رغم تحرير العديد من المدن الليبية،من العصابات المسلحة والعناصر الإرهابية،فإنها مازالت مسرحا لسقوط الضحايا من أبناء ليبيا.ويعتبر الإنتشار الكبير للسلاح أحد أكثر أسباب تردي الأوضاع الأمنية في هذا البلد الممزق والذى عجزت الحكومات المتعاقبة عن جمعه وحل هذه المعضلة التى مثلت مصدر خطر على حياة المدنيين طيلة السنوات الماضية.

ولم يقتصر استخدام الأسلحة النارية الثّقيلة والمتوسطة في ليبيا على المعارك والنزاعات خلال الثمانية أعوام الماضية،بل أصبح البعض يستخدمها في عديد من المناسبات الاجتماعية،كتعبير على الفرح والسعادة، ولكن غالباً ما تكون النتيجة مزيداً من الضحايا بين الليبيين،وتنقلب الفرحة الى توتر وفزع .

ولا يزال الرصاص العشوائي يسقط المزيد من الضحايا في البلاد، بالرغم من التحذيرات من الجهات المختصة والحملات التوعوية من قبل المؤسسات المدنية.وآخر هذه المآسي شهدتها منطقة السلماني في بنغازي،شرق ليبيا، الثلاثاء 12 مارس 2019، عندما أطلق أحد المحتفلين طلقة "آر بي جي" بشكل عشوائي تسببت في وقوع جرحي مدنيين.

وفي تفاصيل الحادث كما رواه المواطن محمد بوشقمة،وهو من سكان المدينة على حسابه عبر "تويتر" أنّه أثناء مرور موكب أفراح أطلق أحد الأفراد مقذوف"آر. بي. جي" في الهواء فسقط على شارع البث في منطقة السلماني مما أدّى إلى إصابة 5 مواطنين بجروح متفاوتة الخطورة.

ونقلت وكالة الأنباء الليبية عن مصادر أمنية،الأربعاء، أنّ قذيفتين سقطتا على بعض المواطنين في شارع البث أثناء مرور الموكب، وأن "التحقيقات لا تزال جارية بشأن الواقعة المؤسفة"،وقال مصدر بمديرية أمن بنغازي للوكالة إن القذيفتان يرجح أن تكونا إما "آر بي جي" أو "إس بي جي" مبينا أنهما قد تكونا أطلقتا بأحد الأفراح بالمنطقة المحيطة.

وأعلنت مستشفى الجلاء للجراحة والحوادث بنغازي أنها استقبلت أمس الثلاثاء 6 جرحى جراء سقوط قذيفتين بمنطقة السلماني الشرقي موضحة أن حالتهم الصحية مُستقرة.ونشرت المستشفى عبر صفحتها بموقع "فيسبوك" وهم أحمد صلاح إبراهيم، عبدالله عادل العمامي، فوزي ميلاد مصطفي، كمال رجب بن عامر، علي محمد المناع، جمال محمد المناع.

وشهدت مدينة بنغازي خلال الفترة الأخير جرائم جنائية وعمليات سطو مسلح، خاصة في أحياء شرق بنغازي، بينها الاعتداء على العمالة الوافدة، واقتحام المحال التجارية بقوة السلاح من قبل الخارجين عن القانون، في ظل وجود الأسلحة في كل مكان وسهولة الحصول عليها.

وكان رئيس الخطة الأمنية رقم 4 لتأمين مدينة بنغازي العقيد خالد البسطه،قال، لوكالة "سبوتنيك" بوقت سابق، إن مجلس الوزراء للحكومة الليبية المؤقتة "قرر تمديد عمل الخطة الأمنية لتأمين بنغازي لفترة أطول، حيث كان من المقرر انتهاء عملها يوم 19 مارس/ آذار".وأشار البسطة إلى أن خطة تأمين مدينة بنغازي جاء ضمن حزمة من الإجراءات الأمنية التي اتخذتها وزارة الداخلية الليبية بسبب تردي الأوضاع الأمنية وارتفاع مؤشر الجريمة بمدينة بنغازي.

وليست هذه المرة الوحيدة التي يُطلق فيها قذائف في مناسبات اجتماعية، بل سبقتها عدة مرات استخدم فيها المحتفلون أسلحة متنوعة.وقد تحولت العديد من أفراح الليبيين إلى أحزان،على غرار ما حصل مع الشابة فاطمة التاجوري، التي أصابتها رصاصة طائشة داخل سيارة عائلتها، في فبراير 2018، قبل خمسة أيام فقط من مراسم زفافها.ما أدى إلى موجة حزن عارمة في أوساط الليبيين.

ويطلق المواطنون في مناسباتهم الاجتماعية الرصاص عشوائيا للتعبير عن سعادتهم بحدث ما أو عن حزنهم على أمر ما، بينما قد تصيب لا محالة تلك الرصاصات التي صعدت إلى السماء أو تسقط على رؤوس ضحايا لا ذنب لهم إلا أنهم يسكنون تلك المدينة.وما يسري في بنغازي هو ذاته الذي يسري في جميع المدن الليبية التي ينتشر فيها السلاح بشكل واسع، حيث أصبحت تلك الظاهرة "ثقافة قاتلة" تجتاح البلاد، وتحوّل الأفراح إلى أتراح.

ولا تقتصر هذه الظاهرة على مدينة دون سواها، في ظل انتشار واسع للأسلحة في يد المواطنين،وفي هذا السياق،أكد سليمان الرزيقي من سكان مدينة سبها جنوب البلاد، أنّ منطقتهم تشهد مثل هذه الظاهرة في مناسبات اجتماعية عدة.

ونقلت صحيفة "الشرق الأوسط"،عن الرزيقي،قوله "نعم هناك من يستخدم الأسلحة الثقيلة في الأفراح... أولادنا يفزعون عند سماع دوي قاذفات الـ(آر. بي. جي) ومدافع (14.5)".وأرجع الرزيقي، وهو محامٍ، تفشي هذه الظّاهرة إلى انتشار مثل هذه الأسلحة في ليبيا، وخاصة في حوزة المواطنين، مما يخلّف كوارث أحياناً، وينشر مزيداً من الخوف.

ولأنّ الأمر يثير غضباً شعبياً، عمد ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي في أكثرمن مناسبة إلى إطلاق حملات تندد بظاهرة انتشار السلاح في ليبيا، وتنامي حوادث إطلاق الرصاص العشوائي داخل الأحياء السكنية.ويعبّر الكثيرون عن مطالبهم بحماية أبسط حقوق المواطن وهو الحقّ في العيش والتنقل بسلام.

وباءت محاولات السلطات التي تولت مقاليد الأمور منذ العام 2011،لتجميع الأسلحة بفشل ذريع حيث ظل المواطنون عموما ومقاتلو الجماعات المسلحة والمليشيات يرفضون تسليم أسلحتهم.وساهم استمرار العنف في ليبيا وانجرار البلاد أكثر فأكثر نحو عدم الاستقرار، في تنامي ظاهرة انتشار الأسلحة التي تتدفق على الجماعات المسلحة والأفراد رغم الحظر المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي.

يذكر أنه في مارس/آذار 2011، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1970، وطلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار".ورغم هذا الحظر فإن ليبيا مازالت تشهد تدفقا للأسلحة المتجهة للجماعات المسلحة،خاصة في ظل الكشف عن سفن السلاح القادمة من تركيا بين حين وآخر.

وآخر الحوادث تعود إلى أسابيع سابقة حين تم ضبط شحنات أسلحة قدمت من تركيا وأخرى ضبطتها السلطات اليونانية، وخرجت من دولة تركيا حيث كانت متجهة للمليشيات الموالية لها.ولم تكن حادثة السفينة التركية باليونان هي الأولى، حيث تعددت عمليات ضبط السفن التي تنقل أسلحة من تركيا إلى ليبيا، وتضم أسلحة تغذي الصراع في البلاد.

وفي التقرير السنوي للجنة العقوبات الدولية الخاصة بليبيا، ذكرت تورط عدة دول في إغراق البلاد بالسلاح، وبصورة متكررة ما يخرق نظام العقوبات الدولية المفروضة من خلال تجاوز حظر التسليح المفروض عليها.وأعرب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق فائز السراج،الاثنين الماضي، عن استيائه من استمرار توريد الأسلحة إلى أطراف النزاع في ليبيا، منتقدًا التدخلات السلبية لبعض الدول.

ويمثل انتشار السلاح أحد أهم التحديات التي تواجه المساعي الداخلية والدولية لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية.حيث تشكل هذه الظاهرة خطراً كبيراً علي الحياة المدنية فى ظل الإشتباكات المتكررة بين الجماعات المسلحة،وإنتشار العناصر الإرهابية،علاوة على الاستعمال الخاطئ للسلاح، وما يصاحب ذلك من إزهاق لأرواح الأبرياء، وإصابات عشوائية في صفوف المدنيين.ويرى مراقبون أن انتشار الأسلحة يظل مشكلة جدية لا يجوز إهمالها في جهود بناء سلام دائم في ليبيا.