لا يزال الغموض يلف مصير اتفاق الصخيرات أو الاتفاق السياسي الليبي والذي تم توقيعه تحت رعاية الأمم المتحدة في مدينة الصخيرات المغربية ،بتاريخ 17 ديسمبر 2015 بإشراف المبعوث الأممي مارتن كوبلر لإنهاء الأزمة ،فرغم أن الاتفاق لا زال يحظى بدعم دولي إلا أنه يواجه معارضة قوية من قبل بعض الأطراف المحلية ،بينما يعتبره آخرون مجرد حبر على ورق.

بدأ العمل باتفاق الصخيرات من معظم القوى الموافقة عليه في 6 أبريل 2016 ، أتفاق عوّل عليه الكثيرون من داخل البلاد و خارجها ،لإخراج ليبيا من ازمتها المتفاقمة ،لكن مع مرور السنوات ،أضحى الاتفاق حبر على ورق ،وفق لعدد من مراقبي المشهد الليبي .

وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوات على توقيع الاتفاق إلا أن الخلاف يبقى قائما بين المكونات الليبية، وذلك اعتراضا على تفعيل حكومة الوفاق الوطنى الليبية برئاسة فائز السراج من دون تمريرها عبر قبة مجلس النواب، فضلا عن الاختلاف حول المادة الثامنة التى تعطى السراج صلاحيات واسعة لإجراء تغييرات فى صفوف القيادات العسكرية الليبية.

ظروف توقيع الاتفاق السياسي:

احتضنت مدينة الصخيرات (بضواحي العاصمة المغربية الرباط) ،و على امتداد ثلاثة أيام ( 05 و 06 و 07 مارس / آذار 2015 )،الجولة الرابعة من الحوار الليبي في جلسة وصفت بحوار “الفرصة الأخيرة” و قد اجتمع خلالها الفرقاء السياسيون ولأول مرة معا ،أمر وصفه مبعوث الأمم المتحدة ورئيس بعثتها للدعم في ليبيا برناردينو ليون بأن له “أهمية رمزية كبيرة و قيمة هامة للأمم المتحدة ولتطور هذا الحوار”.

و اختتمت الجولة السبت 07 مارس / آذار 2015 حيث اتفقت الأطراف على العودة للصخيرات من أجل استئناف المشاورات ،فيما ذكرت البعثة أن المناقشات تركزت على الترتيبات الأمنية لإنهاء القتال وتشكيل حكومة وحدة وطنية ،وهو ما ستعود إليه الاطراف المشاركة في الحوار في الجولة القادمة.

و في  13 مارس آذار 2015 ،قرّر مجلس النواب الليبي (البرلمان) ، الجمعة  13 مارس / آذار 2015 ،تعليق مشاركته في جلسات الحوار بالمغرب و أعلنت لجنة الحوار من العاصمة التونسية عدم مشاركتها في جلسة الحوار و التي انطلقت صباحا بمدينة الصخيرات بحضور ممثلي المؤتمر الوطني المنتهية ولاتيه.

و كان أعضاء مجلس النواب المنعقد في مدينة طبرق شرقي ليبيا، قد طلبوا من بعثة الأمم المتحدة، تأجيل جولة الحوار،  لمناقشة مقترح تشكيل حكومة الوفاق الوطني.

وفي أفريل/أبريل 2015 ،انطلقت جولة جديدة من الحوار بين الأطراف الليبية ،بمدينة الصخيرات بالمملكة المغربية ،جولة وصفها المبعوث الأممي الخاص للدعم في ليبيا برناردينو ليون بكونها "جولة حاسمة" ،و أشار في كلمة له عقب إنطلاق الجلسات أن الهدف الأساسي من هذه الجولة الإتفاق مع المشاركين على ما يمكن أن يكون وثيقة نهائية.

هذا و يدخل مجلس النواب الليبي (البرلمان)، هذه الجولة بمسودة حوار أشرفت على إعدادها لجنة مكونة من 19 عضواً، أكد خلالها على أن "شرعية مجلس النواب خط أحمر"،و أن البرلمان وحده يملك حق منح الثقة للحكومة التوافقية المرتقبة ومراقبتها أو إقالتها، وهي من أهم ثوابت الحوار حسب مجلس النواب المنتخب.

ويبدو أن تطورات الحوار لم تلق ترحيبا من المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، الذي أكد أنه أبلغ البعثة الأممية بإمكانية تعليق المشاركة في الحوار، مرجعا ذلك إلى التصعيد العسكري الذي تشهده أطراف العاصمة طرابلس.

وتأكيدا على ذلك، أوضح عضو مجلس النواب أبوبكر بعيرة الذي يشارك في جلسات الحوار بمدينة الصخيرات المغربية، أن وفد الحوار توصل إلى نقاط جيدة أثناء جلسات الحوار السابقة، من أهمها اعتراف المجتمع الدولي بأن البرلمان هو السلطة التشريعية الوحيدة في ليبيا، مشيرا إلى أنه "بمجرد توقيع الاتفاق في نهاية الحوار، لن يكون للمؤتمر الوطني المنتهية ولايته أي أثر على الحياة السياسية في البلاد".

وبالعودة إلى شهر مارس من العام 2015، برز اسم الدبلوماسي الإسباني برناردينيو ليون بكثافة في مرحلة التحضير للحوار الليبي من أجل إبرام اتفاق سياسي بين أطراف ليبية لحل الأزمة السياسية ،حتى الوصول إلى التوقيع على اتفاق مبدئي لحل الأزمة الليبية.

وقد استمرت التحضيرات ومرحلة توقيع الاتفاق بالأحرف الأولى تُراوِح مكانها 9 أشهر، حتى جرى توقيع الاتفاق النهائي في مدينة الصخيرات المغربية بحضور ممثلين عن المؤتمر الوطني العام، ومجلس النواب، لكن من المفاوضات في الساعات واللحظات الأخيرة وقّع عليها مبعوث أممي آخر غير ليون الذي عُيّن بدلاً منه الدبلوماسي الألماني مارتن كوبلر.

ولم تكن مهمة كوبلر سهلة ، إذ تعرض لمواقف صعبة وإخفاقات وصلت إلى حد مطالبة الليبيين بتنحيته كأول مبعوث أممي إلى ليبيا يُجَابَه بدعوات من هذا النوع، فيما اتهم كوبلر في مرات عدة بأنه ينحاز لأطراف في الداخل الليبي دون غيرها، وهو الأمر الذي اضطر الأمم المتحدة لاستبداله بعد أشهر قليلة، إذ حلّ محله السياسي والدبلوماسي اللبناني الدكتور غسان سلامة الذي يعتبر أن الذهاب إلى صناديق الاقتراع هي الوسيلة الوحيدة التي تلغي كل الأجسام السياسية، وينظر إلى الانتخابات على أنها سلاح لا يقتل”، لكنه وفقاً لسلامة فإن “اتفاق الصخيرات” رغم كل علّاته لا يزال صالحاً لـ”الاستخدام السياسي” طالما لا تُوجَد بدائل.

المجلس الرئاسي في مأزق قانوني :

على مدى ثلاث سنوات فشل مجلس النواب الليبي في عقد جلسة رسمية للتصويت على تضمين الاتفاق السياسي للإعلان الدستوري كما تنص على ذلك وثيقة الاتفاق الموقعة في الصخيرات، وذلك لمطالبة النواب بإجراء تعديلات عليها، ومنها حذف المادة الثامنة محل الجدل ،والتي تحيل جميع الصلاحيات السيادية مثل تعيين القائد الأعلى للجيش، إلى المجلس الرئاسي بدل مجلس النواب.

فيما ترفض أطراف أخرى فتح الاتفاق السياسي؛ والمتمثلة في حزب العدالة والبناء (إسلامي)، والجبهة الوطنية (ليبرالي)، والمؤتمر الوطني العام، وأطرف سياسية عديدة، لعدم وجود ضمانات بعدم الإخلال بجوهر الاتفاق، وهو ما يعيد الأمور إلى نقطة الصفر، خشية عسكرة البلاد وضياع الدولة المدنية.

غير أن الفقرة الرابعة من المادة الأولى من الاتفاق السياسي، تنص بشكل صريح على أن مدة ولاية حكومة الوفاق الوطني هي عام واحد، يبدأ من تاريخ نيلها ثقة مجلس نواب طبرق، مع إمكانية تجديد الولاية تلقائيا لعام واحد فقط. وفي جميع الأحوال تنتهي ولاية الحكومة مباشرة فور تشكيل السلطة التنفيذية بموجب الدستور الليبي أو انقضاء المدة المحددة لها أيهما أقرب.

من جانب آخر حملت أطراف داخل المجلس الأعلى للدولة الليبى مجلس النواب مسؤولية فشل هيكلة المجلس الرئاسى بسبب قانون الاستفتاء على الدستور الذى صدر عن مجلس النواب مؤخرا، واتهم أعضاء فى مجلس الدولة الليبى البرلمان بإصدار تشريع معيب يعمق الخلاف بين القوى الليبية.

هذا وتصر بعض الأطراف الليبية على إنهاء مدة المجلس الرئاسي الليبي بانتهاء المهلة القانونية ، في حين تؤكد أطراف أخرى أن شرعية المجلس لن تنتهي بحلول ذلك التاريخ لأن مدة العام التي حددها الاتفاق السياسي تبدأ من تاريخ تضمين ذلك الاتفاق في الإعلان الدستوري.

وتعطي المادة الثامنة للمجلس الرئاسي صلاحيات تعيين وإقالة كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين، وهو ما اعتبرته أطراف في شرق ليبيا أنه يستهدف عزل المشير خليفة حفتر من قيادة الجيش، لذلك طالبت بتعديل المادة، التي اعتبرها عدة مراقبين السبب الرئيسي في عرقلة اعتماد البرلمان في طبرق لحكومة الوفاق.

مطالب بتغيير المجلس الرئاسي:

في 30 أغسطس 2018، طالب نحو 80 نائبًا بمجلس النواب الليبيبتغيير المجلس الرئاسي لحكومة “الوفاق الوطني”، وتشكيل آخر مكون من رئيس ونائبين، وقال النواب، في بيان لهم إن “المجلس الرئاسي بوضعه الحالي لم يعد يمثل في نظرنا مفهوم التوافق الوطني المنصوص عليه بالاتفاق السياسي”.

وأعلن النواب الذين أطلقوا على أنفسهم اسم “مجموعة داعمي الاتفاق السياسي”، الشروع في “إعادة هيكلة السلطة التنفيذية بحيث تصبح مكونة من مجلس رئاسي برئيس ونائبين ورئيس حكومة يعمل على تشكيل حكومة وحدة وطنية جديدة تنال الثقة من قبل مجلس النواب”.

وعزا النواب مطالبهم إلى “استمرار حالة الانقسام السياسي والمؤسساتي بالبلاد وعدم مقدرة المجلس الرئاسي على إنهائها وإخفاقه في تنفيذ الاستحقاقات المنصوص عليها في الاتفاق السياسي وعلى رأسها الترتيبات الأمنية”. وأكد البيان “عدم قدرة المجلس الرئاسي على بسط سلطة الدولة على المنافذ كافة والسجون وإجراء المصالحة الوطنية ومحاربة الفساد وتحسين الوضع المعيشي للمواطن رغم ما حظي به من دعم محلي ودولي”.

ورفض النواب “حل الخلافات بين الليبيين بالاحتكام إلى السلاح وتعريض حياة المدنيين للخطر والبلاد لمزيد من الدمار، وأنه لا حل للأزمة الليبية إلا عبر الحوار”، داعين الأطراف كافة ذات العلاقة “لإعلاء الروح الوطنية وتغليب المصلحة العامة”.

وشددوا على ضرورة أن تقوم “البعثة الأممية بدعم هذه الخطوة وذلك بدعوة مجلسي النواب والدولة للعودة للحوار في أسرع وقت”.

من جانبهم، أصدر أعضاء آخرون في مجلس النواب، أطلقوا على أنفسهم اسم الرافضون للمجلس الرئاسي وحكومة الوفاق”، أعربوا فيه عن دعمهم لبيان النواب الداعمين للاتفاق السياسي، وقال النواب “الرافضون” في بيانهم: “نثمن الموقف الوطني لزملائنا النواب والذي نرى فيه فرصة لمجلس النواب لتجاوز خلافاته وتوحيد موقفه إزاء العملية السياسية

لا أحد يثق في حكومة الوفاق

بعد مرور أعوام على توقيع الاتفاق السياسي لا يرى الليبيون أي جديد، بل إن الوضع قد تأزم وتفاقم، فمنذ دخول المجلس الرئاسي العاصمة الليبية ،واتخاذه من قاعدة أبوستة البحرية مقرا له، ارتفعت وتيرة عمليات الاختطاف والاغتيالات بشكل عام في طرابلس، كما تراجعت قيمة الدينار مقابل الدولار الأميركي ،حيث بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الدينار الليبي 4.76 دينارا للشراء مقابل 4.78 دينارا للبيع.

كما شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعا كبيرا ،في حين تواجه المصارف الليبية في أغلب المدن ازدحاما شديدا بسبب نقص السيولة فيها، ومن جهة أخرى، فقد نص الاتفاق السياسي على ضرورة انسحاب التشكيلات المسلحة من المدن الليبية بعد 30 يوما من توقيع الأطراف المختلفة، إلا أن ذلك لم يحدث، بل أقدم المجلس الرئاسي على خطوة خطيرة، إذ طلب من بعض هذه الميليشيات المسلحة حمايته مما أثار غضب الشارع الليبي، وقد وأكد هذا الموقف ضعف المجلس الرئاسي وفشله في خلق أي توافق حقيقي على الأرض.

ومع فشل المجلس الرئاسي في إيجاد حلول للأزمات التي تواجه الليبيين ورفض الشارع الليبي له، يصر المجتمع الدولي على دعمه والدفع به باعتبار أنه الحل الوحيد في ليبيا.

وقد أحدث اتفاق الصخيرات مواقف متباينة داخل وخارج ليبيا خلال السنوات الثلاث الماضية، وسط تساؤلات ما إذا كان هذا الاتفاق الذي لم يسع كثيرون إلى اعتباره حلا سياسيا ،أم أنه قد أضاف للانقسام القديم انقسامات جديدة، لكن يُلاحَظ أن معظم المُتصارعين في ليبيا يتعاملون مع هذا الاتفاق ،على أنه القابل للتطبيق لكن العقبة الأبرز أمام هذا الاتفاق تكمن في أنه جرى النظر إليه من زاوية المصالح الضيقة و الشخصية ،وليس ما إذا كان قادرا على انتشال ليبيا من ورطتها على مستويات عدة.