برهان هلاك*

 عادت مجلة لوبوان الفرنسية، إلى ستين عاماً خلت، كي تعيد رواية قصة الإنقلاب الذي نفذه بعض الجنرالات الفرنسيين الرافضين للقرار الفرنسي بمنح الجزائر إستقلالها وقيامهم بالسيطرة على الجزائر العاصمة بتاريخ الحادي والعشرين من أبريل من سنة 1961 في تحد لسلطة الجنرال ديغول الماسك بزمام السلطة آنذاك.  يُستهلّ التقرير بتحديد الإطار الزمني لهذا الانقلاب وملابسات الأحداث إذ يشير إلى ما قام أربعة جنرالات معارضين لإستقلال الجزائر بإثارته من تمرّد و استيلاءهم على الجزائر العاصمة بفيالق و مظلّيين في تحد للجنرال ديغول الممسك بزمام السلطة آنذاك: تواصل انقلاب الجنرالات موريس شال وإدمون جوهو وأندريه زيلر، بالاشتراك مع الجنرال راؤول سالان الذي انضم إليهم في الثالث والعشرين من أبريل قادما من إسبانيا، لمدة قصيرة (بالكاد خمسة أيام) ليفشل على إثر ذلك.
 
 
ويوضّح التقرير الإرهاصات الأولى للعملية الإنقلابية إذ ينقل سياقات هذا الإنقلاب، فقد اعترف ديغول بحق الجزائريين في تقرير مصيرهم في 16 سبتمبر 1959، وفي 8 يناير 1961، صوّت الفرنسيون بنسبة 75٪ لصالح استفتاء يمهد طريق الإستقلال لدولة تمثل مستعمرة فرنسية. إلا أن هذا الإجراء قد مثل بالنسبة لبعض كوادر الجيش، الذين طغى عليهم الإحساس بالإهانة و الإذلال إثر الهزيمة بالهند الصينية، خيانة لا تطاق تقترفها السلطة التي يجسّدها الجنرال ديغول الذي أصبح رئيسًا للجمهورية، والذي أعلن الجزائر لتوّه، وبالتحديد في 11 أبريل، " دولة ذات سيادة". ويذكّر المقال بأنّ الإنقلابيين الأربع الآنف ذكرهم لن يكونوا وحيدين في هذا الخضم، بل سيتبعهم جنرالات آخرون من ذوي الرتب الأقل شأنا، لكن بدون انخرام تامّ في التسلسل الهرمي العسكري الأعلى وبدون المجنّدين إلزاميا.

حافظوا على الجزائر

يسرد المقال ما جرى بالجزائر العاصمة في الليلة الفاصلة بين 21 و 22 أبريل حيث توجّه فوج المظلات الأول تحت قيادة آمر منطقة سان مارك والمتمركز في" زرالدا " إلى الجزائر العاصمة وسيطر على القصر الصيفي حيث المفوضية العامّة والمباني الرسمية ومراكز الراديو والهاتف والتلغراف؛ كان وسط العاصمة الجزائر مطوّقا بالحواجز عندما تمّ اعتقال المندوب العام للحكومة جان موران ووزير الأشغال العامة روبرت بورون وكذلك الجنرال فرناند جامبيز القائد العام للقوات الفرنسية في الجزائر.

 وفي صباح يوم 22 أبريل، أعلنت وكالة فرانس برس، التي منع الانقلابيون صحافييها من العمل في الجزائر العاصمة منذ ساعات النهار الأولى، حالة الحصار، ثم أفاد بيان صحفي بثّته إذاعة الجزائر أن " الجيش قد استولى على السلطة في الجزائر و الصحراء " ؛ نقلت الوكالة بيانا صادرا عن وزارة الإعلام جاء فيه ما يلي: " إن عدم انضباط بعض القيادات وبعض القوات في الجزائر العاصمة أدّى صباح اليوم إلى وضع السلطات المدنية والعسكرية في وضعية استحالة ممارسة قيادتها، وتبقى الأوضاع هادئة في بقية المناطق بالجزائر. وقد اتّخذت الحكومة الإجراءات اللازمة الليلة الماضية والتي ستنشر في وقت لاحق اليوم ".

يسترسل التقرير في سرد الأحداث المتتالية في تلك الأيام ليورد النداء الذي أطلقه الجنرال " شال " بالجزائر العاصمة و الذي جاء فيه: " لقد ضمن الجيش السيطرة على الأراضي الصحراوية الجزائرية، وقد تمّت العملية وفقًا للخطة التي تم وضعها. أنا في الجزائر العاصمة مع الجنرال زيلر وجوهو، و في تنسيق مع الجنرال سالان، من أجل الوفاء بقسمنا: أن نحافظ على الجزائر ".كما أعلن الجنرال " زيلر " حالة الحصار بثلاث عشرة مقاطعة فرنسية في إفريقيا، بينما وضع الجنرال بيير ماري بيغو، آمر المنطقة الخامسة، نفسه تحت أوامر الجنرال " شال ". بعد الظهر، أعلن راديو الجزائر أن وهران في أيدي المتمردين.

رباعيّ الجنرالات

يوضح التقرير في هذا المستوى مجريات الأمور بباريس، حيث أعلن مجلس وزاري إستثنائي حالة الطوارئ عقب المستجدات الخطيرة بالجزائر، و ما كان يجري بالجزائر حيث بدأت أولى الإنشقاقات في معسكر الإنقلابيين بالظهور بعدُ، إذ رفضت القوات البحرية المواصلة في هذا التمرد ليؤجل الجنرالان " بويي " و " غورو "، آمرا منطقتي القطاع الوهراني و قسنطينة، أمر التفاعل مع إعلان المتمردين لإنقلابهم، ليلتحق الجنرال " غورو " بالإنقلاب في اليوم الموالي.

و على الساعة الثامنة مساء من يوم الثالت و العشرين من أبريل أعلن شارل ديغول على موجات البث، و هو يرتدي زيه العسكري، إدانته للإنقلاب و سخر ممّن سمّاهم " رباعي جنرالات متقاعدين " و " مجموعة من الضباط الحزبيين الطموحين والمتعصبين "، حيث قال، محزونا مما حدث: " "أمنع أي فرنسي، وقبل كل شيء، أي جندي من تنفيذ أي أمر من أوامرهم " مؤكدا أن الإنقلاب صادر عن رجال " واجبهم وشرفهم وسبب وجودهم هو الخدمة و الطّاعة ".كما أعلن عن تطبيق المادة 16 من الدستور الفرنسي التي تمنحه صلاحيات كاملة. ليتدخل على إثر ذلك رئيس الوزراء، ميشال دوبري، قائلا: " الطائرات جاهزة لإسقاط المظليين في المطارات المختلفة من أجل الاستعداد لاسترجاع السلطة (...) " و مطالبا الجميع بـ " الذهاب إلى هناك سيرا على الأقدام أو على متن السيارات بمجرد أن يسمعوا دوي صفارات الإنذار حتى يقنعوا جنودا مخدوعين بخطأ جسيم قد ارتكبوه بما أتوه من فعل مشين ".

التبدّد والتشتت

يخبّر التقرير في هذا السياق عن مآلات الحركة الإنقلابية حيث عزلت باريس " شال " و " سالان " و " جوهو " و " زيلر " بالإضافة إلى كلّ من الكولونيل " غودار " و " أرغو " و " بروزا " و " غارد ". وأما عن الوضع في الجزائر فقد كان المجنّدون يضاعفون من مجهودات مقاومة التمرّد بتشويش الإتصالات و تخريب المركبات و مستودعات البنزين، و أفضى الأمر إلى إستعادة قوات الدرك لسيطرتها على الجزائر العاصمة. وفي 25 أبريل، لجأت فيالق المظليين إلى مخيم زرالدا الذي غادرته في 27 أبريل، ليتمّ على إثر ذلك حلّ وحدتهم، و لتسيطر الحكومة على إذاعة الجزائر، و بذلك يكون التمرد قد انتهى.
 
و أما عن مصير قادة الإنقلاب فيذكر التقرير أن إثنين من الانقلابيين، و هما الجنرالان " موريس شال " و " أندريه زيلر "، فقد تم سجنهما، و أما الجنرالان " إدموند جوهو" و "راؤول سالان" فقد توجها للعمل السري في رئاسة " منظمة الجيش السري OAS ". يُختتم التقرير بالإشارة إلى الحكم الصادر في حق الجنرالين "شال" و"زيلر" بالسجن لمدة خمسة عشر سنة، و أما الجنرالان " جوهو " و "سالان "، الصادر بحقهما حكم غيابي بالإعدام، فسيُخفّفُ الحكم الصادر بشأنهما إلى السجن المؤبد في عام 1962 من قبل الجنرال ديغول، و سيُمنحون جميعاً عفوا عام 1968، أي بعد ست سنوات من استقلال الجزائر.

*صحافي تونسي