تحدث الصحفي والسياسي الليبي الدكتور مصطفى الفيتوري عن أخر تطورات ملف قضية لوكربي التي اتهمت ليبيا زورا بتمويلها، والمافجأة التي فجرها الدكتور الفيتوري في مقاله بـ " ميدل إيست مونيتور" تتعلق بإلغاء حكومة الوفاق الوطني لتمويل فريق الدفاع الذي يسعى لتبرأة اسم البلاد، وتساءل الفيتوري متعجبا لماذا تقدم حكومة طرابلس على هذه الخطوة؟.  

وقال الفيتوري المدان الوحيد في تفجير لوكربي هو على بعد خطوة واحدة من إلغاء حكم إدانته ولكن بعد وفاته. وتوفي عبد الباسط المقرحي في منزله بطرابلس في 21 مايو 2012 وظل يؤكد على براءته حتى أنفاسه الأخيرة. وسمحت لجنة مراجعة القضايا الجنائية الاسكتلندية لأسرة المقرحي بالمضي قدمًا في استئناف لتبرئة اسمه. تم إرسال القضية إلى محكمة العدل العليا -أعلى محكمة جنائية في اسكتلندا- ومن المقرر أن يبدأ موعد الجلسة النهائية في 24 نوفمبر.

ويقود علي –ابن المقرحي البالغ من العمر 27 عامًا- معركة العائلة الطويلة والشاقة لتبرئة اسم والده متأكد من أن العدالة ستسود هذه المرة وأن حكم والده الراحل سينقض. وأثناء محادثة هاتفية في طرابلس أكد لي "بالتأكيد سيتم تبرأة اسم والدي هذه المرة".

ومحامي الأسرة عامر أنور المحامي الاسكتلندي المتميز الذي تطوع لتولي القضية في سلسلة من الرسائل الإلكترونية التي تم إرسالها إلي بثقة: "لدينا أستئناف قوي".

ويبدو الفوز هذه المرة مؤكدًا. ويتفق البروفسور روبرت بلاك العقل الذي يقف وراء إنشاء أول محكمة لوكربي في هولندا في مايو 2000 مع هذا التحليل. ويعتقد أن المحكمة الاسكتلندية "ستلغي الحكم" ضد المقرحي، ولكن أسس الطعن ستكون ضيقة لأن المدعي العام "يحجب مواد" عن فريق الدفاع كان من الممكن أن تساعد في إثبات براءة المقرحي منذ البداية. ويشعر البروفيسور بلاك "بخيبة أمل" ويتخوف من أن المحكمة قد لا تتوصل للأمر البديهي بأنه "لا توجد محكمة عقلانية يمكن أن تدين المقرحي". وأضاف "آمل أن أكون مخطئًا بشأن هذا" مما سيعيد بعضًا من سمعة القضاء الاسكتلندي التي شوهتها قضية لوكربي وتداعياتها.

أصبح تفجير لوكربي منذ عام 1988 مرادفًا سلبًا لليبيا والقذافي وسكانها بالكامل. ورفض القذافي  -إيمانا راسخا ببراءتهم- تسليم مواطنيه المتهمين لامين فهيمة وعبد الباسط المقرحي لمحاكمتهم في المملكة المتحدة. أدى ذلك إلى اعتماد الأمم المتحدة سلسلة من قرارات العقوبات بما في ذلك القرار 731 الذي صدر في 21 مارس 1992 مع إجراءات عقابية اقتصادية وسياسية قاسية لم تعزل ليبيا فحسب، بل جعلت الحياة صعبة للغاية على جميع سكانها.

والاعتقاد الراسخ بأن القذافي كان وراء الهجوم لا يزال يتردد في وسائل الإعلام الغربية السائدة ، على الرغم من ظهور أدلة متزايدة تنقض ذلك على مر السنين.

والآن يمكن الكشف عن أن حكومة الوفاق الليبية -السلطة الوحيدة المعترف بها من قبل الأمم المتحدة في البلاد- تريد الوحل أن يستمر في التمسك بالقذافي وليبيا وشعبها أيضًا. حكومة الوفاق الوطني ليست متحمسة لهذا التطور الأخير. وقطعت حكومة الوفاق الوطني بشكل غير قانوني تمويل القضية على مدى السنوات الثلاث الماضية.

ويشعر علي ابن المقرحي ومحامي الأسرة بالحيرة إزاء دافع   قطع حكومة الوفاق التمويل في هذه اللحظة الحاسمة للقضية في حين أن الفوز يبدو شبه مؤكد.

ولا يستبعد المحامي أنور الافتراض القائل بأن حكومة الوفاق تعرضت لضغوط من كل من بريطانيا والولايات المتحدة للابتعاد عن القضية. وصرح أنور لطالما كان السرد البريطاني والأمريكي لمأساة لوكربي هو أن ليبيا مسؤولة و "يجب الحفاظ على هذه الرواية".

ومع ذلك فإن تعليق التمويل ومحاولة بقاء تشويه تبقى أعمق بكثير داخل حكومة الوفاق الوطني  حيث يتفشى الفساد. أوضح مستشار اسكتلندي للفريق القانوني تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته "أعتقد أن التمويل لا يزال مدرجًا في الميزانية، لكن الأموال تختفي قبل الوصول إلى وجهتها النهائية المقصودة".

وعلى الرغم من أنه كتب عدة مرات إلى حكومة الوفاق لاستئناف التمويل للوفاء بالرسوم القانونية المتصاعدة، لم يتلق أنور أي ردود إلا قبل بضعة أشهر، عندما تم إبلاغ مستشاره أن حكومة الوفاق لم تتلق أي رسائل تتعلق بتمويل القضية.

لكن المستشارة تعارض ذلك بشدة، مؤكدة أنها سلمت الملف "شخصيًا" إلى "أعلى مسؤول في حكومة الوفاق الوطني" في اجتماع عقد في ديسمبر 2017 في طرابلس. وعندما سُئلت عما إذا كان "المسؤول الأعلى" تقصد به فايز السراج رئيس وزراء حكومة الوفاق، أجابت "فكر أنت".

ليس من الغريب تمامًا أن تتخذ حكومة الوفاق الوطني مثل هذا الموقف. يعتمد جزء من الشرعية السياسية في ليبيا الجديدة على الادعاء بأن القذافي كان مؤيدًا للإرهاب الدولي وأن تفجير لوكربي كان من أعماله الشريرة أيضًا.

وفي نوفمبر 2019 مثل وزير العدل في حكومة الوفاق الوطني محمد لملوم شخصياً أمام المحكمة الجنائية الدولية ليطلب من سيف الإسلام -نجل القذافي- أن يواجه المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية مما يلحق الضرر بالقضاء الذي من المفترض أن يحميها.  

وفقًا لخبراء قانونيين مختلفين فإن الدولة الليبية ملزمة بمساعدة مواطنيها في الخارج بكل الوسائل الضرورية بما في ذلك من خلال التمويل في حالة القضايا القانونية. وقضية لوكربي هي أكثر بكثير من مجرد قضية صغيرة تخص مواطنًا ليبيًا لكنها تتعلق بالأمة بأكملها وتاريخها وسمعتها. وقال أنور يجب أن ترفع هذه القضية إلى "قضية وطنية" لجميع الليبيين.

في الواقع  يعتبر الليبيون من جميع الأطياف السياسية الآن قضية لوكربي قضية وطنية وأنه يجب على ليبيا مواصلة تمويل الفريق القانوني  تمامًا كما فعلت قبل عام 2011.

خلال عهد القذافي أنشأت الحكومة قنصلية في غلاسكو لمراقبة القضية عن كثب ولمساعدة عائلة المقرحي التي اضطرت للانتقال إلى اسكتلندا لتكون بالقرب من والدها أثناء وجودها في السجن.

وليس من الواضح ما إذا كانت حكومة الوفاق ستفي بالتزاماتها القانونية تجاه مواطنها المقرحي، لكن الفريق القانوني لم يستسلم. لقد شكلوا بالفعل فريق اتصال داخل ليبيا للمتابعة مع السلطات الفوضوية في طرابلس.

وتستعد مجموعة من المتطوعين داخل ليبيا وخارجها لاستكشاف طرق تمويل أخرى إذا استمرت حكومة الوفاق الوطني في رفض الوفاء بالتزاماتها القانونية. على أي حال ستعود سمعة المقرحي وسمعة ليبيا قريبًا.