عانت المدن الليبية،من ويلات التنظيمات الإرهابية التي انتشرت في البلاد خلال السنوات الماضية،ورغم سقوط أغلب المعاقل الارهابية في ليبيا،فان يد الارهاب الغادرة مازالت تتحرك لتريق المزيد من دماء الليبيين،مستغلة في ذلك الأوضاع الأمنية المتردية نتيجة الانقسامات والصراعات ناهيك عن التدخلات التركية الساعية الى تحويل البلاد الى بؤرة للعناصر الارهابية.
وفي الوقت الذي تتكثف فيه الجهود لتسوية الأزمة في ليبيا،عادت التفجيرات الارهابية مجددا لتلقي الضوء على المخاطر التي تحدق بالبلاد.حيث أعلن الجيش الوطني الليبي، الاثنين 10 فبراير 2020، وقوع تفجير إرهابي في بمدرسة الجيل الصاعد بمنطقة ابي عيسى بمدينة الزاوية غرب العاصمة طرابلس،ما أسفر عن إصابات في صفوف الطلبة بالمدرسة.
وقال المركز الإعلامي لغرفة عمليات الكرامة، " تفجير إرهابي بمدرسة الجيل الصاعد بمنطقة ابي عيسى بالزاوية الغربية، بحقيبة متفجرة الساعة 9 صباحا، وأنباء عن إصابات في صفوف الطلبة الدارسين، وهذا الاسلوب من الأعمال الإرهابية المعروفة لتنظيمات داعش وأنصار الشريعة وشورى بنغازي وجبهة النصرة ومن على شاكلتها"، بحسب تعبيره.


وتسيطر على مدينة الزاوية عدّة مليشيات مسلّحة تابعة لحكومة الوفاق، من بينها مليشيا أبوعبيدة الزاوي الموالي لتنظيم "القاعدة"، ومليشيات أخرى تعمل في التهريب والاتجار في الوقود ومن بينها "مليشيا النصر" التي يقودها محمد كشلاف، والتي كانت مواقعها عرضة في أكثر من مرة لضربات الجيش الوطني الليبي.
وتلقي عودة التفجيرات الارهابية الضوء على المخاطر الكبيرة التي تعيشها ليبيا خاصة في ظل انتشار العديد من العناصر الارهابية في غرب ليبيا وخاصة في العاصمة طرابلس وهو ما تكشف خلال الأشهر الماضية من خلال ظهور العديد من الارهابيين الفارين من بنغازي ودرنة في المعارك ضد الجيش الليبي على تخوم طرابلس.
وتتعمق الخاوف مع انخراط تركيا في الصراع الليبي وتسريعها لعمليات نقل المرتزقة والارهابيين من بؤر التوتر الى الأراضي الليبية.وكشفت تقارير ليبية وعربية، خلال الأشهر القليلة الماضية؛ أنّ "السلطات التركية كثفت من عمليات تجميع العناصر الإرهابية الفارة من المعارك في سوريا، خاصة أفراد تنظيم "جبهة النصرة"؛ حيث شرعت في نقلهم جواً إلى الأراضي الليبية لدعم الميليشيات المسلحة المنتشرة في العاصمة طرابلس.
وأكدت صحيفة "آراب ويكلي" البريطانية، أن المزيج من المرتزقة والجهاديين يثيرون مخاوف كبرى في ليبيا، حتى في حكومة الوفاق الوطني وفايز السراج.وتابعت أن السياسة الخارجية العسكرية للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تثير غضب الكثيرين في جميع أنحاء الشرق الأوسط ومنطقة البحر المتوسط وما وراءها.
وقال اثنان من قادة الميليشيات الليبية ومراقب حرب سوري إن تركيا ترسل متشددين سوريين ينتمون لجماعات مثل تنظيم القاعدة وداعش؛ للقتال نيابة عن حكومة الوفاق.وقال قادة الميليشيات الليبية التابعة لحكومة السراج لوكالة أسوشيتد برس:ان "تركيا أرسلت أكثر من 4 آلاف مقاتل أجنبي لطرابلس، العشرات منهم متطرفون وإرهابيون".
وبدوره أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان إن أردوغان أرسل ما لا يقل عن 4700 من المرتزقة السوريين للقتال من أجل السراج، من بينهم هناك ما لا يقل عن 130 من مقاتلي داعش.وأكدت الصحيفة أن المزيج الخطير بين المرتزقة والجهاديين يثير مخاوف كبيرة في ليبيا، حتى بين صفوف الميليشيات التابعة للسراج، كما أنه يثير قلق دول الجوار وأوروبا.


عمليات نقل المرتزقة والعناصر الارهابية الى ليبيا أكدها مسؤولون دوليون،حيث قالت مصادر بالأمم المتحدة لـ"سكاي نيوز عربية"، الأحد، إنه تم نشر 3 آلاف مسلح سوري في المناطق التابعة لحكومة فايز السراج، غربي ليبيا.وأوضحت المصادر أن هناك معلومات تشير إلى قيام طيران عسكري تركي بنقل مقاتلين سوريين من غازي عنتاب (على الحدود السورية التركية) إلى إسطنبول، ومن ثم إلى ليبيا.ولفتت إلى أن فريق خبراء لجنة عقوبات مجلس الأمن المعنية في ليبيا يبدأ التحقيق في الاتهامات الموجهة لتركيا بنقل مقاتلين أجانب من سوريا إلى ليبيا.
من جهته،اكد وزير الخارجية القبرصي نيكوس خريستودوليديس، "إن التدخل العسكري التركي في ليبيا "يثير قلقاً بالغاً، ويزعزع استقرار الوضع المتقلب بالفعل، مع تداعيات خطيرة على الأمن الليبي والإقليمي والأوروبي".ونقلت صحيفة الشرق الأوسط عن الوزير قوله "كما نشعر بالقلق بشكل خاص من الأدلة المستمرة على زيادة وجود المرتزقة السوريين والمقاتلين الإرهابيين الأجانب في طرابلس".
وفي وقت سابق،أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف،إن عددا كبيرا من المسلحين في إدلب بسوريا يتوجه إلى ليبيا، في خرق للقرارات الدولية.وأوضح لافروف لصحيفة "روسيسكايا غازيتا" أن الجانب الثاني المتعلق بالمخاطر والتهديدات الناشئة عن منطقة خفض التصعيد في إدلب هو نقل مئات المقاتلين بما في ذلك مقاتلو "النصرة" و"هيئة تحرير الشام"، إلى ليبيا للمشاركة في الأعمال القتالية في ذلك البلد.وأضاف وزير الخارجية الروسي أن بلاده لا يمكنها حل هذه المشاكل بمفردها ، مشيرا إلى أن بلاده تتحدث عن هذا مع الأتراك.
وحذر الجيش الليبي في أكثر من مناسبة من عمليات نقل الارهابيين الى ليبيا عن طريق تركيا،وقال المتحدث باسم الجيش، اللواء أحمد المسماري، في مؤتمر صحفي في أبريل الماضي، أن مجموعات من "جبهة النصرة" من سوريا تم نقلها عن طريق تركيا إلى منطقة الكسارات لتشارك في المعارك إلى جانب "القاعدة" و"داعش".وأكد أنه بعد الهزائم المتتالية لـ"جبهة النصرة" في سوريا تم نقلهم بشكل مباشر إلى ليبيا لتدعيم المعركة في طرابلس.


وتثير التدخلات التركية مخاوف كبيرة من تحويل ليبيا الى بؤرة للمتطرفين وهو ما أكده الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي،خلال مشاركته في جلسة مجلس السلم والأمن الأفريقي حول ليبيا والساحل، في أديس أبابا،حيث دعا إلى "موقف قوي" يتم تبنيه من خلال مجلس السلم والأمن الأفريقي، لمواجهة "الاستمرار في إرسال المقاتلين الأجانب والعناصر الإرهابية من سوريا إلى ليبيا بالآلاف.
وأشار السيسي الى أن تهديدات إرسال المقاتلين الأجانب "لن تقتصر على الأراضي الليبية وفي الوقت الحاضر فقط، بل سيمتد أثر ذلك خارج حدود ليبيا، ليطال أمن دول جوارها، وبشكل خاص ذات الحدود المشتركة المترامية الأطراف معها، وذلك في القريب العاجل، ما لم يتم التصدي لهذه القضية بكل الوسائل المشروعة.
وفي وقت سابق عبرت تونس والجزائر عن رفض التدخلات الخارجية في ليبيا وتوافقهما على أن يكون حل الأزمة الليبية داخليا عبر لجوء طرفي الصراع في ليبيا إلى الحوار.وقال الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون في تصريح للصحافة عقب محادثات جمعته بنظيره التونسي قيس سعيد،"اتفقنا على أن يكون الحل في ليبيا داخليا وإبعاد ليبيا عن كل ما هو أجنبي ومنع تدفق السلاح.
وتشكل الأزمة الليبية أحد أبرز الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية،نظراً لتداعياتها المختلفة على الأمن والاستقرار في الإقليم،وتعتبر دول الجوار الأكر تأثرا بما يجري في المشهد الليبي بالنظر إلى الحدود المشتركة والروابط الاقتصادية والاجتماعية بينها، وهوما يدفعها بصفة متكررة للتدخل في الملف الليبي بهدف إيجاد تسوية شاملة تنعكس إيجاباً ليس على ليبيا فقط وإنما على دول الجوار.


وتصر تركيا على نقض التعهدات التي أوصى بها مؤتمر برلين الذي انعقد في 19 يناير الماضي، بحضور 12 دولة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي، تحت إشراف الأمم المتحدة،بضرورة وقف تدفق المرتزقة الأجانب إلى ليبيا، والرفض القاطع للإرهاب والعنف أيا كان شكله ومصدره، وهو الأمر الذي دعا له أيضا مؤتمر وزراء خارجية دول جوار ليبيا في الجزائر.
وقال الرئيس المصري، في كلمته جلسة مجلس السلم والأمن الأفريقي حول ليبيا والساحل، في أديس أبابا،"إنه من المؤسف أن التوافق الدولي الذي رأيناه في برلين تم انتهاكه من الأطراف الإقليمية المعروفة والتي لم تتوقف عن خرق حظر توريد السلاح، وعن جلب آلاف المرتزقة من آلات القتل البشرية".في اشارة الى تركيا.
وفي وقت سابق اتهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تركيا بتأزيم الأوضاع في ليبيا حيث اعتبر في تصريحات صحافية أن نظيره التركي لا يحترم كلامه المتعلق بإنهاء التدخل في الأزمة الليبية ولاسيما عدم إرسال سفن تركية تقل مرتزقة للقتال إلى جانب ميليشيات حكومة الوفاق التي تسيطر على العاصمة طرابلس.
وفي الوقت الذي تتواصل فيه المساعي عبر الاجتماعات والمؤتمرات للوصول الى تسوية شاملة في ليبيا،تسعى أنقرة جاهدة لاشعال فتيل الصراع وتعميق الانقسامات.ويشير مراقبون الى أن أردوغان يسعى لتحويل ليبيا الى ملاذ جديد للتنظيمات الارهابية التي باتت في قبضته بعد العدوان الذي شنته أنقرة على الشمال السوري في أكتوبر الماضي.
وكان الناطق باسم القيادة العامة للجيش الليبي، اللواء أحمد المسماري،أكد في أكتوبر الماضي، إنّ تركيا تقوم بغزو في سوريا وتقتحم أراضي عربية، مشيراً إلى أنّ أعداداً كبيرة من الإرهابيين أطلق سراحهم من السجون وباتوا في أيدي الأتراك، محذراً من أنّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد يعمل على إرسال الإرهابيين الموجودين في سوريا إلى ليبيا عبر موانئ ومطارات طرابلس ومصراتة وزوارة.
وعانت ليبيا منذ العام 2011 من انتشار التنظيمات الارهابية التي مارست أبشع أشكال الجرائم في حق الليبيين كما طال خطرها دول الجوار مع تسلل العناصر الارهابية عبر الحدود وتنفيذ هجمات دموية خاصة في تونس ومصر.ويجمع العديد من المتابعين للشأن الليبي أن التدخلات الخارجية التي تحركها الأطماع والمصالح تمثل السبب الرئيسي في تواصل حالة الفوضى وغياب سلطة الدولة في ليبيا والتي تمثل البيئة المناسبة للتنظيمات الارهابية للاستقرار في هذا البلد الممزق وممارسة أنشطتها الاجرامية العابرة للحدود.