هزت حادثة سحل طفل قاصر وتجريده من ملابسه في الطريق العام من طرف أعوان أمن التونسيين من مختلف الفئات والقطاعات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

وأشعلت مشاهد الاعتداء بالعنف وتعرية وسحل طفل قاصر في الطريق العام على يد رجال الشرطة غضبا واسعا في تونس وسط دعوات كبيرة لفتح تحقيق ومحاسبة المسؤولين وتطبيق القانون على المتجاوزين.

وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي منذ الأربعاء الماضي مقطع فيديو وثق الحادثة صوتا صورة.

وتتمثل الحادثة في القبض على طفل قاصر يبلغ من العمر 15 سنة من طرف أعوان أمن بمنطقة سيدي حسين, غربي العاصمة, وهي منطقة تعيش منذ يومين على وقع احتجاجات ومناوشات بين محتجين من شباب الجهة والوحدات الأمنية, وتجريده من ملابسه وسحله في الشارع ثم اقتياده إلى السيارة الأمنية وهو على تلك الحالة.

ووثق الفيديو المتداول على مواقع التواصل الاجتماعي في تونس مظهر الطفل وهو ملقى على الأرض ويتعرض للضرب والدهس بالأرجل بعد تجريده بالكامل من ثيابه ثم جره وسحله واقتياده عاريا إلى سيارة الشرطة أمام المارة, وهو ما مثل صدمة كبرى للتونسيين بما أن الحادثة تمثل اعتداء صارخا على حقوق الإنسان وعلى الحرمة الجسدية للإنسان التي نص عليها الدستور التونسي ومبادئ حقوق الإنسان الكونية.

وأدان عدد لافت من السياسيين ونواب بالبرلمان من مختلف المشارب والانتماءات والحقوقيين والإعلاميين الحادثة, مطالبين بتحميل المسؤوليات ومعاقبة المسؤولين, واصفين الحادثة ب "الصادمة" و "المخزية".

كما أدانت جمعيات حقوقية ومدنية هذه الحادثة بشدة, داعية إلى فتح تحقيق في الغرض ومحاسبة من قام بهذا الاعتداء المسيء لصورة تونس وسمعتها.

وفي هذا الصدد, أفاد مرصد الحقوق والحريات في تونس بأنه "صدم بمشهد تعرية وسحل مواطن تونسي في الطريق العام", مطالبا بالمحاسبة وتطبيق القانون.

وحملت منظمات حقوقية ومهنية, وعلى رأسها الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان والشبكة الأورو متوسطية للحقوق, رئيس الحكومة مسؤولية الانحراف بالمؤسسة الأمنية.

وقالت المنظمات المذكورة, في بيان مشترك اليوم الجمعة, إن تونس "عاشت في اليومين الأخيرين على وقع مشهد صادم ومرعب وإجرامي ومنفلت هز وجدان الرأي العام وأعاد إلى الأذهان صورة القمع الهمجي والممنهج إبان حكم بن علي".

وأشارت إلى أن "منطقة الجيارة, غربي العاصمة, شهدت يوم الثلاثاء 8 يونيو الجاري حادثة موت في ظروف مسترابة  لشاب إثر إيقافه من طرف أعوان الأمن, كما شهدت منطقة سيدي حسين السيجومي حادثة تجريد قاصر من كل ملابسه وسحله والاعتداء عليه في الطريق العام من قبل أمنيين ثم إيقافه في تلك الظروف اللاإنسانية".

وشددت المنظمات والنقابات والجمعيات الممضية على البيان على أن "هذه الممارسات الأمنية الهمجية تخطت كل الحدود والمعايير, معتبرة هذه الممارسات نقطة مفصلية تجر إلى مراجعة جذرية لمفهوم الأمن الجمهوري في تونس وطبيعة الانتقال الديمقراطي في البلاد".

وحملت المنظمات الممضية على البيان المسؤولية المباشرة لرئيس الحكومة ووزير الداخلية بالنيابة في "الانحراف بالمؤسسة الأمنية نحو التساهل في إهدار حياة التونسيات والتونسيين ودوس كرامتهم, داعية إياه إلى اتخاذ إجراءات عاجلة تنصف الضحايا وعائلاتهم وتعيد الاعتبار إليهم وتضع حدا لتوظيف المؤسسة الأمنية في حل الأزمات الاجتماعية  والاقتصادية والسياسية  بعيدا عن الخطابات الممجوجة حول حماية الحقوق والحريات".

وأكدت مضيها في القيام بإجراءات التقاضي في حق الشابين ومتابعتها وتنظيم حملات حولها حتى تحقيق العدالة المنجزة فيها.

من جانبه, اعتبر المكتب التنفيذي لجمعية القضاة التونسيين أن مقطع الفيديو "تضمن تجاوزات صادمة تمس بالكرامة الإنسانية من العناصر الأمنية التي من المفترض أن تحمي حرمة المواطنين وأمنهم، لكنها وارتكبت تجاوزات فظيعة في حق الشاب وعاملته بطريقة مخلة بالكرامة الإنسانية والحرمة الجسدية المكفولتين دستوريا لكل مواطن مهما كان الوضع الذي يمكن أن يوجد فيه".

وأدان المكتب التنفيذي لجمعية القضاة بشدة "ما تعرض له الضحية من اعتداءات خطيرة نالت من حرمته الجسدية وكرامته البشرية بشكل صادم ومخز يذكر بالممارسات المشينة لأنظمة الاستبداد، مستنكرا الاستعمال المفرط وغير المقبول للقوة لقمع الاحتجاجات التي عقبت الوفاة المسترابة لأحد أبناء منطقة السيجومي بمركز أمن المكان عوض فتح الأبحاث الإدارية الجدية في تلك الواقعة ومحاولة تهدئة الأجواء المتوترة واستعادة السلم الاجتماعي من خلال التعاطي الأمني السليم مع المحتجين".

وفي تعليق على الحادثة, أفادت وزارة الداخلية التونسية, في بيان لها يوم 8 يونيو الجاري, ب "أنه على إثر تداول مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي تضمن تعرض مواطن للاعتداء من قبل أعوان الأمن, فإنها تعلم أن المواطن المذكور كان في حالة سكر مطبق, وعند توجه الدورية إليه للتحري معه تعمد التجرد من أدباشه في الطريق العام في حركة استفزازية لأعوان الامن".

وأضافت أنه باستشارة النيابة العمومية, أذنت بالاحتفاظ به من أجل الاعتداء على الأخلاق الحميدة والتجاهر بما ينافي الحياء واتخاذ الإجراءات القانونية في شأنه".

كما أعلنت الداخلية التونسية أنه قد "تم في الحين فتح بحث لدى التفقدية العامة للأمن الوطني بوزارة الداخلية لتحديد المسؤوليات حول ما رافق عملية التدخل للسيطرة على المعني بالأمر من تجاوزات واتخاذ الإجراءات المستوجبة تبعا لنتائج البحث".

وفي بيان محين للوزارة صادر, اليوم الجمعة, أعلنت الداخلية التونسية "إدانتها هذه التصرفات", مؤكدة "أنها تتعارض مع توجهاتها العامة الرامية إلى التمسك بمبادئ الأمن الجمهوري الهادف إلى إحداث التوازن بين الحفاظ على الأمن العام ومبادئ حقوق الإنسان".

كما أعلمت الوزارة أن "الإجراءات المتعلقة بالتحقيق المباشر في الغرض من طرف التفقدية العامة للأمن الوطني جارية، حيث تم إيقاف الأعوان المسؤولين عن هذه التجاوزات عن العمل".

وأكدت أن "مصالحها ستواصل العمل على الارتقاء بأداء منظوريها من خلال دعم الجانب التكويني بما يمكن الأعوان والإطارات من القيام بمهامهم على الوجه الأكمل استجابة لمفهوم الأمن الجمهوري حتى يكون في خدمة المواطن".

وفي أول تصريح للطفل القاصر الذي تعرض للاعتداء المذكور بعد إطلاق سراحه, أكد أنه " لم يتجاوز سن ال 15 عاما وأنه كان في طريقه إلى منزله يوم الواقعة."

وقال الضحية إنه "لم يكن في حالة سكر ولا تحت تأثير أي مخدر -مثلما جاء في بيان وزارة الداخلية- كما نفى قيامه بتعرية نفسه".

 وأكد الضحية أن "أعوان أمن اقتربوا منه واعتدوا عليه بالعنف الشديد وجردوه من ملابسه ثم نقلوه إلى السيارة الأمنية, أين طلبوا منه ارتداء ما تبقى من ثيابه الممزقة".

وتابع الطفل بقوله: ''تواصل الاعتداء علي داخل مركز الأمن واتهموني بإحداث الشغب والفوضى".

كما كشف الطفل أنه منقطع عن الدراسة ويشتغل.

وقالت ز. العياري, والدة الضحية, إن ابنها منقطع عن التعليم ويعمل بصفة متقطعة بسبب ظروف العائلة المادية الصعبة", مشيرة إلى أنه خرج يوم الحادثة حوالي السادسة مساء حيث كانت جهة سيدي حسين تعيش حالة كر وفر بين المحتجين على إثر وفاة شاب داخل مركز أمن, من جهة والأمنيين من جهة أخرى".

وأوضحت أن ابنها كان "يحاول الهرب من قنابل الغاز المسيل للدموع فقفز أمام دورية أمنية تعمدت نزع ملابسه وتعنيفه واقتياده إلى مركز الأمن بالعطار".

وأضافت أنه "لم يتم إعلام العائلة بإيقاف ابنها القاصر إلا حوالي العاشرة ليلا", مؤكدة أنها تعرضت بدورها إلى العنف اللفظي من قبل أعوان مركز الأمن الذي توجهت إليه للاستفسار".

وأكدت أنها ابنها يعاني من صدمة نفسية شديدة بسبب الحادثة