كان الجو خانقا جدا، الحر شديد والغبار يعلو ويهبط في شوارع مدينة بنغازي، وما إن وصلت إلى طريقي المعتاد خلف مقبرة سيدي اعبيد حتى ازداد الجو شحوبا واختناقا، وباتت الرؤية مستحيلة كان الدخان يخرج في زوبعات كبيرة تحملها الرياح القوية إلى عمارات السبخة المنطقة السكنية غير البعيدة من المكان، وكانت هناك كومة كبيرة من القمامة تم اضرام النار بها، وللوهلة الأولى ستظن أن هذا الحريق لانهاية له مع بداية هذا اليوم الحار جدا.

في هذا المكان تحديدا يوجد مكب القمامة المرحلي منطقة الصابري، نزلتُ من السيارة للاطلاع عن كثب، والبحث عن إجابة لما يحدث داخل المكب، التقيت بمشرف الموقع الذي رفض ذكر اسمه حيث قال عن تراكم القمامة بهذا الشكل: انت تعرفين السبب فنقص "النافتة" جعل من المستحيل نقل القمامة بانتظام، ولكن الشركة المسئولة قامت بتوفيرها اليوم ونحن بدأنا في نقلها الى المكب العام في منطقة قنفودة.وعن حرق القمامة يقول: بالتأكيد لسنا نحن من نقوم بذلك، فنحن متضررون مثلنا مثل باقي الناس، ويضيف أن من يقوم بحرق القمامة هم مواطنون عاديون ربما عن طريق رمي عقب سيجارة، ونحن لا نستطيع منعهم من الدخول إلى المكب فعلى حد قولهم هم يسترزقون منه.
ويشير إلى إنهم قاموا باستدعاء رجال الدفاع المدني من أجل إطفاء الحريق، كي نستطيع نقله إلى المكب العام، غير أن الإطفاء عند وصولهم وجدوا أن هناك عطل في أنبوب الماء ومع ذلك قاموا بإخماد ما استطاعوا الوصول اليه.
في طريق الخروج من المكب التقيت عضو الحرس البلدي المشرف على الموقع الذي رفض أيضا الإفصاح عن اسمه حيث قال عن اشعال الحرائق إن من يقوم بذلك هم " الناس اللي تلقط" بمعنى الذين يبحثون عن النحاس والخردة وسط القمامة، ويقومون بإشعال الحرائق من أجل التخفيف من القمامة وبقاء ما يبحثون عنه واضحا، وانت تعرفين بأن القمامة ابسط شرارة تؤثر بها، ويضيف بانه لا يستطيع منعهم من الدخول إلى المكب لأنهم يسترزقون منه.
وصلتُ السيارة ودخلت في نوبة سعال متواصلة من شدة الدخان على الرغم من إنني ارتدي الكمامة فماذا يفعل من يستنشقها بشكل يومي، وماهي خطورتها؟

يقول أستاذ الهندسة البيئية بكلية الهندسة جامعة بنغازي الدكتور فرج المبروك: بطبيعة الحال القمامة تحتاج إلى إدارة تبدأ من جمعها من أمام البيت، مرورا بنقلها، وفصل مكوناتها، وفرزها للاستفادة من مكوناتها المتمثلة في البلاستيك، والزجاج والمواد العضوية، والتي عادة تتم في مناطق التجميع المرحلية، ثم بعد ذلك يتم نقل المواد التي ليست لها فائدة إلى المكبات النهائية، وهي كمية بسيطة، لأن معظم مكونات القمامة تم فرزها.لكن الوضع الحالي هو نقل كل المخلفات المنزلية، والطبية الخطرة إلى المكبات العشوائية، المنتشرة في المدينة والتي تعتبر مصدر آخر التلوث والتي يجب قفلها، وقد قدمنا عدة مقترحات للمسئولين بشان التغلب على مشكلة القمامة في المدينة، ولكن للأسف يبدو أن مشكلة القمامة ليست من الأولويات في أجندتهم.

و عن دور الهيأة العامة للبيئة ببنغازي  ، ورأيها في إقامة هذا المكبات  التقينا بمدير الهيأة العامة للبيئة بنغازي المهندس وليد الهلالي حيث استهل حديثه بتعريف المكب قائلا: الاسم  الصحيح له هو مكان تجميع مرحلي ، وهو اختيار مكان مناسب تتوافر فيه مواصفات فنية بيئية معينة لجعله مكان تجمع للقمامة ومن ثم نقلها للمكب العمومي ، و الفائدة المرجوة عادة من إنشاء هذا المكان بدل ما تذهب السيارات الصغيرة الخاصة بنقل القمامة من أمام البيوت إلى المكب العام  قرابة 25 كيلو غرب بنغازي ، و تقوم هذه السيارات برحلتين ، و هذه السيارات تسبب أولا ازدحام بحركة السير في الطرقات ، لأنهن كلهن يعملن في ذات الوقت ،  و أيضا تقلل من استهلاك الوقود ، أيضا استخدام هذه السيارات تلوث البيئة نتيجة لاحتراق الكربون ، استهلاك قطع غيار السيارات و تصبح فيما بعد مخلفات ، و كذلك الإطارات ، و استهلاك الوقت ، و هناك نقطة مهمة ألا وهي إن نقل القمامة كل يوم الى المكب المرحلي يجعل الشوارع نظيفة .

 و عليه نتمنى ان الناس تفهم هذه المنطقة و تخرج قمامتها في الموعد المحدد، و نتمنى من الشركات القائمة على أنشاء هذه المكبات ان تقوم بعملية الفرز في المكب ذاته بمعنى أن نعزل المواد التي يمكن إعادة تدويرها ، اعادة استخدامها من جديد و تبقى المواد العضوية ، و نتمنى أيضا أن يقام أحد المشاريع الاستثمارية التي تهدف إلى الاستفادة منها كسماد عضوي ، و توضع باقي القمامة في سيارات كبيرة ضاغطة مخصصة لذلك ، ضروري جدا أن تكون مغلقة .وعن مواصفات المكب المرحلي يقول:
من الضروري أن يتم نقل القمامة فيه باستمرار، وألا تبقى القمامة إلى ثاني يوم، موقع مناسب فمثلا لا تأتي في مكان قيمته الاقتصادية كبيرة وتقوم بعمل مكب به، ولابد أن يكون سهل الوصول وليس مكان معقد، ولا يسبب تلوث للمياه، ولا يوجد في مكان سياحي، ولكن لو تم تطبيق المواصفات الصحيحة للمكب يمكن إقامته حتى في حديقة منزل فهناك مكان تجميع مرحلي في تونس بينه وبين البيوت سور، ولكن لا تشم الراحة ولا تتضايق من كون المكب أمامك، لأنه بكامل المواصفات الصحيحة.
هل لديكم الصلاحية كهيأة عامة للبيئة، أن تقدموا تقرير إلى البلدية بعدم صلاحية هذه المكبات؟
نعم نحن لدينا صلاحية لذلك، وهو يقع في صلب عملنا وتخصصنا، أيضا نحن نقوم بعمل تقارير ميدانية حول أي شيء يتعلق بالبيئة في المدينة، وسوف نقوم بزيارات ميدانية لهذه الأماكن، ولكن نحن في الوقت الحالي تحكمنا الإمكانيات التي نعمل بها في الهيأة فنحن لا نملك حتى مقر.
ما هي عيوب هذه المكبات؟
إذا لم يتم تطبيق المواصفات الفنية والبيئية عليها سوف تكون مرتعا للقوارض، إضافة إلى الضوضاء التي تحدثها السيارات، وهناك فرق مهم بين استخدام جرافة لنقل القمامة للشاحنة من على الأرض وبين وضع القمامة في حاويات يتم نقلها للشاحنة الكبيرة فيما بعد، وستظل العصارة عالقة بالأرض وتجلب الحشرات.