ساد هدوء نسبي العاصمة الليبية طرابلس بعد الاشتباكات العنيفة التي وقعت بين المجموعات المسلحة المتناحرة وخلفت اثنين وثلاثين قتيلاً على الأقل وأكثر من مائة وخمسين جريحاً.
وعادت شوارع المدينة إلى الازدحام بحركة المرور والمحلات إلى فتح أبوابها وانشغل الناس بإزالة الزجاج المتكسر وآثار الدمار الذي تسبب به القتال الذي دار السبت.
وظهر رئيس حكومة الوحدة الوطنية الذي يتخذ من طرابلس مقراً له، عبد الحميد الدبيبة، في مقطع فيديو بُث في وقت متأخر من ليلة الجمعة، ليشيد بالمسلحين الذين قاتلوا إلى جانبه.
وقال الدبيبة إن خصمه، فتحي باشاغا، رئيس الحكومة المكلف من جانب البرلمان، هو المسؤول عن العنف، الذي يُعد الأسوأ الذي شهدته طرابلس منذ عامين.
وكان القتال قد اندلع في ساعة مبكرة من صباح السبت، داخل العاصمة الليبية التي يتخذها الدبيبة مقرا لحكومة الوحدة الوطنية.
وقال شهود عيان إن قوات متحالفة مع باشاغا حاولت انتزاع السيطرة على أراض في طرابلس من عدة اتجاهات يوم السبت، لكن قافلته العسكرية الرئيسية عادت باتجاه مصراتة قبل أن تصل إلى العاصمة.
وتفجر القتال ليلا ثم ازدادت حدته صباح يوم السبت مع نشر أسلحة خفيفة ومدافع آلية ثقيلة ومدافع المورتر في مناطق مختلفة من وسط المدينة. وتصاعدت أعمدة من الدخان الأسود في سماء طرابلس وتردد دوي إطلاق نار وانفجارات.
وبحلول فترة ما بعد الظهيرة، بدا أن القوات المتحالفة مع باشاغا تتحرك نحو طرابلس من ثلاثة اتجاهات. وفي جنزور، الواقعة شمال غرب طرابلس وتعتبر نقطة دخول رئيسية لبعض القوات المتحالفة مع باشاغا، أفاد السكان المحليون بوقوع اشتباكات عنيفة.
وفي جنوب طرابلس، قال شهود في حي أبو سليم إن هناك إطلاق نار كثيفا وذلك بعد مقطع مصور انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي، لم تتمكن رويترز من التحقق منه، يُظهر على ما يبدو قوات قائد قوي متحالف مع باشاغا تشن هجوما هناك.
في غضون ذلك، قال شاهد إن رتلا رئيسيا تابعا لباشاغا يضم أكثر من 300 مركبة انطلق نحو طرابلس من الشمال الشرقي على الطريق الساحلي. لكن شهودا قالوا إنه عاد إلى قاعدته في مصراتة.
هذا الصّراع خلّف ردود فعل دولية واسعة،حيث دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، الأحد، إلى وقف فوري للعنف في طرابلس.
وطالب غوتيريس الأطراف الليبية بالدخول في حوار حقيقي لمعالجة المأزق السياسي المستمر وعدم استخدام القوة لحل خلافاتهم، وفق بيان صادر عن ستيفان دوغاريك، الناطق باسم الأمين العام نشره الموقع الإلكتروني للأمم المتحدة.
وعبر البيان عن قلق بالغ للأمين العام من التقارير التي تتحدث عن اشتباكات عنيفة في طرابلس تسببت في سقوط ضحايا من المدنيين وتدمير البنية التحتية المدنية، داعياً الأطراف إلى حماية المدنيين والامتناع عن القيام بأي أعمال من شأنها تصعيد التوترات وتعميق الانقسامات.
ودانت الولايات المتحدة تصاعد العنف الذي شهدته طرابلس، السبت، ودعت إلى وقف فوري لإطلاق النار وإلى محادثات تيسرها الأمم المتحدة بين الأطراف المتصارعة.
جاء ذلك في بيان لسفير الولايات المتحدة ومبعوثها إلى ليبيا، ريتشارد نورلاند، أكد ضرورة إنشاء ممرات إنسانية لإجلاء الضحايا والمدنيين المحاصرين في تقاطع النيران وحض على ضرورة وقف تصعيد المواجهة في طرابلس.
وقال السفير الأمريكي: "لقد استمر الجمود السياسي لفترة طويلة جداً، وقبل أن تزداد الأمور سوءاً، من الضروري وقف تصعيد المواجهة في طرابلس، وتقريب وجهات النظر بين مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة حول قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات، وتحديد موعد مبكر لها"،وقال المبعوث الإيطالي إلى ليبيا نيكولا أورلاندو، إن بلاده تدعو جميع الأطراف الليبية إلى وضع مصلحة الشعب قبل مصالحهم الخاصة والموافقة على وجه السرعة على المتطلبات القانونية والعملية لإجراء الإنتخابات الوطنية في أقرب وقت ممكن.
كما دعا أولارندو إلى الوقف الفوري للتصعيد وإلى حماية المدنيين في الاشتباكات الجارية بالعاصمة طرابلس، مضيفاً أنه يجب على جميع الجماعات المسلحة المشاركة وقف الأعمال العدائية على الفور والعودة إلى مواقعها الأولية، حسبما نشر على حسابه في موقع تويتر.
وشددت الإمارات على موقفها الداعي إلى حل الصراع في ليبيا، ودعمها الكامل لما يحفظ أمن واستقرار ووحدة ليبيا، وفق مخرجات خارطة الطريق، وقرارات مجلس الأمن، واتفاقية وقف إطلاق النار، لضمان نجاح الانتخابات وتطلعات الشعب الليبي نحو التنمية والاستقرار والازدهار.
فيما قالت وزارة الخارجية التركية إن الحفاظ على الهدوء على الأرض أمر بالغ الأهمية لأمن ليبيا واستقرارها ومستقبلها، داعية جميع الأطراف إلى ضبط النفس ووقف النزاع على الفور.
ونبهت إلى متابعتها بـقلق بالغ الاشتباكات في طرابلس، ورأت الوزارة التركية في بيان، أن من الضروري لاستقرار ليبيا وازدهارها وأمنها إجراء انتخابات نزيهة وحرة على مستوى البلاد في أقرب وقت، وحضت على ضرورة الانتهاء بسرعة من الإطار القانوني للانتخابات بتيسير من الأمم المتحدة.
إلى ذلك،يرى مراقبون أن الأزمة الليبية تشهد فتورًا في الإهتمام على الصعيد الدولي إذ يُرجع البعض هذ الفتور إلى الحرب الأوكرانية التي دفعت بالأزمة الليبية إلى مستوى منخفض في الاهتمام الأوروبي والأمريكي خاصة مع وجود ملفات أخرى مهمة مثل أزمة الاتفاق النووي الإيراني وأزمة الطاقة والاضطرابات الاقتصادية العالمية ما جعل الأزمة الليبية لم تعد من الأولويات.
فحالة الإنسداد التي تعيشها البلاد منذ سنوات طويلة جعلت من الخيارات ضيقة جدّا حيث أصبح الاتجاه نحو الانتخابات هو المخرج الوحيد من مأزق المواجهات المسلحة قد تتجدد مرة أخرى بين أطراف جديدة قد تتحالف من أجل الوصول إلى السلطة.