموت لباقي قوات الكرامة، مضيفا "إن شاء الله يكملوا".على حد تعبيره.

ولاقت هذه الشماتة والاحتفالات انتقادات وغضبا كبيرا في الأوساط الليبية، ووصف عضو مجلس النواب المنعقد في طبرق، علي التكبالي، الاحتفالات بـرقص "الأنذال" لموت قيادات الجيش. وقال التكبالي، في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، "حينما يموت الأبطال، يرقص الأنذال.. التاريخ سيرسم على جبينكم لطعة الخزي، وستلتصق بكم لعنته إلى الأبد".

وبدوره، نعى السياسي والمسؤول السابق بالنظام الجماهيري سعيد رشوان استشهاد العقيد عبدالوهاب المقري والقائد الميداني باللواء التاسع النقيب محسن الكاني وشقيقه الجندي عبدالعظيم الكاني. وقال رشوان في اتصال ببوابة افريقيا الاخبارية "ان يسقط الرجال في المعارك التي يرونها واجب هذه الشجاعة وعنوان الرجولة، اليوم سقط رجال من اجل تحرير الوطن من السلاح الخارج عن القانون وعبث لم ينتهي ومغالطات طالت كل شئ".

وانتقد رشوان احتفال المليشيات والموالين لحكومة الوفاق بمصرع الشهداء من اللواء التاسع قائلا "مهما كان موقفهم يقتلون بطيران أجنبي مدفوع الثمن من قوت الليبيين يقوم ابناء وطنهم بالاحتفال بموتهم هذه قمة الانحطاط وانعدام الوطنية"، وأضاف "خلافك مع اخيك وقتالك معه هو امر محزن وتتأسف لموته مهما كان درجة الاختلاف معه لأنه في الاخير انسان وجزء من وطنك واهلك فقدته في معركة وخلاف ما كان ان يكون لولا الايادي الأجنبية التي فرضت علينا القتال بين الاشقاء باسم الحرية وحقوق الانسان والديمقراطية الزائفة".

واختتم رشوان تصريحه قائلا، "ان الاحتفال اليوم في طرابلس بموت قادة اللواء التاسع هذا أكبر دليل علي تغول الحقد والكراهية بيننا، ولا حول ولا قوة الا بالله، الهم اغفر لهم وارحمهم وتقبلهم مع الشهداء والصبر والسلوان لأسرهم واهلهم ولمدينة ترهونة وانا لله وانا اليه راجعون".

وتصاعدت مؤخرا دعوات قيادات تيار الاسلام السياسي التحريضية ضد مدينة ترهونة، وكان آخرها ما جاء على لسان المفتي المعزول، الصادق الغرياني، والتي دعا فيها الى اجتياح ترهونة واعمال القتل فيها. وقال المفتي المعزول، وفي لقاء تليفزيوني الأربعاء، "لن تستطيعوا أن تحسموا المعركة إلا إذا قضيتم على العصابات الموجودة في ترهونة، سواء من أهلها أو من أتوها من المنطقة الشرقية، مثلما اقتحمتم غريان".

واستطرد قائلا: "ترهونة هي محطتكم الأولى، لا تجاملوهم، أعطيتوهم الفرصة كاملة، لابد أن تقتحموها، ولا يقول لي أحد "هذا نسيج اجتماعي".. النسيج الاجتماعي تحافظون عليه عندما تقطعون دابر الفساد". وأكمل، موجهاً حديثه لمن يقاتلون الجيش الليبي في طرابلس، قائلاً: "لابد أن يكون لكم مكان في السلطة، وأن يكون لكم تشكيل تحت اسم قوة حماية الثورة أو قوة الدرك، فهذا أمر مصيري لإحداث التوازن".

ودفعت تصريحات الغرياني، الذي يقيم في تركيا، ويعرف بـ "مفتي الدم"؛ نظراً لكثرة إطلالاته على فضائية "التناصح" التي يمتلكها نجله سهيل، ويدعم فيها منذ سنوات الأصوليين و"الجماعات الإرهابية" في مواجهة الجيش الوطني، سياسيين وقوى وطنية إلى المطالبة بضرورة محاكمته دولياً.

وقالت الحركة الوطنية الشعبية الليبية، ان تصريحات الغرياني، تضمنت "تحريضاً واضحاً وصريحاً على العنف والكراهية والاقتتال والحرب الأهلية بغطاء ديني"، لافتة إلى وصفه لبعض قبائل مدينة ترهونة بعبارات "مستهجنة ودعوته للميليشيات الإجرامية والعصابات الجهوية الموالية لجماعته الإرهابية للهجوم على مدينة ترهونة والتنكيل بأهلها".

واعتبرت الحركة، في بيان أمس، تصريحات الغرياني "خروجاً عن الإسلام والمبادئ والقيم والإنسانية ودعوة للاقتتال وتأجيج الحرب الأهلية بين الليبيين"، ورأت الحركة أن تصريحات ما سمته بـ "مفتي الإرهاب" تمثل "جريمة جنائية، وفقاً للقانون الجنائي الليبي، وانتهاكاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وجريمة حرب وفقاً لمعاهدة روما التأسيسية للمحكمة الجنائية الدولية والقانون الدولي".

وطالبت الحركة السلطات القضائية الليبية والمحكمة الجنائية الدولية "بضرورة التحرك لملاحقة الإرهابي الصادق الغرياني"، لافتة إلى أن أبناء مدينة ترهونة "يواجهون الإرهاب والميليشيات ويقاتلون مع أبناء القبائل الليبية ضمن القوات المسلحة العربية لتطهير البلاد من الإرهاب وتهيئة الظروف لبناء دولة آمنة مستقلة".

وكان مجلس مشايخ ترهونة، أصدر الخميس، بيانا دعا خلاله أبناء المدينة للخروج في مسيرات حاشدة للتعبير عن استيائهم لاستغلال المؤسسات الدينية في نشر الفتن والتحريض على الاستمرار في الفوضى والفساد ،كما طالب المنظمات الإسلامية ولجنة حقوق الإنسان الدولية والبرلمان الليبي اعتبار المدعو الغرياني شخصية إرهابية.

ووصف المجلس تحريض المفتي المعزول الصادق الغرياني لاقتحام مدينة ترهونة، بـ "الشيطاني". مشيرا الى أن دار الإفتاء الليبي لم تعد تمارس دورها المنوط بها في جميع دول العالم الإسلامي، بل أضحت دارا للتحريض على نشر الفتنة بين الليبيين، وبؤرة لدعم الإرهاب في ليبيا، وتكية لشرعنة أعمال النهب والسلب والنصب لبيت مال الليبيين، وفقا للبيان.

وأضاف المجلس " إن دار الإفتاء الليبي أضحت منبرا يحتكره المدعو الغرياني لنشر منهجه الإخواني الاقصائي، مستغلا بشكل انتهازي لنصوص الشرع الحكيم وللعلاقة الطيبة التي كانت معهودة لدى الليبيين مع دار الإفتاء الليبي. وطالب مشائخ ترهونة في ختام بيانهم المنظمات الإسلامية ولجنة حقوق الإنسان الدولية والبرلمان الليبي اعتبار "المدعو" الغرياني شخصية إرهابية.

وفي الوقت الذي تتواصل فيه محاولات انهاء الصراع في ليبيا وحقن دماء الليبيين، يصر الصادق الغرياني مفتي ليبيا المتشدد، النفخ في نيران الفتنة والحقد بين أبناء الوطن الواحد من خلال فتاويه التي تدعو الى العنف واستمرار الحروب والتي يفسرها انحيازه التام للمتشددين والمليشيات المسلحة في ليبيا حيث يوظف الدين ضدّ أي معارض لمنهجه المتطرف الرافض لإنهاء حالة الفوضى وبناء دولة مستقرة.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن نائب برلماني من مدينة سبها (جنوب البلاد)، قوله إن الغرياني منذ عام 2014 "يواصل استخدام الدين في التحريض على خصومه السياسيين"، متابعاً: "هذا الرجل يقف دائماً خلف التيارات المتشددة في البلاد، ويدفع من خلال فتاواه في سكة التعصب والأفكار المتشددة"، فضلاً عن "توجيه أنصاره لمحاربة الجيش الوطني لأهداف دول خارجية لا تريد عودة الاستقرار إلى ليبيا".

وسبق أن حرض الغرياني على ضرب مدينة بني وليد حين أعلن مباركته للقرار رقم 9 الصادر عن آمر المنطقة الغربية أسامة جويلي الذي هدد فيه باستهداف مطار بن وليد. ووصف الغرياني قرار جويلي بأنه قرار موفق زاعماً بأن المطار يستخدم لأغراضه عسكرية من قبل من وصفه بالعدو. ودعا الغرياني من وصفهم بـ القادة والمسؤولين إلى اليقظة وإبقاء أعينهم مفتوحة على مطار بن وليد حتى لا يتسلل منه العدو لدعم من أسماهم "مجرمي ترهونة" وغيرهم مطالباً بالتعامل مع المطار بحزم وقوة وإغلاقه على حد زعمه.

ويتخذ الغرياني الذي يعيش في تركيا حاليا، قناة "التناصح" وهي قناة فضائية مملوكة له، وتمول بشكل كامل من قبل قطر الداعم الأبرز للفوضى في ليبيا، لبث سمومه التي يقدمها ضمن وجبات دينية مكثفة، للعبث في عقول الشباب الليبي المتحمس، ليصدر فتاوي تدعم الإرهاب وضد الجيش الوطني الليبي، بل دعا الشباب لقتلهم، وتجاوزت فتاوي أخرى له حدود المنطق والعقل.

وخلال السنوات الثمانية اعتمد المتطرفون الليبيون على فتاوى الغرياني، كذريعة للقتل، حتى أنه اعتبر أعضاء البرلمان الليبي، والجيش الوطني الليبي كفار يجب قتالهم، مستخدما الخطاب الداعشي المتطرف في حشد الشباب الليبي في مواجهة الجيش الوطني. وأصدر الغرياني فتاوى داعمة للجماعات المتطرفة، وأباح اقتحام تنظيمي "القاعدة" و"داعش" للمدن الليبية، الأمر الذي جعله يوصف بـ "مفتي الإرهاب"، وتسبب في خلعه من منصبه ليستقر في تركيا أين ظل يحرض على الفتنة والقتل.