يعد الشباب المغاربي من أكثر الفئات العمرية عطاء وطموحا، والأقدر على تحقيق الأهداف والبرامج والسير قُدما بجميع خطط التنمية مراحلها ومختلف برامجها، لما يملكونه من حيوية وطاقات هائلة، وقدرة على الإبداع والتفكير والابتكار، أما الذي يتحدث عن الشباب بالدول المغاربية، ويصفها بالضائعة أو الفاقدة الأمل والعمل والنجاح، فهو خاسر بكل المقاييس، والسؤال المهم: هل هناك فعلاً شباب مغاربي ضائع؟ أم إنها عبارة عن تعبير نطرحه لحظة فقداننا لنظم إرشادهم، أو افتقارنا لتحليل طموحاتهم وأمانيهم. فالشباب تكبر بسرعة، ويكبر فيها كل شيء منفلت، فإن لم نتفهمهم بروح إيجابية، ونقدم لهم أدوات النجاح، ونطوّر فيهم الشغف والإرادة والطموح وحب الأوطان، تكن الخسائر كبيرةً، والتباطؤ البنائي ضعيفاً، فإذا استوعبنا فكرة بناء الشباب، وذللنا المعوقات من أمامهم، انكشفت لهم السبل التي تسرّع من حركتهم، ولا ضير في اعترافنا بأننا اعتمدنا طرقاً تقليدية عفا عليها الزمن في استثمار وتوظيف الشباب الخريجين وغيرهم، ما أدى إلى فقداننا كثيراً من عناصر التطور والتقدم، وأظهرنا شبابا من المحرومين من فرص النجاح، بل أسهمنا في إضعاف الكثير من القدرات والطاقات الخلاقة.
 
إنّ الشباب المغاربي، أهم منصات إنتاجية إعلامية لخلق بيئات مواتية تؤهلهم ليكونوا أدوات فاعلة في عملية ارتقاء مجتمعاتنا، أصبح أكثر من ضرورة لإحداث الفارق الإيجابي كي نتجه نحو الأفضل، نظراً إلى ما يحيط بمجتمعاتنا المغاربية من ظروف قاهرة، تحمل أهدافاً رعناء بحق أوطاننا ومواطنينا، لهذا تستدعي الضرورة بناء استراتيجية شاملة للعمل الشبابي المغاربي، انطلاقاً من أن بناء الوطن المغاربي في أحد أبرز مداخله إنما يبدأ من عملية إعداد الشاب المؤهل بشخصيته المتكاملة والمتطورة بانسجام من مختلف الجوانب، المواكب لتطورات العصر والقادر على التفاعل الايجابي والبناء مع تحديات العصر وتحديات التنمية، المساهم بصورة بناءة في قضايا وطنه ومجتمعه... 

وتعد صياغة الأهداف العامة والتفصيلية للاستراتيجية الوطنية للشباب المغاربي، من أكثر الخطوات أهمية لما يترتب عليها من نتائج تمس العمل الاستراتيجي الخاص بالشباب، وعلى قدر ما تأتي الأهداف ملبية لطموحات الشباب المغاربي وحاجاتهم المتنوعة في سياق التغيرات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية السائدة، على قدر ما يأتي تفاعل الشباب المغاربي مع الإجراءات المعتمدة من قبل الهيئات الرسمية إيجاباً، وغالباً ما تشكل الفجوة بين طموحات الشباب والسياسات الشبابية المتبعة في هذه الدولة أو تلك عائقاً كبيراً يحول دون تحقيق مشاركتهم الفعالة في النشاطات التي تقتضيها تلك السياسات، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من ابتعادهم عن آليات اتخاذ القرار في بلدانهم بما في ذلك القرارات التي تخص حياتهم وقضاياهم ومشاكلهم.

وعلى طرف آخر تسهم عمليات التواصل الثقافية والاجتماعية التي باتت متطورة للغاية في العالم المعاصر في تزويد الشباب بطموحات وآراء واتجاهات فكرية واجتماعية وسياسية لا تتوافق بالضرورة مع مصلحة البلدان التي يعيشون فيها، والمجتمعات التي ينتمون إليها، الأمر الذي يجعل الاستجابة لمتطلباتهم بمعزل عن سياقاتها الاجتماعية والسياسية، وبمعزل عن الخصوصيات الثقافية والحضارية التي تميز المجتمعات الإنسانية عن بعضها بعضاً، واحدة من العوامل التي تحول دون تطوير المجتمع المغاربي بالشكل الذي يجعله قادراً على مجابهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها في سياق عمليات تفاعله مع المجتمعات الأخرى، وفي سياق عمليات العولمة واسعة النطاق التي باتت منتشرة في نواحي الحياة المختلفة، وتمس حياة الشباب المغاربي على نحو مثير للجدل. فالأهداف الوطنية لاستراتيجيات الشباب بعامة، وفي المجتمع المغاربي بشكل خاص لابد أن تأخذ بالاعتبار مجموعتين أساسيتين من القضايا التي لا يمكن التوفيق بينها على نحو كلي أو مطلق، وهما:

أولا: حاجات الشباب المغاربي واهتماماتهم وميولهم ورغباتهم وطموحاتهم، وهي غالباً ما تأتي نتاجاً لمجموعة كبيرة من العوامل الاجتماعية والسياسية والثقافية، وتسهم في تكوينها عمليات التواصل التي تزداد انتشاراً في الوقت الراهن، والتي أصبحت مع العولمة منتجات عالمية، فلم تعد حاجات الشباب وتطلعاتهم في بلداننا المغاربية منتجات وطنية بالدرجة الأولى، إنما تستمد قدراً كبيراً من خصائصها من وسائل الاتصال المنتشرة، ومن التيارات الفكرية والأيديولوجية المتنوعة، حتى بات الإحساس بخطورة عمليات التواصل على الهوية الثقافية للمجتمع منتشراً حتى في الدول المتقدمة صناعياً وتجارياً واقتصادياً، وباتت المطالبة بضرورة الحفاظ على الهوية من الاختراق الثقافي واضحة في الكثير من الأدبيات المنتشرة حالياً، ولا يستثنى المجتمع المغاربي من هذه المخاطر، بل يزداد الإحساس هنا بأن المشكلة أكثر خطورة.

ثانيا: حاجات المجتمع المغاربي وطموحاته وطبيعة التحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تحيط به وتهدد مكوناته، فما من دولة في العالم إلا وتنتشر فيها مظاهر القلق من التحديات التي تحيطها، ثقافياً أو اجتماعياً أو سياسياً، وتهدد أمنها والاستقرار الاجتماعي فيها، مما يفرض عليها تنظيم مواردها وتعبئة طاقات أبنائها، بالشكل الذي يضمن لها قدراً من القوة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تستطيع من خلالها مجابهة التحديات المحيطة بها، والمحافظة على أمنها واستقرارها، مع أن طريقة الاستجابة لهذه التحديات والمخاطر تختلف بين الدول والمجتمعات باختلاف طبيعة الأخطار التي تهددها من جهة، وباختلاف حجم هذه الأخطار، وباختلاف مكوناتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وباختلاف طبيعة العلاقة بين مكونات تنظيمها الاجتماعي، الأمر الذي ينفي إمكانية القول بتعميم هذه الاستجابة أو تلك، بحسب اختلاف الخصوصيات الاجتماعية والثقافية والحضارية لكل مجتمع. 

وتكمن مشكلة العلاقة بين المطلبين أن الاستجابة للمطلب الأول، وفق المعايير والقيم التي تروجها ثقافة العولمة وعمليات التواصل في الوقت الراهن يمكن أن تكون سبباً للحيلولة دون تحقيق المطلب الثاني، وفي المقدار ذاته، تشكل الاستجابة للمطلب الثاني وفق المعايير والقيم التي يروجها المعنيون باتخاذ القرار في الدول والمجتمعات المختلفة سبباً للحيلولة دون تحقيق المطلب الأول، ولكن بدرجات تختلف باختلاف الشروط الاقتصادية والاجتماعية والثقافية السائدة في كل منها.

وثمة أسئلة تقفز للأذهان ولابد من الاستئناس بها: كيف بنا ننظر إلى شبابنا المغاربي الذي يعيش بيننا، وإلى الأجيال القادمة؟ وكيف بنا نستعد للخروج من عالم الماضي إلى عالم المعاصرة؟ وكيف بنا نعزز الولاء والانتماء؟ أليس بزراعة فكرة الوطن والمواطنة اللتين إن اتحدتا خلقتا مجتمعاً مغاربيا إيجابيا في السمعة وعزيزاً في الحياة؟ لأن فكرة المواطنة - اجتماعية وسياسية وقانونية - تسهم في تطوير المجتمع الإنساني المغاربي، وترتقي بالدولة المغاربية إلى مصاف العدل والمساواة والإنصاف، وتولد روح الشفافية في الأجيال، ما يزيد الثقة بالدولة والوطن الذي أساسه الشباب، وعماده تمكينهم من الحياة فيه، وهذا لا يعني الابتعاد عن الأجيال المتقدمة، التي تقدم الخبرة والمشورة بحكم تراكم معرفتها، ويقيناً إنّ الاستثمار في الشباب المغاربي والناشئة من أعظم الاستثمارات، وأعظم النجاحات المحققة على صعيد البناء والتنمية، لهذا على الدول المغاربية أن تتجه إلى وضع الخطط والبرامج التي تستند إلى العلمية الممنهجة، التي تتطلع إلى الشباب على أنهم شركاء إستراتيجيون في بناء الأوطان، عبر إشراكهم فعلياً لا وهمياً في عمليات بناء مرافق فكرية ثقافية وسياحية وصناعية وزراعية وتجارية، وتوفير المساحات ضمن المواقع كافة، مع تحقيق المرونة الحيوية التي تساعدهم، وتأخذ بأياديهم القادرة على بناء المستقبل، من خلال الاعتماد على عقولهم وسواعدهم وإبداعهم، وإذا فسحنا المجال لهم من خلال تأمين الفرص وتوجيههم إليها، تصبح رهاناتنا عليهم منطقية وعاقلة.



كاتب صحافي من المغرب.