لم يتفاجأ المراقبون بتطورات الوضع السياسي في العاصمة الليبية طرابلس ، فبينما كانت الإحتجاجات الشعبية تواجه برصاص الميلشيات المرتبطة بمكتب السراج ، كان رئيس مجلس الدولة الإستشاري  والقيادي الإخواني خالد المشري وحليفه وزير الداخلية المفوض فتحي باشاغا يؤديان زيارة الى أنقرة ، للتشاور مع المسؤولين الأتراك حول  مستجدات المسارين الأمني والسياسي في ليبيا ، وقد لوحظ أن المشري إستقبل الجمعة من قبل الرئيس أردوغان ، فيما اكتفى باشاغا بالاجتماع بوزير الدفاع خلوصي آكار ووزير الخارجية شاووش أوغلو ،ومع رئيس المخابرات هاكان فيدان.


مصادر من طرابلس قالت أن فائز السراج رئيس المجلس الرئاسي إعتذر في آخر لحظة عن زيارة كان من المنتظر أن يؤديها الى تركيا الخميس ، بسبب تطورات الوضع الأمني في طرابلس ، وأضافت أنه فوجيء بزيارة باشاغا الى أنقرة وتابعها من خلال وسائل الإعلام ، وردت ذلك الى القطيعة الحاصلة بين الرجلين منذ فترة ،ويقول مراقبون أن السراج أدرك أن باشاغا المعروف بعلاقاته الوطيدة مع واشنطن وأنقرة بدأ في التخطيط للإطاحة به ، مستغلا الحراك الشعبي العفوي الذي تشهده العاصمة وعدد من مدن غرب وجنوب البلاد وينادي المشاركون فيه بإسقاط المجلس الرئاسي وتنحي رئيسه ، ومستفيدا من الدعم الذي يلقاه من جماعة الإخوان ومن رئيس مجلس الدولة الاستشاري خالد المشري مساء الجمعة  الماضي عقد المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق اجتماعًا برئاسة فائز السراج رئيس المجلس، وحضور أحمد معيتيق وعبد السلام كاجمان ومحمد عماري زايد وأحمد حمزة ،نوقش خلاله  الوضع السياسي والأمني والعسكري الراهن، والإجراءات والتدابير التي اتّخذتها وزارة الداخلية لتأمين المتظاهرين، والاطلاع على التحقيقات التي أجريت فيما وقع من تجاوزات تجاههم كما بحث الاجتماع المواقف التي أتّخذها وزير الداخلية والبيانات التي أصدرها مؤخّرًا، وقرّر المجلس الرئاسي إيقاف وزير الداخلية ومثوله للتحقيق أمام المجلس وتكليف وكيل الوزارة خالد مازن بتسيير عمل الوزارة.وقرّر المجلس الرئاسي تكليف القوّة المشتركة التابعة لغرفة العمليات المشتركة في المنطقة الغربية بضبط الأمن وتأمين العاصمة، بالتنسيق مع وزارة الداخلية والأجهزة الأمنية المختصّة الأخرى.
ونقل المحلل السياسي المقرب من حكومة الوفاق فيصل الشريف، عن مصادر وصفها بالخاصة ، أن  عبد السلام  كاجمان نائب السراج وممثل جماعة الإخوان في المجلس الرئاسي هو الوحيد الذي عارض قرار إيقاف وزير الداخلية المفوض إحالته للتحقيق.وسارع باشاغا من مقر إقامته في أنقرة إلى إعلان امتثاله للقرار، مطالبا بأن تكون جلسة التحقيق علنيّة ومتلفزة، وقال في بيان "أتشرف باستعدادي للمثول للتحقيق وكشف الحقائق كما هي، دون مجاملة ولا مواربة".
وطالب، قبل عودته الى طرابلس في طائرة خاصة ،  بأن تكون جلسة المساءلة والتحقيق علنية ومنقولة إعلاميا على الهواء مباشرة لإبراز الحقائق أمام الشعب الليبي، مذكرا باعتراضه السابق على التدابير الأمنية الصادرة عن جهات مسلحة لا تتبع وزارة الداخلية "وما نجم عنها من امتهان لكرامة المواطن وحقوقه وإهدار دمه". وكان باشاغا ندد الخميس الماضي بقمع ميلشيات قريبة من رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج للمحجتين السلميين ، وقال إن الوزارة تابعت واقعة الاعتداء على المتظاهرين السلميين مساء الأربعاء من قبل مجموعة مسلحة باستخدامها أسلحتها وإطلاقها للأعيرة النارية بشكل عشوائي واستخدام الرشاشات والمدافع وكذلك خطف بعض المتظاهرين وإخفائهم قسرًا والتسبب في حالة من الذعر بين المواطنين وتهديد الأمن .
وأضاف أن وزارته رصدت تلك المجموعات المسلحة وتبعيتها والجهات الرسمية المسؤولة عنها ، وأنها مستعدة تمام الاستعداد لحماية المدنيين العُزّل من بطش ما وصفها بمجموعة من الغوغاء الذين لا يحترمون دماء وأعراض الأبرياء من المتظاهرين السلميين.وحذرت داخلية الوفاق في بيانها الموقع من قبل باشاغا «المجموعات المسلحة من محاولة المساس بحياة المتظاهرين أو تعريضهم للترويع أو حجز الحرية بالمخالفة للقانون » وأكدت أنها «قد تضطر إلى استعمال القوة لحماية المدنيين وإننا على ذلك لقادرون وفق واجباتنا الأخلاقية والوطنية والقانونية تجاه الشعب الليبي » وفق نص البيان.
وجاء في آخر البيان « بيان وبلاغ لمن لديه بقية من رشد ووطنية فلا شرعية لمن يمتهن كرامة المواطن ولن نسمح بتاتاً بإهدار دماء الليبيين أو التفريط في حماية حقوقهم الدستورية في التظاهر السلمي وفق القانون»وكان عدد من منتسبي وزارة الداخلية ، بمن فيهم عناصر مكافحة الشغب ، قد انضموا الى المحتجين في ساحة الشهداء بالعاصمة طرابلس ، معبرين عن تضامنهم مع الحراك الشعبي الداعي الى الإطاحة بحكومة السراج وطرد المحتلين الأتراك والمرتزقة الأجانب وتوفير الخدمات الضرورية للسكان المحليين وإطلاق سراح المعتقلين والمختطفين من قبل الميلشيات.
واكدت مصادر مقربة من المجلس الرئاسي لموقع «بوابة افريقيا الاخبارية » ان التشكيلات المنضوية تحت القوة المشتركة التابعة للمجلس قد احبطت الجمعة محاولة إنقلاب على الشرعية من قبل وزير الداخلية فتحي باشاغا و رئيس مجلس الدولة خالد المشري  .
واعتبر ناشطون أن بيان باشاغا جاء في إطار الصراع السياسي والجهوي ومحاولة باشاغا الاستفادة من الحراك الشعبي في حربه ضد السراج ، وهي الحرب التي انطلقت منذ فترة حول النفوذ بالعاصمة ، وخاصة في ظل الإستعدادات لعقد مؤتمر الصخيرات 2 و الإتجاه نحو تشكيل حكومة جديدة على ضوء مخرجات مؤتمر برلين وإعلان القاهرة ، ورغبة قوى مصراتة في أن يكون رئيس الحكومة القادمة من بين مرشحيها وأبرزهم باشاغا صاحب الحظوظ الأوفر في مواجهة منافسه أحمد معيتيقوتدعم جماعة الإخوان هذا الإتجاه ، وترى في إستبعاد السراج مجالا أوسع لتكون صاحب الحضور الأهم خلال الحوار السياسي المنتظر ، متحالفة في ذلك مع باشاغا ، ومع ميلشيات مصراتة ذات النزعة الجهوية ،فيما لا يجد السراج من داعم غير ميلشيات طرابلس التي رحبت بقراراته ليوم أول أمس الجمعة ، حيث جددت قوة حماية طرابلس «التزامها التام» بتعليمات المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق بشأن ضبط الأمن وحماية الوطن والمواطن، واصفة قرارات المجلس الأخيرة بـ«الجريئة»، معتبرة أنها تؤكد «قوة السلطة الشرعية، وأنه لا أحد فوق القانون».
وأكدت القوة في بيان، تمسكها «بالثوابت الوطنية وبوحدة التراب الليبي، ومدنية ليبيا ووحدتها»، رافضة «التدخل الخارجي في شؤون دولتنا مهما كانت طبيعة هذا التدخل ومن أية دولة كانت عربية أم أجنبية ، فليبيا لليبيين فقط، وهم أخوة في هذا الوطن مهما كانت الظروف».وطالب البيان الشعب والحكومة والمسؤولين بالاستمرار في محاربة الفساد والفاسدين، مؤكدًا التزام القوة «بأداء دورها التاريخي النابع من مسؤوليتها الوطنية في حماية البلاد والشعب».و كانت القوة التي تتكون من تسع ميلشيات محلية بطرابلس ، إتهمت سابقا وزير الداخلية فتحي باشاغا والإخوان المسلمين بالسعي نحو الحكم بأي طريقة.
واعتبر عضو مجلس الدولة الإستشاري وعضو المؤتمر العام منذ عام 2012 عبد الرحمن الشاطر، أنّ أمام فائز السراج مهامّ صعبة بعد خروج المظاهرات ،و قال في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”: “عرفناه بطيء الحركة وغير قادر على اتخاذ القرار الجريء في وقته، التردد يلازمه مذ عرفناه رئيسًا ومن المستبعد أن يتخلى عنه، انتظروا وعودًا وليس قرارات”.
بدوره وصف المستشار السابق في مجلس الدولة الاستشاريّ صلاح البكّوش قرار إيقاف وزير داخلية الوفاق فتحي باشاغا بأنه أمر مهمٌّ وقرار شجاع من فائز السراج وإن جاء متأخرًا.
وأضاف أنّ تحرّكات باشاآغا خارج صلاحياته وتجاوزه لاختصاصاته أمر مستفزٌّ لا يمكن القبول به في دولة المؤسسات التي ينادى بها.وفي مصراتة ، خرج مؤيدون لباشاغا في مسيرة ليلية ، لإعلان رفضهم قرارات رئيس المجلس الرئاسي ، وشددوا في بيان  على ضرورة أن يكون التحقيق مع باشاغا علنيا ، ،على أن يقدم السراج الأسباب التي اتخذ قراره بناءا عليها.وطالب أهالي مصراتة في البيان، مجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، والمجلس الرئاسي، بتشكيل حكومة أزمة مصغرة وتغيير كل الوزراء، وإخراج الحكومة من طرابلس إلى أي مدينة أخرى ، مشيرين الى أن السراج غض طرفه عن مطالب المتظاهرين السلميين المنادين بحقهم في ضروريات الحياة الأساسية، وبدلا من التغيير الكامل للوزراء، فوجئنا بتغيير انتقائي لوزير الداخلية الذي نادى بحق المتظاهرين في التعبير.
ودعا جلال القبي الناشط السياسي الموالي لحكومة فائز السراج إلى الخروج في مظاهرة ضد قرار فائز السراج بإيقاف فتحي باشاغا وزير داخليته، فيما قال عاطف بالرقيق، القيادي في مليشيا ثوار طرابلس والمقيم بتركيا،أن السراج  بهذه الطريقة خسر رجال الأمن والشرطة وخسر مصراتة وفرق قوات رجال البركان وزاد حنق المتظاهرين واستفزهم يشكل كبير ، وفق تعبيوهوأبرزت صحيفة لوروبوبليكا الإيطالية في تقرير لها السبت أنه ، و “بعد أيام من التوترات، تم إيقاف رئيس الداخلية القوي من قبل المجلس الرئاسي، بينما كان في طريقه إلى تركيا. لقد حاول فرض النظام بين الميليشيات، التي أطلقت الألعاب النارية أثناء الليل احتفالاً بإيقافه. باشاغا يضع نفسه قيد التحقيق”.وأضافت : “انفجر الصدام داخل حكومة الوفاق في طرابلس، بين رئيس الوزراء فايز السراج، ووزير الداخلية القوي فتحي باشاغا بشكل مثير. وأصدر السراج، مساء الجمعة، قرارا بإيقاف الوزير باشاغا عن العمل، بعد التشاور مع أعضاء المجلس الرئاسي، بمن فيهم نائب الرئيس أحمد معيتيق من مدينة مصراته، منافس باشاغا” وإعتبرت: “ أن السراج، الذي كان يراقب بلا حول ولا قوة، ازدياد الوزن السياسي لمنافسه باشاغا، أخذ المبادرة لوضع وزير داخليته  تحت النيران، متهما إياه بعدم التمكن من إدارة الميدان.
كما زعمت مصادر مقربة من المجلس الرئاسي، أن باشاغا أشعل بعض الاحتجاجات الشعبية”.وأكدت الصحيفة أن باشاغا هو رجل تركيا وقطر القوي في طرابلس ، وصاحب العلاقات الوطيدة مع المخابرات الأمريكية والبريطانية ، وأضافت : “سيكون للصراع بين السراج وباشاغا أثر فوري، يتمثل في إضعاف حكومة الوفاق، وإبطاء جهود تهدئة البلاد بشكل أكبر، ويُعقّد بشكل خاص عمل تركيا، التي اعتمدت على السراج وباشاغا للحفاظ على دورها الحاسم في طرابلس”وعلى الصعيد الدولي ، قالت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، السبت، إن ليبيا “بحاجة ملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة، لتلبية تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم، وإلى الكرامة والسلام” ، وأوضخت في بيان لها  أن ليبيا تشهد “تحولا لافتا في الأحداث، يؤكد الحاجة الملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة من شأنها أن تلبي تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم”.وحثت البعثة على الهدوء وتطبيق سيادة القانون والحفاظ على حقوق جميع المواطنين في التعبير السلمي عن آرائهم، في إشارة إلى قمع ميليشيات طرابلس للتظاهرات السلمية التي شارك فيها المواطنون، احتجاجا على سوء الأوضاع المعيشية.
وأعربت الولايات المتحدة الأمريكية،ن دعمها لسيادة القانون، مؤكدة أنها تقدر الشراكات الوثيقة مع رئيس حكومة الوفاق، فائز السراج، ووزير الداخلية فتحي باشاغا، وذلك على خلفية إيقاف الأخير عن العمل احتياطيًا وإحالته للتحقيق الإداري من قبل المجلس الرئاسي.وحثّت الولايات المتحدة، في تغريدة لسفارتها في ليبيا على تويتر، على التعاون من أجل توفير الحكم الرشيد للشعب الليبي.
ومن جانبها دعت السفارة الألمانية لدى ليبيا القادة الليبيين إلى التصرف بحذر واحترام الحقوق الأساسية للمواطنينوقال سفير ألمانيا لدى ليبيا  أوليفر أوفتشا أن بلاده ندعو “إلى الاعتدال واحترام الحقوق الأساسية” مضيفة “يجب على القادة الليبيين التصرف بحذر واغتنام الفرصة التي أتاحتها إعلانات 21 أغسطس لتحقيق تقدم ملموس نحو وقف إطلاق النار واستئناف إنتاج النفط”.وأعاد السفير نشر بيان بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والذي جرى خلاله التأكيد على أن ليبيا تشهد تحولاً لافتًا في الأحداث يؤكد الحاجة الملحة للعودة إلى عملية سياسية شاملة ومتكاملة من شأنها أن تلبي تطلعات الشعب الليبي إلى حكومة تمثله بشكل ملائم، كما وإلى الكرامة والسلام.
ويخشى المراقبون أن يتجه الوضع الى مزيد من التأزم في ظل الإعلان أمس عن إتجاه ميلشيات من مصراتة الى طرابلس ، وهو ما سبق التحذير منه بسبب ترجيحات بغزو جديد من قبل ميلشيات مصراتة للعاصمة كما حدث في سابقا في أكثر من مناسبة ، وخاصة في عملية فجر ليبيا العام 2014 ، والتي كان باشاغا أحد أبرز عرابيهاويوم السبت عاد باشاغا الى طرابلس ليجد مئات السيارات المسلحة وعشرات من أمراء الحرب في إنتظاره ، ليستعرضوا أمامه قوة الولاء لشخصه والدعم لموقفه ، وفي مصراتة إرتفعت الأصوات الداعية لنصرة رجل المدينة الأول المؤهل وفق تعبيرها لقيادة البلاد خلال المرحلة ،عاد باشاغا ليتحدى السراج في عقر داره ، وهو المعتمد على قدرات ميلشياته ،وعلى علاقاته الخارجية مع قطر وتركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا ، الأمر يتعلق برغبة في إفتكاك المنصب خلال المرحلة القادمة ، وبالإنتصار لجملةمن الأهداف التي يجتمع عليها مع الإخوان وأمراء الحرب والزعماء الجهويين لمصراتة وقادة الميلشيات الذين يرون فيه زميلا ومشاركا فاعلا في أحداث فبراير عندما رئيس جهاز جمع الإحداثيات ونقلها الى الناتو