في هذا الحوار تسلط بوابة افريقيا الاخبارية الضوء على  المركز الليبي للدراسات الثقافية، وهو مشروع أسسه الشاعر صالح قادر بوه كمؤسسة غير حكومية ولا ربحية، تهتم بالحضارة والثقافة والفكر والنتاجات الإبداعية في ليبيا، ويهدف لحفظها ودرسها وإشهارها، كما يعرف المركز بغايته، وقد عقد المركز عددا من الندوات التي تناولت قضايا الأدب والنقد ، وبمشاركة وحضور لعدد من الادباء والمثقفين والمهتمين، الا ان الفعاليات التي بدأت بشيء من الحماسة توقفت، وهو ما يجعلنا نحمل الاسئلة الى المؤسس الشاعر صالح قادر بوه، ليس فقط للحديث عن فعاليات المركز، بل للحديث ايضا عن  القضايا المتعلقة بواقع العمل الثقافي في ليبيا خاصة في الواقع الراهن.

حدثنا عن المركز منذ نشوء الفكرة وحتى تكونها واقعا؟

هو مشروع حملته في أوراقي منذ 2009 وكان يستهدف بناء مؤسسة جادة لا تتبع الإملاءات ولا الهوى الشخصي ولا ثقافة الشلة الواحدة؛ لدراسة الإرث الثقافي الليبي وتبويبه وترجمته وتصديره والنقاش الواسع حول ملفاته. كانت المؤسسات الرسمية تهتم بالكمّ والجانب الاحتفالي وتعج بالإملاءات وفكر اللوبي والمصلحة الضيقة للشخص وللمجموعة الموالية له، ولكنني تمسكت بالحلم وعرضته على الحكومات المتعاقبة والمؤسسات الرسمية منذ ذلك الوقت بل والمثقفين والكتاب والأكاديميين لكن المحصلة كانت إما التجاهل أو الاستخفاف أو عدم الاكتراث أو النظر بشك لغاياته. أسسنا المشروع قانونيا عام 2015 في مدينة بنغازي ومعي مجموعة من النشطين الثقافيين وحاولنا تفعيله عام 2018 لكن الظروف كانت تصدنا، حتى سخر الله انطلاقه الفعلي المتأني عام 2021 ببرنامج أنشطة خلال عام كامل، وهناك ملفات حيوية كبرى للمشروع لم نتمكن من إنجازها للعقبات العملية والمالية وظروف البلاد الاستثنائية.

ما الذي يطمح المركز لتقديمه للواقع الثقافي الليبي؟

رؤية المركز وأهدافه وبرامجه توضح أنه يحاول إعادة الاعتبار للبحث الجاد في إرث ليبيا الحضاري والثقافي، لتجد الأجيال الجديدة أساسا واضحا تبني عليه مسيرة الدراسة والعمل في الحقل الثقافي. كما نتغيا اكتشاف وتأهيل باحثين وفاعلين ثقافيين جدد للاضطلاع بمهمة التنوير المنطلقة من المدونة الثقافية الليبية وتجلياتها الجمالية، وهو مشروع سيحقق إعادة الحيوية للبحث في تاريخ البلاد وحضارتها وتراثها المادي وغير المادي، ويفتح المجال للاجتهادات من الباحثين في مجالات المعرفة جميعها؛ خاصة في جانبها الاجتماعي، واقتراح مناهج جديدة في دراسة المتن الليبي وتنويعاته.

بدأ المركز العام الماضي نشيطا ومتفاعلا ومتناولا لقضايا دقيقة ومهمة، ثم لم نشهد هذا العام أي نشاط للمركز الليبي للدراسات الثقافية بينما قرأنا لك منشورات استياء من واقع المؤسسات الثقافية فهل ثمة بين والغياب والاستياء رابط تكشفه لنا؟

كان من ركائز نجاح مشروع برنامج 2021 مبادرة الأديب الراحل يوسف الشريف بأن خصص لنا مقرا نناقش فيه ونضع فيه البرنامج وننطلق منه ونستقبل الباحثين والمثقفين، لكن بعد وفاته خرجنا من المقر ونحن الآن بدون مكان يحتضن المركز. كذلك كانت مصادر التمويل الاشتراكات وبعض الدعم من كتاب آمنوا بالفكرة وبالنشاط، ولأننا لا نريد أن يكون مشروعا محصورا في لقاءات ثقافية بل نرغب بتفعيل الملفات الرئيسية التي هي شرايين المشروع من ملفات التوثيق والترجمة والاستقصاء والاستكشاف ودعم الباحثين كان لزاما توفر عنصرين لم يتوفرا وهما المكان القار والتمويل المناسب.

لماذا لم ينشأ تواصل وتعاون بين المركز والمؤسسات الثقافية الاخرى خاصة الحكومية؟

منذ فكرة المشروع الأولى وتكونه في 2015 بل وقبل ذلك تواصلنا مع أهم الجهات الحكومية ورجال أعمال وسواهم لإمكانية رعاية ملفات المركز لكن النتيجة هي إما وعود لم ينتج عنها شيء أو حجج ربما تكون واقعية بضعف ميزانية هذه الجهات أو عدم وجود بنود لرعاية المؤسسات الثقافية غير الحكومية، كما أن ظروف الاحتراب المتواصل سببت عدم وجود مثل هذا المشروع في الأولويات لهذه الجهات وسواها.

بصراحة تشبه ما ذكرته على صفحتك بموقع الفيسبوك كيف ترى الواقع الثقافي الليبي اليوم؟

الواقع الثقافي على صعيد العمل يفتقر افتقارا حادا إلى الاستراتيجية والأهداف الواضحة والاستمرارية التي تنجز الصيرورة اللازمة لتحقق النتائج؛ فالمؤسسات الثقافية الحكومية والجمعيات الثقافية تقدم الأنشطة المتفرقة -وأحيانا غير المتجانسة- مما يربك المتلقي الذي لا يتلمس رؤية واضحة ومتواصلة تحقق غايات معرفية محددة تسهم في الخروج من دائرة إقامة الملتقيات إلى البرامج المخطط لها بعناية. أما على صعيد الأفراد فمازال الكتاب يكتبون والفنانون ينتجون فنونهم لكن مع تأخر قاطرة النقد والمتابعة والنقاش الخاصة بتناول المنجزات الإبداعية بتنوعها.

 سؤال يوجه إليك انت ابن جيل التسعينات، هل أدباء ومبدعو هذا الجيل مظلومون؟

ليس تماما؛ فحالة الارتباك في المشهد الثقافي هي عامة لا تخص جيلا بعينه، لكن أبناء هذا الجيل الذين برزوا برؤية ضخ الهواء في جسد العمل الثقافي والمتن الثقافي وكانوا في معظمهم يعملون بإخلاص وجد كانت هناك عقبات كثيرة تواجههم؛ خاصة من اللوبيات الثقافية ومروجي وهم قطيعة الأجيال هيمنة أو تهميشا وكذلك من المؤسسات التي كانت تنظر إليهم بوصفهم إما خارجين عن دائرة الاتباع أو منافسين دون الاستفادة الحقيقية من عزيمتهم ومثابرتهم، ودون اهتمام بوضعهم في مكانهم من الإرث الثقافي وإنجازاته الإبداعية الجديدة. حاول هذا الجيل أن لا يكون خاضعا إلا للقيم الثقافية فنجح مرات وأخفق مرات، لكنه مازال يعمل ويحلم ويحاول إنعاش المشهد انطلاقا من تقدير ليبيا واحترام المنجز الثقافي الوطني وإشهاره.

 ما الحافز أو الدافع الذي ينعش الوضع الثقافي؟

الاستراتيجية الواضحة القابلة للعمل والمتقصدة تحقيق النتائج، وكذلك البنية الثقافية والنظر إلى الثقافة بصفتها الملف الأهم الذي تحتاجه البلاد لعلاج مشكلات الجهل والعنف والكراهية والتشتت، مع ضرورة وجود ميزانيات تذهب حقا لرعاية المنجزات الثقافية المنبنية على خطط وأفكار وجهود لها أثر على الأرض ولها رؤيتها الواضحة بخصوص الحاضر والمستقبل.