لا يخفى انخراط تركيا في الأزمة الليبية منذ اندلاعها ومحاولاتها المستمرة لاطالة أمدها، حيث تسعى انقرة إلى تكريس حالة الفوضى، وإنتاج المزيد من عدم الاستقرار في المشهد الليبي وذلك من خلال دعم الجماعات الموالية لها بهدف مد أذرعها والسيطرة على البلاد خدمة لمصالحها وأطماعها في هذا البلد الغني. 

هذا الدور التركي المشبوه في ليبيا كشف عنه ضبط السلطات الليبية في عدة مناسبات لشحنات أسلحة قادمة من تركيا. وآخر هذه العمليات جاء مع ضبط سلطات الجمارك الليبية، الثلاثاء الماضي، لمدرعات قتالية وسيارات رباعية الدفع قادمة من تركيا، إلى جماعة مسلحة مجهولة، في ميناء الخُمس البحري غرب البلاد. 

وقالت الجمارك الليبية إن الشحنة تتكون من 9 سيارات هجومية مصفحة من نوع " تيوتا سيراليون " مع مدرعات قتالية تركية الصنع، وصلت الثلاثاء إلى ميناء الخمس، قادمة من أحد الموانئ التركية بدون أي مستندات أو جهة تسليم شرعية فى ليبيا كوزارة الدفاع أو الداخلية، وهو ما يعني أنها كانت موجهة إلى إحدى الميليشيات المسلحة. 

وجاء ضبط الشحنة بعد يوم واحد على إحباط أعضاء حرس جمارك مطار بنينا الدولي، تهريب مبالغ طائلة من العملة الصعبة مليون و40 ألف يورو، وما يقدر بـ65 ألف دولار، إلى تركيا في طائرة كانت متجهة من مطار بنينا ببنغازي إلى مطار اسطنبول، بحسب ما أعلنت مديرية جمارك بنغازي. وهذه ثالث شحنة أسلحة ومعدات عسكرية تركية، تنجح الأجهزة الأمنية الليبية في إحباط دخولها إلى البلاد في أقل من شهرين، بعد ضبطها في ديسمبر/كانون الأول الماضي شحنة أسلحة وذخائر تتكون من 3000 مسدس تركي الصنع من طراز بيريتا 9 ملم، و2. 3 مليون طلقة ذخيرة في حاويتين تم شحنهما على متن سفينة من تركيا. وتشير الوثائق الرسمية المصاحبة للحاويتين إلى أنهما يشتملان على مواد بناء ودهانات للأرضيات. 

وفي 7 يناير الماضي، عثر موظفو الجمارك في ميناء مصراتة الليبي، والذي يقع على بعد 208 كم عن طرابلس شرقًا، على أكثر من 20000 مسدس تركي عيار 8 ملم، مخبأة بداخل حاوية قادمة من تركيا، رغم تدوين بيانات سجلاتها الرسمية بأنها تشتمل على ألعاب أطفال وسلع منزلية. وخلال السنوات الماضية تكرر ضبط سفن السلاح الموجهة من تركيا الى ليبيا، ففي يناير 2013، كشفت اليونان أنها عثرت على أسلحة تركية على متن سفينة متجهة إلى ليبيا بعد توقفها في اليونان بسبب سوء الأحوال الجوية. وفي يناير من العام الماضي ضبط خفر السواحل اليوناني سفينة شحن تحمل مواد متفجرة خلال إبحارها من تركيا إلى ليبيا، ووصف السفينة بأنها عبارة عن "قنبلة متحركة"

وأثارت هذه الشحنات المتتالية ضجة وتنديدا واسعا في ليبيا وخارجها، رافقتها مطالب بإدانة تركيا أمميا بتهمة خرقها لقرار مجلس الأمن القاضي بحظر بيع ونقل الأسلحة إلى ليبيا، وفتح تحقيق لمعرفة دورها في تأجيج الفوضى وتعطيل التسوية السياسية في بلد يعاني منذ سنوات من انتشار السلاح الذي يعمق الصراع. 

وبالرغم من التنديد الواسع في الاوساط الليبية بالتدخل التركي في ليبيا، أصرت وزارة الداخلية التابعة لحكومة الوفاق الليبية بالاحتفاظ بشحنة المدرعات التي جرى ضبطها في ميناء الخمس غرب البلاد، وهو ما عزز الاتهامات بهيمنة تيار الإسلام السياسي على الحكومة ووقوفه وراء شحنات الأسلحة التي تصدرها تركيا إلى ليبيا في خرق لحظر التسليح الدولي المفروض على البلاد. وقالت وزارة الداخلية، في حكومة الوفاق، في بيان عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، مساء الخميس، إنه بشأن الموضوع المثار حول ضبط حاويات تحمل مركبات بميناء الخمس على ظهر السفينة (ماركو) التي تحمل العلم المالطي، فإن هذه المركبات التي تم ضبطها بميناء الخمس تسلمتها وزارة الداخلية بناء على التعليمات الصادرة من النائب العام والتي تقضي بالتحفظ عليها وحراستها إلى حين استكمال التحقيقات بشأنها. وياتي ذلك في وقت تناقلت فيه وسائل اعلام تصريحات عن مسؤول رفيع فى إدارة مكافحة جمارك ميناء الخمس أشار إلى محاولة مجموعة مسلحة تتبع وزارة الداخلية والوزير فتحي باشاغا بإقتحام الميناء ومحاولة الإستيلاء على المدرعات والمصفحات التركية دون اجراءات او أوامر تأشيرة للإفراج. 

وأشار المسؤول إلى أن "المجموعة تقول بأن لديها إذنا من النيابة العامة لنقل الآليات من الخمس إلى طرابلس، لكن المعلومات الواردة تشير إلى إنهم يسعون إلى نقلها نحو مصراتة خشية انتزاعها منهم من قبل قوات أخرى موالية لحكومة الوفاق"، مشددا على أن إذن التسليم الذي استظهروا به هو من النيابة العامة ومزوّر. وفي غضون ذلك، دعت قوة حماية طرابلس، وهي تحالف يضم أربع ميليشيات تسيطر على العاصمة الليبية، النائب العام بالتحقيق الفوري والعاجل في شُحنة المدرعات التي أوقفهـا رجال الجمارك في ميناء الخمس، وكذلك شُحنات الأسلحة والذخائر المختلفة التي سبق الحجز عليها في نفس الميناء. 

وطالبت القوة في بيان صادر عنها الكشف عن المتورطين في تلك الشحنات وفي الاعتمادات المستخدمة لتوريدها. مبينة أن "الافعال يجرمها القانون الليبي ويعاقب عليها كونها تجر الى تفشي القتل والجريمة المنظمة لا سيما لو وقعت في يد مجموعات مؤدلجة كما حصل في حرب جنوب طرابلس الاخيرة". وتتهم عدة أطراف ليبية تركيا بتزويد الميليشيات المسلحة بالعتاد والسلاح ما قد يؤدي إلى تطورات من شأنها أن تعمق الصراع في البلاد. ونقلت وكالة "سبوتنيك" الروسية عن الخبير بالشأن الليبي والإعلامي محمد بن غزي، في وقت سابق، قوله بأن "تركيا تحاول زعزعة أمن ليبيا واستقرارها من خلال دعم الإرهاب على أراضيها. تركيا لم ولن تتوقف عن تصدير شحنات الأسلحة إلى ليبيا، والتي سبق أن عثرنا عليها في مناطق القتال في ضواحي مدينة بنغازي ودرنة لدى الإرهابيين"

ودعا بن غزي مجلس الأمن إلى فتح تحقيق دولي، لمعرفة المستخدم الأخير في ليبيا للأسلحة المهربة، مشيرا إلى أن "تركيا تدعم بصفة مباشرة كل الجماعات المسلحة التي تعارض استقرار جنوب وغرب ليبيا، وهناك مخطط تركي لإشعال أزمة جديدة في جنوب وغرب ليبيا عبر إغراق البلاد بالأسلحة ، مؤكدا أن هناك أطرافًا إقليمية وفي مقدمتها تركيا تقوم في كل مرة بتوتير الأجواء الليبية عندما يقترب الفرقاء من إيجاد حلول سياسية"

وتعتبر تركيا بمثابة ملجأ لجهاديي ليبيا الذين إرتبطوا معها بعلاقات كبيرة، وخاصة قيادات الجماعة الليبية المقاتلة، كعبد الحكيم بلحاج وخالد الشريف، اللذين يملكان استثمارات مالية وعقارية كبيرة في تركيا، تقول تقارير ورسائل سربها موقع ويكيليكس إنهما قد نهباها من أموال مؤسسات الدولة الليبية في أعقاب سيطرتهما على العاصمة طرابلس. ويرى المراقبون، أن المحاولات التركية لدعم المليشيات الموالية لها لن تتوقف وذلك بسبب المصالح التي تجمعها بالحركات الإسلامية العابرة للحدود.