في العام 1960 حصلت الجمهورية الاسلامية الموريتانية على استقلالها من فرنسا في ظرفية كانت تعيش فيها بلاد شنقيط مخاضا عسيرا بفعل عوامل داخلية منها البداوة وغياب الكوادر البشرية وضعف الموارد الاقتصادية وتحديات خارجية غذتها أطماع الجيران في بلد كان في إرهاصاته الأولى في تلك الايام، ورغم وقوف العديد من الدول العربية مع مشروع الدولة الموريتانية ، إلا ان الجزائر واكبت نهوض الدولة الموريتانية في صمت حتى وقفت على اشدها بشهادة اول رئيس موريتاني.

نحن والجزائر

اختار مؤسس الدولة الموريتانية  "المختار ولد داداه" رحمه الله عنوان "نحن والجزائر" لفصل عريض من مذكراته التي كتبها قبل وفاته عام 2003 وتحدث فيها عن دور الجزائر في بناء موريتانيا . ويقول الرئيس ولد داداه  "إن العلاقات الموريتانية الجزائرية تطورت تطورا كبيرا بعد زيارته  للجزائر عام 1967 حيث نشط التنسيق الديبلوماسي بين البلدين على جميع المستويات الخارجية." وعلى الصعيد الداخلي يقول الرئيس ولد داداه"..تطور التعاون الموريتاني الجزائري بنشوة وحماس حتى سنة 1967 (...) بل إن الجزائر أعانتنا كثيرا".

ثم يتابع الرئيس "ما بين 1967 و1975 كونت الجزائر الكثير من الأطر العليا والمتوسطة المدنية والعسكرية وهذا ما يفسر أن أكبر جالية طلابية عندنا في الخارج كانت في الجزائر (..) وكانوا كلهم تقريبا ممنوحين من طرف الحكومة الجزائرية..وعلى الرغم من أن الجزائر كانت تعاني نقصا في الأساتذة والأطباء فإن ذلك لم يمنعها من إيثارنا ببعضهم فضلا عن البعثات الفنية وبعثات المساعدة الدائمة".

ويضيف الرئيس "ما كان لإنشاء العملة الوطنية والبنك المركزي ،في 1973م، أن يتحققا في الظروف الجيدة التي تما فيها لولا العون النفيس الذي قدمته لنا السلطات المصرفية الجزائرية ..وفي هذا المجال أثبتت السلطات الجزائرية كثيرا من التضامن والاستعداد والنجاعة".

وللجزائر الفضل في انتماء موريتانيا للجامعة العربية ،حيث يقول الرئيس الراحل "فيما يتعلق بانتماء موريتانيا للجامعة العربية نذكر للأمانة التاريخية ،أن السيد بومدين قام بالكثير من الجهود ليتم هذا الانتساب في أكثر الظروف علنية حيث حرص الرئيس بومدين خلال رئاسته للقمة العربية على الإعلان عن تبنى هذه العضوية في قمة الجزائر بدل أن تقبل هذه العضوية على مستوى أخفض أي على مستوى وزراء الخارجية وفقا للعادة المتبعة".

وبخصوص تأميم مناجم الحديد "ميفرما" الذي كان أكبر قرار سيادي تتخذها موريتانيا بعد الاستقلال يذكر الرئيس المختار ولد داداه في مذكراته أن الزعيم الجزائري هواري بومدين كان أول المطلعين على قرار التأميم حيث قدم له نصائح بالتروي خوفا من ردة الفعل الفرنسية.

وقال "إن فرنسا قادرة  على القيام بأي شيء بما في ذلك الإطاحة بالنظام الوليد، إذا ما مست مصالحهم، مؤكدا أن الجزائر تضع كافة إمكانياتها تحت تصرف موريتانيا فيما إذا تعرضت لمضايقات فرنسية". 

ولم يستبعد المختار ولد داداه احتلال فرنسا لمدينتي ازويرات ونواذيبو ،وعلى الفور أكد له الرئيس بومدين أنه سيتخذ ما يلزم من الإجراءات الضرورية. وعندها تم الاتفاق على وضع وحدات من الجيش الجزائري في حالة تأهب يوم الإعلان عن قرار التأميم في الثامن والعشرين نوفمبر 1974م، وهي جاهزة للتدخل عند أول نداء للرئيس المختار ولد داداه."

 فتور حرب الصحراء ..  سحابة صيف

شهدت العلاقات الموريتانية الجزائرية عام 1976 وهو تاريخ بدء حرب الصحراء بين المغرب وموريتانيا من جهة وجبهة البوليساريو فتورا أشبه بسحابة الصيف العابرة حيث عادت علاقة البلدين الى سابق عهدها بعد اعلان موريتانيا الحياد من مابات يعرف لحظتها بملف البوليساريو.

الجزائر شريك استراتيجي  مهم لموريتانيا

بعد ذلك التاريخ تولت الجزائر على عاتقها تكوين وتأطير الاف الطلبة الموريتانيين في مختلف التخصصات ,وتمثل ذلك في فتح ابواب الجامعات والمعاهد الجزائرية أمام الطلاب الموريتانيين مع التكفل بهم طيلة فترة الدراسة ،ولم تكتف الجزائر عند هذا الحد بل استثمرت ملايين الدولارات في اول منشأة نفطية موريتانية ممولة من طرف الجزائر في مدينة نواذيبو العاصمة الاقتصادية لموريتانيا ،كما مولت الجزائر أول مصنع للسكر في موريتانيا. بعد ذلك توالت المنح المالية التي قدمتها الجزائر لموريتانيا على شكل هبات ومساعدات ومنح غذائية.

التعاون العسكري

في المجال العسكري تضطلع الجزائر  منذ سنوات بمسؤولية تدريب قوات النخبة الموريتانية  ،حيث قلما يوجد ضابط في موريتانيا الا وتدرب في الجزائر، ورغم ان البلدان لايفصحان كثيرا عن تعاونهما العسكري لأسباب أمنية واستراتيجية  ,الا ان كل الموريتانيين يدركون جيدا دور الجزائر في تقوية مؤسستهم العسكرية ماديا ومعنويا وعلى كل الاصعدة.

علاقات البلدين في عهد بوتفليقة

على درب جميع الرؤساء الجزائريين سار الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة ، وهو درب اعتبر موريتانيا بلدا تأخذ الجزائر على عاتقها منذ استقلالها النهوض به ،حيث قرر في نهاية عهدته الثالثة اعفاء موريتانيا من جميع ديونها في سابقة هي الاولي من نوعها ،ورغم ان الاعلام الرسمي الموريتاني تجاهل هذا الحدث بناء علي طلب  من بوتفليقة الذي اعتبر تلك الهبة ليست للاستهلاك الاعلامي .


معبر حدودي طال انتظاره

في التاسع  عشر أغسطس 2018 أعلنت الجزائر وموريتانيا، رسميا  فتح أول معبر حدودي بري بينهما منذ استقلال الدولتين، بهدف زيادة التبادل التجاري وتنقل الأشخاص وتعزيز التعاون الأمني بين البلدين.

وقال الجزائر لحظتها إن هذا  المعبر الحدودي كلفها مليار و150 مليون دينار (حوالى 8.5 مليون يورو)، موضحة أنه "مكون من 49 وحدة من البناء الجاهز بينها 46 مكتبا مخصصا للقيام بإجراءات الدخول والخروج من الجزائر وموريتانيا.

وقال وزير الداخلية الجزائري نور الدين بدوي، بعد تدشين المعبر: "ننتظر الكثير من هذا المعبر الحدودي لا سيما لبعث حركية اقتصادية وتجارية جديدة، خدمة للطموحات الاقتصادية والاجتماعية للشعبين.