أكد القائد العام للجيش خليفة حفتر أن الجيش يحارب وفق خطة عسكرية دقيقة تضع في أولوياتها سلامة المواطنين من سكان العاصمة ومنشآت المدينة ومرافقها.

وقال حفتر من مكتبه في الرجمة (بنغازي) لـ"اندبندنت عربية" "كان بمقدورنا وبكل بساطة، أن تدخل قواتنا إلى قلب العاصمة بعملية اقتحام كاسح بالأسلحة الثقيلة والقوة المفرطة وتنتهي العمليات العسكرية خلال فترة قصيرة، لكن ذلك لا يحقّق الهدف النبيل الذي نعمل من أجله، وسيكون ثمنه أرواح ودماء الأبرياء من سكان العاصمة التي نحرص عليها ونعمل على حمايتها. وسيلحق بمنشآت المدينة أضراراً فادحة".

وشدد حفتر على أن الجيش سيحسم المعركة في طرابلس عاجلا وليس آجلا موضحا أنه يمكن تصنيف الذين يحاربون الجيش إلى ثلاثة أنواع: مجموعات إرهابية تحمل أفكاراً متطرفة وتتستّر برداء الدين وتنتمي إلى تنظيمات إرهابية كالإخوان المسلمين و"داعش" و"القاعدة" والجماعة الليبية المقاتلة، ولها فروع عدّة تحت مسميات مختلفة، هذه المجموعات تمكّنت من استغلال حالة الفوضى السياسية والأمنية التي أعقبت إسقاط النظام  واستطاعت السيطرة على مفاصل الدولة ومراكز صنع القرار، وهدفها التمكين لفرض أيديولوجية متطرفة تستند إلى مراجع تكفيرية وتعمل على تحويل ليبيا إلى إمارة إسلامية حسب وصفهم وتوظيف ثرواتها لدعم كل التنظيمات الإرهابية الأخرى على مستوى العالم. وهناك مجموعات أخرى لا تحمل أي أيديولوجية ويظل المال هو الهدف الأساسي لها، وهي تتألف من أعداد كبيرة من الشبان الذين استهواهم جمع المال بالقوة. والصنف الثالث هم المرتزقة الذين يستجلبهم المجلس الرئاسي من بعض الدول الأفريقية ويدرّ عليهم أموالاً طائلة لمحاربة الجيش، وليس لهم من هدف سوى المال.

وأشار حفتر إلى أن المجلس الرئاسيليس قيادة على الإطلاق، ولا هو رئاسي بالمفهوم العملي والواقعي، بل هو أداة لتنفيذ ما تُصدره له المجموعات الإرهابية والميليشياوية من أوامر وتلقّي التوجيهات من قطر وتركيا ودول أخرى موضحا أن عمليات الجيش العسكرية لا تستهدف أي كيان سياسي، ولم تكن وليدة لحظة، بل هي امتداد طبيعي لحرب تحرير شامل، بدأت مع انطلاق عملية الكرامة في منتصف مايو عام 2014.

وشدد حفتر على أن الدعم القطري والتركي للميليشيات يعرقل الجيش وقد يؤخر موعد التحرير قليلاً، لكنه أبداً لن يغير النتيجة مهما بلغ حجمه، ومصيره التدمير. وفي حالات عدّة، كنا نستفيد من هذا الدعم لأنه غالباً ما يتحول إلى غنائم للجيش الوطني، وقد سبق لنا أن وجّهنا النصيحة لمن يدعمون الإرهاب ليختصروا الوقت والمسافة ويرسلوا السلاح لنا مباشرةً، لأنه في نهاية المطاف، سيقع في أيدينا".

وحول أبرز مسارات تهريب الأسلحة والمقاتلين، كشف أن "الخطوط البرية التي تمد الميليشيات بالسلاح قُطعت بالكامل، وهي تحت سيطرة ومراقبة قواتنا المسلحة، إلاّ أنّ خطوط الإمداد الجوية والبحرية ما زالت نشطة، وتدعمها تركيا وقطر بشكل متواصل جواً وبحراً عبر نقل السلاح بجميع أنواعه بما فيه الطائرات المسيّرة عن بعد والمقاتلين إلى ميناء أبوستة في طرابلس، وميناء مصراته والكلية الجوية في المدينة. وفي معظم الأحيان، ما إن تصل شحنات الدعم إلى مخازنها، حتى يتم قصفها وتدميرها. ويحتاج قطع هذه الخطوط إلى إمكانيات خاصة ومتطورة، وهنا يأتي دور المجتمع الدولي الذي نحثه دائماً على ضرورة مراقبة هذه الخطوط ومنع وصول الأسلحة والمقاتلين عن طريقها إلى المجموعات الإرهابية، ونتوقع أن يتّخذ موقفاً موحداً يمنع هذا الدعم. ومن طرفنا، لن نتردد في قصف أي سفينة أو طائرة كلما أمكن ذلك، إذا ثبُت لنا أنها تحمل دعماً للميليشيات بالسلاح والذخيرة أو المقاتلين".

وتحدث حفتر عنالموقف من مؤتمر برلين المزمع تنظيمه لحل الأزمة الليبية، قائلا إنه  "مع أي تحرك دولي أو محلي يعمل بجدية على معالجة القضية الليبية، وإذا كُتب لهذا المؤتمر أن ينعقد، فإننا نتمنى له النجاح، ونقصد بالنجاح أن تؤدي مخرجاته إلى رفع معاناة الشعب الليبي. لا نعلم حتى الآن ما هي أجندة هذا المؤتمر، وفي قناعتي أن معالجة الوضع الليبي تبدأ بالقضاء على الإرهاب وتفكيك الميليشيات ونزع سلاحها. كل المؤتمرات السابقة فشلت بسبب إهمال هذه المسألة، واعتقدوا أن مجرد الجلوس إلى طاولة مفاوضات وإصدار اتفاق، سيؤديان إلى الحل. ثم سرعان ما يكتشفون أن الاتفاق هو حبر على ورق فقط. وما أن يظهر خلاف بسيط حتى يلجأ المستفيدون من حالة الفوضى إلى السلاح والعنف ونعود إلى المربع الأول. حتى اتفاق الصخيرات الذي هتف له العالم واعتقد أنه سيعالج الوضع الليبي. هل عالج الأزمة الليبية؟ أبداً، بل زادها تعقيداً، على الرغم من أننا نقدّر دور المملكة المغربية في استضافة الاجتماعات. لقد كان اتفاقاً كارثياً على البلاد والعباد، ولم يستفد منه إلاّ العملاء وحملة السلاح من الإرهابيين ومن على شاكلتهم من الميليشيات".

وأكد حفتر أن بعثة الأمم المتحدة برئاسة غسان سلامة هي "بعثة للدعم فقط، وليس بمقدورها فرض أي رؤية. وحتى لو مُنحت صلاحية فرض واقع جديد، فإنها ستصطدم على الفور مع الميليشيات المسلحة التي تريد فرض استمرار الحال على ما هو عليه بقوة السلاح، لأن هذا الوضع مثالي بالنسبة إليها، حتى وإن كان مأساوياً على الليبيين" مضيفا لا أحد ينكر المجهود الكبير الذي بذله سلامة ومعاونوه، ولكن نحن نحكم بالنتائج. الأمر لا يحتاج إلى عقلية عبقرية لمعرفة أسباب الفشل. هناك أطراف مستفيدة من حالة الفوضى وتعمل على استمرارها وعرقلة أي تسوية بقوة السلاح. ومن جانب آخر، هناك مشروع لتدمير الهوية الوطنية والقومية، يحمل أجندة إرهابية متطرفة تكفيرية يريد أن يفرض نفسه بالقوة أيضاً".

وأجاب حفتر على سؤال حول إن كانت ليبيا سلّمت إرهابيين أجانب إلى دول عربية وأجنبية مؤكدا أن الجيش يعمل مع عدد من الدول في المجال العسكري والاستخباراتي في إطار تعاون مشترك لمحاربة الإرهاب، ولديه اتفاقيات دولية ولجان عمل مشتركة ويدخل من بينها تسليم الإرهابيين من الطرفين وفق شروط محددة لا بد من توفرها مضيفا وقد سلّمنا حالات محدودة العدد وفق هذه الاتفاقيات بعدما تم استجوابهم من قبل الجهات المختصة لدينا.

وحول نظرته للمستقبل قال حفتر نتطلع إلى عصر جديد يمحو كل ما قبله، عصر خال من العنف والتطرف والكراهية، يعمل فيه الليبيون تحت سلطة القانون، وتتكاتف فيه جهودهم من أجل بناء دولة حرة ديمقراطية مدنية ذات سيادة، لا يُشهر فيها السلاح في وجه المواطن لقمعه أو المساس بكرامته. السلاح فيها تحت سلطة الدولة التي مهمتها خدمة المواطن لا التسلّط عليه. السلاح تملكه الدولة لتدافع به عن الوطن والمواطن وليس أداة للقهر والاستبداد. نتطلع إلى أن يتصالح الليبيون مع أنفسهم وينسوا أحقادهم ويفكروا بما يفيد حاضرهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم، وأن يفرضوا احترام العالم لهم، لا أن يتعرّضوا للذل والإهانة والتمييز في جميع مطارات العالم وكأنهم دون مستوى البشر".