بضفائرها الشقراء، استيقظت ألكسندرا نجار في ذلك الصباح تغمرها الإثارة لأنها ستلتقي رفاقها الأطفال على لعب وغداء في منزلها.

وقد حققت ألكسندرا حلمها، وودعت الأطفال عند السادسة مساء لتواجه بعد ثماني دقائق انفجارا خطف طفولتها وأرواح أكثر من مئتي ضحية في أحد أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ.

ويروي بول وترايسي نجار والدا ألكسندرا اللحظات الاخيرة من يوم أسود عاشته العائلة في فيلم وثائقي عُرض على الإنترنت وتمت مناقشته في ندوة أقيمت مساء الأحد على هامش مهرجان بيروت للأفلام الوثائقية الفنية.

ولم تكن ألكسندرا قد تجاوزت الرابعة من عمرها حين دفن والدها أشلاءها معتبرا أنها "ضحية هؤلاء السياسيين"، وهي التي اعتادت أن تعتلي كتفيه وتجول شوارع بيروت في تظاهرات احتجاجية ضد السلطة بسبب الأزمة الاقتصادية التي بدأت عام 2019. ومنحها نشطاء لقب "فراشة الثورة".

ويحيي لبنان يوم الخميس الذكرى السنوية الثانية لانفجار المرفأ الذي أودى بحياة 215 شخصا على الأقل وأصاب الآلاف وألحق الضرر بأجزاء واسعة من العاصمة إلا أن تحقيقا قضائيا لم يحاسب أي مسؤول كبير.

ومع تجميد التحقيقات لعدة أشهر، يرى العديد من اللبنانيين أن هذا مثال على الإفلات من العقاب الذي تتمتع به الطبقة الحاكمة التي تجنبت منذ فترة طويلة المساءلة عن الفساد وسوء الإدارة بما في ذلك السياسات التي أدت إلى الانهيار المالي الذي أفقد العملة المحلية أكثر من 90 بالمئة من قيمتها.

ويوثق الفيلم حكايات مؤثرة لشخصيات عاشت تفاصيل الرابع من أغسطس آب 2020 وجميعهم يسأل ما إذا كانت العدالة ستتحقق يوما ما.

وعلى مدى 82 دقيقة، يستعرض الفيلم، الذي يحمل اسم (العنبر رقم 12)، الرواية الأولى للانفجار وما سبقها وتلاها من أحداث تركت آثارها السلبية على الضحايا الأحياء.

ويستعيد مصور الحرب روجيه مكرزل لحظات قاسية لم ير مثيلا لها في التغطية الصحفية التي كان يقوم بها على مستوى المنطقة والعالم.

ويقول مكرزل "لقد قمت بتغطية أحداث قاسية ودموية في كل من سوريا والعراق وإيران والأردن وغيرها من الصراعات الكبيرة في المنطقة، لكن عندما وقع الانفجار لم أفهم طبيعته واعتقدت أنها هزة أرضية.

"عادة في الحروب لدينا معارك مع أطراف أخرى أو سيارات مفخخة لكن ما حصل كان مختلفا ومغايرا لكل ما غطيناه، لقد كان (مثل) فيلم من الخيال العلمي".

وكان فوج الإطفاء في بيروت أول من تدخل في محاولة للسيطرة على الحريق. ويشرح ميشال المر من فريق فوج الإطفاء لحظة تلقيه اتصالا من القوى الأمنية يبلغه عن "حادث عالمرفأ وفي دخان كتير".

وتحركت الفرقة السابعة في الفوج على الفور، وكان من بين المجموعة المسعفة الشابة سحر فارس.

واعتاد جليبر قرعان، خطيب سحر، التواصل هاتفيا معها عندما تكون في مهمات صعبة، ويتذكر أنه اتصل بها في الساعة السادسة وسبع دقائق، أي قبل دقيقة واحدة من وقوع الانفجار.

ويقول قرعان "فتحت فيديو، ما كانت عم تتطلع (تنظر) فيني كانت عم تتطلع بالسما، احكيها احكيها ما ترد، وآخر شيء أنا صرخت، سحر رد عليي، وإذا في شيء اركضي.. ثواني ووقع الانفجار".

وعالج مستشفى الروم الواقع في منطقة الأشرفية مئات الجرحى لكنه تضرر بشكل كبير لقربه من مكان الانفجار.

ويتذكر اللبنانيون كيف أنقذت الممرضة باميلا زيتون ثلاثة من حديثي الولادة وحملتهم بين يديها وهرعت بهم إلى مستشفى آخر للعلاج. وتقول باميلا "كان كل رضيع منهم لا يتجاوز وزنه الكيلوجرام ونصف... لقد استطعت إنقاذهم".

واحتوى الفيلم كذلك على العديد من الشهادات لمتضررين وأقارب ضحايا ورجال أعمال ونشطاء وصحفيين وأصحاب مقاه في المنطقة ممن عايشوا الانفجار، ويتساءل بعضهم ما إذا كانت نتائج التحقيق بعد عامين من الحادث ستصل إلى نهايتها.