تشهد ليبيا منذ أسابيع حراكا دوليا مكثفا عبر اجتماعات ومشاورات بين الفرقاء الليبيين على المسارين العسكري والسياسي بغية الوصول الى توافقات من شأنها ارساء تسوية شاملة تنهي سنوات من الصراعات والانقسامات التي تسببت في دخول البلد الغني بالثروات في متاهة العنف والأزمات الاقتصادية الحادة.
آخر هذه الاجتماعات تدور في مدينة طنجة المغربية، بحضور أكثر من 100 نائب بالبرلمان يمثلون مختلف المناطق الليبية، من أجل توحيد البرلمان وتنظيم الانتخابات ومنح الثقة للحكومة الجديدة في حال نجاح تشكيلها.وتأتي هذه الاجتماعات بالتوازي مع جلسات الحوار الرامية إلى الاتفاق حول حكومة انتقالية لإدارة المرحلة لإجراء الانتخابات العام القادم.
وأكد عضو مجلس النواب صالح افحيمه الذي يشارك في اجتماعات طنجة بالمغرب في تصريح لبوابة إفريقيا الإخبارية أن عددا من النواب يعكفون على صياغة بيان سيجري التصويت عليه في الجلسة المسائية اليوم الثلاثاء أو يوم غد الإربعاء موضحا أن البيان يتضمن ما تم التوافق عليه بشأن عقد الجلسة القادمة في مدينة غدامس إضافة إلى تقديم تطمينات للمجتمع الدولي مفادها أن اجتماعات النواب في طنجة لا تتعارض مع مسار الملتقى السياسي المقام برعاية أممية إنما تكملها.
وأشار افحيمه إلى أن أعضاء مجلس النواب المشاركين في ملتقى الحوار السياسي قدموا خلال الجلسة الصباحية إحاطة بشأن مجريات حوار تونس الذي اصطدم بالعديد من الصعوبات منها عدم توافق المشاركين في الملتقى مؤكدا أن مجلس النواب يسعى للقيام بدوره والوفاء بالتزاماته فيما يتعلق بقانون انتخاب السلطة التشريعية والرئاسية حتى يتم إجراء الانتخابات المقررة في 24 ديسمبر 2021 وفقا لأساس قانوني متين.
وأكدت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا أن اجتماع أعضاء مجلس النواب، في طنجه يمثل خطوة إيجابية مرحب بها.وقالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في سلسلة تغريدات لها بموقع "تويتر" إنه لمن المشجع لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا انعقاد الاجتماع التشاوري الموسع لمجلس النواب الليبي والذي يبدأ اليوم في طنجة وتستضيفه المملكة المغربية".
وأضافت البعثة الأممية أن "اجتماع مثل هذه المجموعة المتنوعة من البرلمانيين من أقاليم ليبيا الثلاثة تحت سقف واحد يمثل خطوة إيجابية مرحبٌ بها".مشيرة الى أنها لطالما دعمت مجلس النواب معربة عن أملها في أن يفي المجلس بتوقعات الشعب الليبي لتنفيذ خارطة الطريق التي اتفق عليها ملتقى الحوار السياسي الليبي من أجل إجراء انتخابات وطنية في 24 ديسمبر 2021.
وتأتي اجتماعات طنجة لتوحيد مجلس النواب الليبي بالتزامن مع انطلاق،الاثنين 23 نوفمبر 2020، أعمال الجولة الثانية لملتقى الحوار السياسي الليبي، عبر الاتصال المرئي، بمشاركة الممثلة الخاصة للأمين العام في ليبيا ستيفاني وليامز، وفريق البعثة.حيث أكدت وليامز، أن البعثة الأممية ستفرض عقوبات في حال إثبات وقائع تقديم رشاوى لأعضاء الحوار السياسي، مشيرة إلى أنها تتواصل مع مكتب النائب العام بهذا الشأن.
وأوضحت وليامز، في تصريحات إعلامية،الإثنين، عقب انتهاء جلسة الحوار السياسي الأولى عن بعد، أنها أحالت تقارير فيما يتعلق بتقديم رشاوى لبعض أعضاء الحوار إلى فريق خبراء الأمم المتحدة.وأشارت وليامز إلى أنه تم تأجيل جلسات الحوار إلى يوم الأربعاء المقبل؛ للسماح للمشاركين بدراسة الخيارات المقدمة في الاجتماع.
 وشابت جلسات الحوار الليبي في تونس شبهات فساد وتجاوزات عبر محاولات شراء أصوات بإغراءات مالية ضخمة.هذه التجاوزات أكدتها المبعوثة الأممية ويليامز في المؤتمر الصحافي حين قات إن "تحقيقاً سيفتح للتأكد من معلومات وردت إليها، عن دفع رشاوى وشراء أصوات على هامش الجلسة، وتعهدت بعقوبات دولية ضد من يثبت تورطه في هذا الأمر.
وكانت الأطراف الليبية قد اختتمت أسبوعاً من المحادثات، التي أجريت بوساطة الأمم المتحدة في تونس، دون الاتفاق على حكومة انتقالية تقود البلاد إلى انتخابات في ديسمبر من العام المقبل.وأعلنت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا إنهاء جولة الحوارات المنعقدة في تونس بين أطراف الأزمة الليبية بسبب الخلافات حول نقاط حاسمة في الحل السياسي مع تأجيله إلى وقت لاحق.
وفي مقابل التعثر على المسار السياسي،شهدت المشاورات العسكرية تطورات ايجابية حيث تباحث طرفي الصراع الليبي بمدينة البريقة (شرقاً)التي تضم أحد أهم موانئ الهلال النفطي الخاضع لسيطرة الجيش الليبي،مسألة توحيد جهاز حرس المنشآت النفطية، أحد أهم البنود التي تم الاتفاق عليها بين وفدي اللجنة العسكرية (5+5).
وقالت رئيسة البعثة الأممية للدعم في ليبيا بالإنابة ستيفاني وليامز من البريقة:"أنا وفريقي فخورون جداً بوجودنا في هذا الاجتماع التاريخي. أطلقنا عملية توحيد حرس المنشآت النفطية وخططاً لمشروع نموذجي لتأمين حقل نفطي في آران يبدأ بالإنتاح فيه في 2021".وأضافت أن "الأمم المتحدة تؤكد دعم الليبيين والشركات النفطية والسيادة الليبية"، موضحةً أن "ما يجري اليوم يأتي تحت مظلة مؤتمر برلين" حول ليبيا.
من جانبه،أعلن رئيس المؤسسة الوطنية للنفط مصطفى صنع الله السعي لإنشاء قوة جديدة لحماية المشآت النفطية تتألف من خليط من العناصر المدنية والعسكرية.وأضاف صنع الله خلال مؤتمر صحفي مشترك مع المبعوثة الأممية إلى ليبيا بالإنابة ،أن عمل قوة الحماية الجديدة يرتكز على ثلاث مكونات أول هو الأمن الصناعي التابع للمؤسسة أما الثاني فهو قوة حماية جديدة تستعمل التقنيات الحديثة أما المكون الثالث فهو قوة عسكرية قتالية تتألف من كتائب لحماية المنشآت النفطية.
وأوضح صنع الله أنه لا خلاف حول مكان تواجد القوة مبينا أن رئيسها تختاره المؤسسة الوطنية للنفط.وأكد أنه قبل العام 2011 ،لم يكن هناك خروقات أمنية تحدث في المؤسسات النفطية لكن بعد ذلك أصبحت هناك الكثير من الخروقات مشيرا إلى أن المؤسسة حاليا تهدف لتحسين الأداء والعمل بمرونة بما لا يؤثر على سلامة الأفراد فأمان العاملين أهم من زيادة الإنتاج.
ويتبع جهاز حرس المنشآت النفطية وزارة الدفاع، ومهمته حماية وتأمين الأماكن والمرافق التابعة لقطاع النفط من حقول وآبار ومحطات، بما فيها محطات الضخ والاتصالات وكذلك الموانئ والمستودعات والمخازن.وقال العميد خالد المحجوب مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الليبي فى تصريحات لشبكة سكاى نيوز، "نعمل على إعادة هيكلة حرس المنشآت النفطية الليبية.
وتمثل هذه الخطوة أهمية كبيرة حيث يأمل الليبيون أن يمكن توحيد جهاز حرس المنشآت النفطية من ضمان زيادة واستمرار وانتظام تدفق وتصدير النفط في ليبيا، التي وصل فيها حجم الإنتاج إلى مليون و200 ألف برميل، بعد أسابيع من توقيع اتفاق بين طرفي النزاع سمح بإعادة الإنتاج والتصدير وإنهاء كل الإغلاقات بجميع الحقول والموانئ النفطية.
وتأتي هذه الخطوة الجديدة بعد ايام من الاعلان عن فتح الطريق الساحلي كمرحلة أولى خلال اجتماعات اللجنة العسكرية التي شهدتها مدينة سرت سرت.كما اتفق المشاركون في الاجتماعات على أن تتضمن المرحلة الثانية إخراج المرتزقة والمقاتلين الأجانب من خطوط القتال مع التأكيد على أنه سيكون هناك اجتماع جديد للجنة 5+5 في أسرع وقت.
وتشير هذه التطورات التي تشهدها الساحة الليبية الى تصاعد منسوب التفاؤل حول امكانية اختراق جدار الأزمة المستعصية منذ سنوات خاصة في ظل ما يبدو أنه اصرار محلي ودولي على الذهاب نحو توافق شامل يمكنه ارساء سلطة موحدة في البلاد.ويأمل الليبيون في أن يساهم هذا الحراك الدولي المكثف في انهاء الانقسامات وتوحيد مؤسسات الدولة بما يضمن انتعاشة كبيرة للاقتصاد الليبي وعودة الحياة الى طبيعتها في بلد يعاني منذ سنوات جراء استشراء العنف وغياب سلطة الدولة.