منذ تأسيس ليبيا الحديثة في القرن الماضي توالت عليها عديد الوثائق التأسيسية والتشريعات المنظمة للعلاقة بين الدولة والشعب تحت أسماء وصفات مختلفة تنوعت حسب سياسة وأسلوب من هم في السلطة، إلا أن لدستور ليبيا المعد سنة 1951 خصوصية تخالفه عن بقية هذه الوثائق والتشريعات التأسيسية، خاصة مع تصاعد المطالب مؤخرا بالعودة إليه واعتماده بتعديلات كدستور ولو مؤقت لليبيا، وفي هذه التقرير تسبر بوابة إفريقيا الإخبارية أغوار دستور 1951، لتقديم ما قد لا يعرفه الكثير عن هذا الدستور.

1.أول دستور في ليبيا الموحدة

دستور 1951 يعد أول تشريع يرسخ رسميا حقوق المواطنين الليبيين بعد قيام الدولة الوطنية الليبية الواحدة، حيث لم سبقه إلا الدستور البرقاوي الذي اختص بإقليم برقة سنة 1949، وبالتالي فإنه دستور 51 تميز بكونه التشريع التأسيسي الأول للدولة الليبية الموحدة بعد الحرب العالمية الثانية.

2.دستور برعاية دولية

يعتبر دستور ليبيا لسنة 1951 من الدساتير القليلة الذي وضعت برعاية دولية، حيث دعت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى وضع دستور لليبية عقب استقلالها ودعت إلى تأسيس لجنة وطنية لصياغته، وقد ونص القرار رقم (289) الصادر عن الدورة الرابعة لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة المنعقدة بتاريخ 21 نوفمبر 1949 على "أنّ تصبح ليبيا دولة مستقلة ذات سیادة في موعد لا يتجاوز أوّل يناير 1952، على أن يوضع للدولة الجديدة في أثناء ذلك دستور تقرره جمعية وطنية تضم ممثلين عن الأقاليم الثلاثة المكوِّنة للبلاد."

3.لم يعده الليبيون وحدهم

دستور ليبيا المؤسس سنة 1951 لم يكن فقط برعاية دولية، بل كان أيضا بدعم دولي مباشر في مرحلة التجهيزات له، حيث نص قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة لسنة 1949 على تعيين مفوَّض خاص من الأمم المتحدة للمساعدة في تهيئة ظروف صياغة الدستور، على أن يساعده في أداء هذه المهمة مجلس عرف لاحقا باسم (مجلس العشرة) كان من بين أعضاءه مندوب واحد عن كل من مصر وفرنسا وإيطاليا والباكستان والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، إلى جانب مندوبين عن أقاليم ليبيا الثلاث برقة وطرابلس وفزان مع عضو يمثل الأقليات في وقتها.

4.جهود وطنية بذلت على طريق الدستور

اجتمعت الرموز الوطنية وزعماء الأحزاب والأعيان والقادة السياسيين في الأقاليم الثلاثة المكونة لليبيا واتفقوا على مجموعة من المبادئ والأسس كما اتفقوا عن الكيفية التي سيتم بها تشكيل واختيار اللجنة التحضيرية، تحت اسم "لجنة الواحد والعشرين". هدفها اتخاذ الترتيبات اللازمة لانتخاب جمعیّة وطنیّة تأسیسیة لوضع الدستور، وتُركت لكل إقلیم حرية الاختیار في الكیفیّة التي سیتم بھا تعیین ممثلیھم السبعة في اللجنة التحضیريّة. واتفق زعماء برقة أنّ يختار الأمیر إدريس السنوسي ممثلیھم السبعة في اللجنة التحضیريّة، واسندَ زعماء فزَّان ھذه المھمة إلى زعیمھم الشیخ أحمد سیف النصر. أمّا في إقلیم طرابلس فقد كُلف (أدريان بلت) مندوب الأمم المتحدة كحل وسط لاختيار مندوبي إقليم طرابلس بسبب تضارب الآراء والصراعات الحادة الدائرة آنذاك بينهم.

5.لجنة صياغة وطنية دون مغالبة

واتفق أعضاء اللجنة التحضرية على تشكيل الجمعية الوطنية التأسيسية من 60 عضوا يمثلون برقة وطرابلس وفزان على أساس التساوي العددي بمعدل عشرين ممثلا لكلّ منطقة، على أن يتولى الأمير إدريس السنوسي اختیار ممثلي برقة، والشیخ أحمد سیف النصر ممثلي فزان، وعلى أن يعھد إلى الشیخ محمد أبو الأسعاد العالم (المفتي ) اختيار ممثلي طرابلس بعد التشاور مع الأحزاب والزعامات القائمة بالمنطقة. كما أجمعت اللجنة على ألا يسمح للأقلیات غیر الوطنیة أنّ تشترك في الجمعیّة الوطنیّة أو تمثل فیھا. وفي أول اجتماع للجمعية الوطنية لم يناقش أعضاءها حجم مرتابتهم ولا مزاياهم، بل كان أول قرار أخذوه هو تشكيل لجنة خاصة تضع الدستور (لجنة الدستور) شرط أنّ يكون أعضائھا من أھل الاختصاص.

6.دستور استقلال بجدارة رغم الدسائس

وبحسب الكاتب الصادق الشكري، فقد بذل أعضاء الجمعیّة الوطنیّة التأسیسیّة جھوداً جبارة مضنیة حتى أقروا الدستور، وتغلبوا على كلّ المؤامرات والدسائس التي ھدفت إلى إفشال عملھم بغرض منع حدوث الاستقلال وبقاء ليبيا تحت وصاية دولية، ولولا حكمة الملك إدريس السنوسي وإخلاص أعضاء الجمعیّة الوطنیّة التأسیسیّة لانفرط العقد وما تحقق الإستقلال، أو كما السید/ محَمّد عثمان الصید في كتابه: محطات من تاريخ لیبیا: "لولا صمود رجال الجمعیّة الوطنیّة التأسیسیّة لانفرط العقد، وضاع الإستقلال الذي كان قاب قوسین أو أدنى، بسبب الألاعیب والمخططات الخفیّة. ولولا حكمة الملك إدريس السنوسي وصبره، وعقلاء طرابلس وعلى رأسھم الشیخ المفتي/ محَمّد أبو الأسعاد العالم لما وصلنا إلى الاستقلال".