يلقي الوضع الأمني و السياسي المتأزم بليبيا منذ سنة 2011 بظلاله على الوضع الاقتصادي بالبلاد. وفي ظل تواصل الصراع الداخلي في ليبيا  منذ سنة 2011 و عدم الإهتداء إلى تسوية تضفي إلى الإستقرار في المشهد السياسي،لازال الاقتصاد الليبي في تراجع متواصل

وشكل النفط في ليبيا عام 2010 نحو 94% من عائدات ليبيا من النقد الأجنبي و60% من العائدات الحكومية و30% من الناتج المحلي الإجمالي، وكانت ليبيا تنتج 1.65 مليون برميل يوميًا من معدل احتياطي قدره 41.5 مليار برميل، وكانت تعتزم في خطة 2011 زيادة إنتاجية بحوالي 3 ملايين برميل يوميًا، وكان معدل دخل الفرد في تلك الفترة هو 4400 دينار.

إلا أنه بعد أحداث 2011،تعطل إنتاج النفط لشهور على إثر النزاعات التي أدت لمقتل القذافي، ليؤدي ذلك بالتبعية إلى تدهور الأوضاع المعيشية ونقص السيولة في المصارف، وتغير الوضع بعد إعلان تحرير ليبيا، حيث عاد تصدير النفط الليبي بمستويات قريبة من فترة ما قبل الحرب بحلول الربع الثالث من سنة 2012، وارتفعت ميزانية الحكومة إلى الضعف في السنوات الثلاث الأولى.

وقال البنك المركزي يوم الأربعاء إن إيرادات ليبيا النفطية بلغت 22.7 مليار دينار ليبي (16.09 مليار دولار) في أول تسعة أشهر من العام.

وذكر البنك المركزي ومقره طرابلس أن إجمالي الإنفاق الحكومي في هذه الفترة بلغ 29.26 مليار دينار متجاوزا إجمالي الايرادات البالغ 24.57 مليار دون ذكر أرقام العام الماضي للمقارنة.

وفي الشهر الماضي، قال البنك المركزي إن إيرادات ليبيا من النفط أول ثمانية أشهر من العام بلغت 20.2 مليار ليبي.

من ذلك،شهد هذه السنة تفاقم الصراع السياسي و فشل جميع المبادرات لإيجاد حل يخرج بالبلاد من أزمة الحكم مما أثر في وضع الإقتصاد الليبي.

حيث حذرت مجموعة إدارة الأزمات الدولية من مغبة الصراع الليبي الليبي على الجبهة المصرفية والمالية بموازاة حرب العاصمة طرابلس، مؤكداً أن الأزمة تهدد بتفاقم القتال المستعر في طرابلس وإشعال حرب موارد طويلة وتعميق الفجوة بين الشرق والغرب في البلاد، التي ربما تنتهي بتقسيم بلاد.

وقالت "كريزيس غروب" وهي مركز أبحاث دولي مقره بروكسل إن "الأزمة المصرفية المهملة في ليبيا وصلت إلى ذروتها»، موضحة أن «الأمر يتعلق بصراع طويل الأمد سيعيق الجهود الرامية إلى إعادة توحيد النظام المصرفي المنقسم، مما يغذي احتمالات حدوث انهيار مالي وحرب اقتصادية إلى جانب الحرب العسكرية".

ففي أواخر أبريل/نيسان، فرض المصرف المركزي في طرابلس قيودا على إمكانية الوصول إلى أموال المصارف في شرق البلاد، متحدثا عن "تجاوزات" في معاملات المؤسسات المالية المعنية لتبرير التدبير الذي اتخذه.

وأدان البنك المركزي الموازي في الشرق "الإجراءات التعسفية والتوزيع غير العادل" للرواتب معتبرا أنها "حرب جهوية المقصود بها مصارف بنغازي"، كبرى مدن الشرق.

من جانب آخر،تدحرج ترتيب ليبيا إلى المركز الأخير عربيا وما قبل الأخير عالميا من حيث الحرية الاقتصادية وفق تقرير صادر عن معهد فريزر الكندي، وذلك بناء على حجم الإنفاق الحكومي في البلاد وحرية التجارة الدولية.

وحسب المؤشر الذي صدرت نتائجه أخيرا ويقيس الحرية الاقتصادية في 162 دولة حول العالم فإن ليبيا جاءت في المركز 161 تليها فنزويلا وقبلها الجزائر في المرتبة 159 عالميا والسودان 160

ووفق تقرير الحرية الاقتصادية في الدول فإن ليبيا حصلت على هذه المرتبة المتأخرة بسبب مركزها المتأخر في 45 عاملا مختلفا يندرجون تحت مؤشرات فرعية. وحل الاقتصاد الليبي في المرتبة 160 عالميا في معدلات الإنفاق الحكومي والضرائب المفروضة والمشروعات التي تقوم بها.

ووفق تقرير معهد فريزر، فقد أتت ليبيا في المرتبة 140 عالميا على صعيد البيئة القانونية وحقوق الملكية التي تتعلق بالقوانين التي تنظم الاقتصاد واستقرارها، و161 عالميا في حرية التجارة الدولية ومدى وجود ضمانات وتشريعات تنظمها، و146 عالميا في وفرة السيولة وتشريعات الائتمان، و137 عالميا في قوانين الاستثمار في البلاد التي تتعلق بالأعمال وتنظيم رأس المال البشري.

في سياق متصل،بعد سيطرة داعش على شرايين حيويّة في ليبيا، خصوصًا الطرق التجاريّة الأساسيّة، التي تربط التجارة الدولية بين ليبيا ودول مجاورة، تأثرت الصادرات اللّيبيّة بشكل مباشر بسبب الأوضاع الأمنية وانقطاع طرق المواصلات المتنوّعة وتحوّلت التجارة في ليبيا من تجارةٍ شرعيّةٍ يمارسها التّجار اللّيبييون لكسب لقمة العيش والمساهمة في ازدهار البلاد وتطوّرها إلى تجارةٍ غير مشروعة يمارسها العناصر الداعشيين بهدف إضعاف الاقتصاد اللّيبيّ والسيطرة على الساحة الاقتصاديّة من خلال فرض شروط وقوانين جديدة لا تمتّ بصلةٍ للقوانين اللّيبيّة الّتي لا طالما ما سيّرت الاقتصاد اللّيبيّ ونظّمته تحقيقًا لمصلحة البلاد والمواطنين.

ومنذ دخول التّنظيم الإرهابيّ داعش إلى ليبيا، تطورت طرق التهريب عبر الصحراء، فلم تعد تقتصر على الممرات التجارية غير الرسمية للسلع المهربة، بل شملت أيضًا قنوات لتهريب الأسلحة والمخدرات والوقود والسجائر المزيفة، وكذلك تهريب البشر.

ففي المناطق الحدودية، كان تهريب السلع المدعمة، كالوقود والأرز والمواد الغذائية الأخرى، عنصرًا حاسمًا في الحياة الاقتصادية للبلاد.

وأدّى انتشار الأسلحة والجماعات المسلحة إلى تغيير تركيبة قطاع التهريب، ما أجبر مهربين قدامى على الابتعاد مع قدوم عناصر جديدة منتمية إلى التّنظيم الداعشيّ.

ويقول خبراء الاقتصاد إنّ الأوضاع الّتي مرّت بها ليبيا منذ دخول داعش كانت السبب الرّئيس لضرب اقتصاد البلاد الّذي يعاني بطبعه من التهريب والفساد.


ورغم أنّ الآفاق تبدو ضيّقة لحصول انفراجة اقتصاديّة، إلّا أنّ تحرير الجيش لأكثر من منطقة أهمّها بنغازي إضافة إلى عودة الهدوء والحياة إلى طبيعتها في بعض المدن الكبرى هي مؤشرات على نقلة سياسية تعقبها نقلة في بقية المجالات وعلى رأسها المبادلات التجارية.