بين التأكيد والنفي والتشكيك، يتواصل الجدل الحاد في ليبيا، حول ما سميت بحادثة محاولة اغتيال وزير الداخلية المفوض بحكومة الوفاق المنتهية ولايتها، فتحي باشاغا، أول أمس الأحد.

وفيما قال باشاغا في تصريحات صحفية إن سيارة بدأت في التعدي على موكبه، وأن أشخاصا أطلقوا النار من داخلها، ما أدى إلى تبادل لإطلاق النار قُتل فيه أحد حراسه وأحد المهاجمين، كشف تقرير الطب الشرعي بطرابلس، أن رمضان الهنقاري المتهم بقيادة الهجوم على موكب الوزير، توفي بسبب كسور ونزيف داخلي ناتجة عن حادث مرور، وأن جثمانه خال تماما من أي رصاص أو شظايا على عكس بيان باشاغا الذي قال إنه قُتل خلال اشتباك أثناء محاولة الاغتيال.

وكانت وزارة داخلية الوفاق، قالت في بيان، إنه وعند الساعة الثالثة بعد ظهر أول أمس الأحد، تعرض وزير الداخلية لمحاولة اغتيال أثناء رجوعه إلى مقر إقامته بضاحية جنزور، حيث قامت سيارة مسلحة نوع تويوتا 27 مصفحة بالرماية المباشرة على موكب وزير الداخلية باستعمال أسلحة رشاشة.

ووفق البيان، قامت العناصر الأمنية المكلفة بحراسة باشاغا بالتعامل مع السيارة المذكورة والقبض على المجموعة المسلحة بعد الاشتباك معها مما أدى إلى تعرض عنصر الحراسات المرافق للوزير لإصابة والقبض على اثنين من المهاجمين ووفاة الثالث أثناء التعامل الأمني معهم.

لكن الطرف المقابل، وهو جهاز دعم الاستقرار التابع للمجلس الرئاسي، والذي تم اتهامه بالتورط في الحادثة، أكد تعرض موظفيه لحادثة إطلاق نار في الطريق الساحلي في منطقة جنزور، وقال إن إطلاق النار تم أثناء عودة الموظفين من أعمالهم المكلفين بها، حيث تصادف مرور سيارة تابعة للجهاز بالتزامن مع مرور رتل تابع لوزير داخلية الوفاق، إذ قام حراس الوزير بالرماية على السيارة المصفحة التابعة لدعم الاستقرار من دون وجه حق.

وأضاف البيان أن هذه الرماية أدت لمقتل أحد منتسبي الجهاز العضو وهو رضوان الهنقاري من مدينة الزاوية وإصابة أحد رفاقه، مبينًا أن ما حدث هو سوء تنسيق وسوء تصرف من حراسات وزير داخلية الوفاق، نافيًا ضلوع الجهاز بأية محاولة لاغتيال باشاغا.

وشدد الجهاز، على تعهده بملاحقة المتورطين في إطلاق النار على موظفيه عبر بالقانون، ووفقًا للتشريعات النافذة المنظمة لعمل المؤسسات في الدولة، بعيدًا عن الادعاءات الباطلة والبهرجة الإعلامية التي لا تخدم العلاقة بين الأجهزة الأمنية الرسمية، وفق نص البيان.

تشكيك

واتسعت دائرة التشكيك في الحادثة، بالنظر الى أن موكب باشاغا يتكون من أكثر من 50 سيارة مصفحة، وهو الأكبر من نوعه في ليبيا، ولم تعرف البلاد مثيلا له حتى في عهد القذافي، بينما الطرف المقابل كان يستقل سيارة واحدة غير قادرة على اختراق الموكب.

واعتبر المحلل العسكري والسياسي محمد الترهوني، أن محاولة الاغتيال زوبعة الهدف منها إعادة تسويق باشاغا الذي يحاول زعزعة الأمن والتأكيد أنه الوحيد القادر على حلها للتواجد في السلطة التنفيذية الجديدة المنتخبة واستمرار بقائه وزيرا في الحكومة المقبلة.

وأشار الترهوني، إلى أن هذه المحاولة لن تكون الأخيرة وستكون هناك عمليات أخرى من باشاغا، متوقعا أن يقوم بالزج بقوات من مصراتة داخل العاصمة طرابلس لفرض أمر واقع جديد ينحرف بالمسار السياسي إن لم يضمن مكانا به.

بدوره، أكد جمال شلوف، رئيس مؤسسة «سلفيوم» للأبحاث، أن ما أشيع عن تفاصيل محاولة الاغتيال المزعومة التي تعرض لها باشاغا، بها مفارقات غامضة لا يقبلها المنطق، أهمها “محاولة اغتيال (بالرماية بالرصاص) من سيارة (واحدة) على (رتل 50 سيارة مصفحة لا يخترقها الرصاص”.

وقال المحلل السياسي محمد الهنقاري “الضحية اليوم هو ابن عمي والعزاء في بيتي، من يتخيل أن محاولة الاغتيال بسيارة تويوتا 24 لوزير الداخلية فتحي باشاغا ورتله أكثر من 60 سيارة مدرعة ومصفحة وتجهيزات وغيرها، أعتقد أنه شيء من الجنون وضرب من الانحياز”.

وأضاف: “الحادث كما رأيناه في الفيديوهات هي سيارة ربما قامت بمضايقة الموكب وصدمتها سيارة الحرس ولاحقوهم وحصل ما حصل، نحن نحتكم للقانون والعملية كانت مستفزة جدًا بهذه الطريقة، حتى أيام القذافي رتله لم يقتل أحدًا من البشر، وكان رتله يفوق هذا العدد، حتى الجميع تضايق من رتل باشاغا، فنصف ساعة يقفون بالطابور بسببه، وأحمد معيتيق نائب في الرئاسي يتحرك بأربع سيارات فقط“، مشيرا الى أن “السيارة كان بها شباب أنهوا مناوبتهم الأولى في جهاز دعم الاستقرار، ربما السيارة استفزت الحرس، إذا كان بالفعل محاولة اغتيال فلماذا يسلمون اليوم لقوة الردع 6 أفراد من الحراسات الذين قاموا بالعملية وتورطوا بعملية القتل؟ والنائب العام كلف 3 من كبار وكلاء النيابة ورئيس نيابة جنزور وسوق الجمعة للتحري والبحث في هذه القضية والتحقيق فيها”.

وأكد على أن عائلة الهنقاري تحتكم للقانون، لكن ما استفز العائلة ما نشر على وسائل الإعلام بأنها محاولة اغتيال، معتبرًا أن التصريح غير المتوازن من وزارة الداخلية زاد من استفزاز العائلة، فبدلًا من أن يقول فتحي باشاغا إنه سيفتح تحقيقًا في الحادثة فقط والتأكد من ملابسات القضية، اعتبر أنها محاولة اغتيال؛ واصفًا ذلك بالظلم والتجني.

وفيما دعا رئيس المجلس الرئاسي الجديد محمد المنفي، ورئيس حكومة الوحدة عبد الحميد الدبيبة، “الجهات القضائية والضبطية بشكل عاجل إلى فتح تحقيق نزيه وشفاف في ملابسات الحادثة وملاحقة مرتكبيها والتأكيد على عدم إفلات كل المتورطين من العقاب”، لوحظ أن الأطراف الداعمة لباشاغا في الداخل والخارج سارعت بتصديق رواية وزارة الداخلية، دون انتظار نتائج التحقيق.

وكان أول بيان من داخل ليبيا، قد صدر عن حزب العدالة والبناء، الذراع السياسية لجماعة الإخوان الذي قال إن هذه “العملية” محاولة لزعزعة الأمن ونشر الفوضى ومحاربة مساعي بناء مؤسسات الدولة، في مرحلة حساسة تبذل فيها جهود كبيرة باتجاه التوافق وتحقيق الاستقرار، داعيًا مكتب النائب العام والمعنيين للتعجيل بإجراء التحقيقات اللازمة لمحاسبة المتورطين في الهجوم. وفق نص البيان.

وترجح مصادر مطلعة من طرابلس إن يكون هدف باشاغا من الترويج لمحاولة اغتياله، هو تقديم نفسه لتولي منصب وزير للداخلية في حكومة الوحدة الوطنية، ولخوض حربه المؤجلة على الميلشيات الخارجة عن فلك جماعة الاخوان التي تدعمه، والتي سبق أن أعلن عنها الشهر الماضي، وأطلق عليها اسم «صيد الأفاعي».

وفي الأثناء، جدد المبعوث الأممي يان كوبيتش التأكيد على أهمية إبقاء جميع الأسلحة في أيدي السلطات الشرعية في البلاد فقط، مبينًا أن ما وصفه بـ”الأعمال المتهورة” تشكل تهديدًا للاستقرار والأمن، وتهدف إلى عرقلة العملية السياسية وغيرها من الجهود لدعم ليبيا وشعبها، داعيا إلى فتح تحقيق كامل وسريع وشفاف في الحادث.