مع تزايد المبادرات الدبلوماسية الموجهة لتسوية الأزمة اللبيبة، وأخرها المبادرة الفرنسية التي قادها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون والتي جمعت بين رئيس حكمومة الوفاق الوطني فايز السراج، و المشير خليفة حفتر،تسعى الجزائر جاهدة للبحث عن دور أكثر فاعلية لها في الملف الليبي الشائك.

ورغم أنها نأت بنفسها منذ البداية عنها عملا بمبدأ الحياد وعدم التدخل في شؤون الغير،بدأت الجزائر تأخذ دورا متناميا في الأزمة الليبية.فتدهور الأوضاع في الدولة المجاورة عزز شكوك الجزائر، وأقحمها في الجهود المبذولة هنا وهناك من أجل إيجاد حل سياسي، بعد اندلاع صراع بين مختلف الأطراف التي أضحت تشكل المعادلة السياسية والعسكرية والأمنية في ليبيا.

وتتجلى المساعي الجزائرية في التحركات الحثيثة والجولات المكوكية التي تقوم بها الدبلوماسية الجزائرية على أكثر من جبهة،والتي بدأها وزير الشؤون الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل بلقاء  مع نظيره السعودي عادل الجبير،الإثنين 31 يوليو 2017،حيث كان الملف الليبي أحد الملفات المطروحة في اللقاء وفق بيان للخارجية الجزائرية.

هذا اللقاء أعقبه لقاء آخر عقده وزير الخارجية الجزائري ونظيره المصري سامح شكري  في القاهرة ،الاربعاء 02 أغسطس 2017،حيث أكد الوزيران على أن الحل السياسي القائم على اتفاق الصخيرات هو الحل الوحيد للأزمة في ليبيا. وحسبما أفاد المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية المصرية أحمد أبو زيد،في بيان صحافي،فإن الجانبين تبادلا خلال اللقاء التقييم حول مستجدات الأزمة الليبية، كما عرضا لنتائج اتصالات بلديهما مع مختلف الأطراف الليبية، حيث أطلع الوزير الجزائري نظيره المصري على نتائج زيارة السراج الأخيرة للجزائر، كما استعرض الوزير شكري الجهود التي قامت بها القاهرة لتقريب وجهات النظر ورأب الصدع بين القيادات الليبية.

من جهته، أكد وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل، أن بلاده مع الحل السياسي في ليبيا، مؤكدا أن الجزائر ومصر وتونس تعمل على التنسيق لحل الأزمة الليبية. وأضاف أنه: "خلال جلسة المباحثات اتفقنا على إنشاء آلية ما بين وزارتي الداخلية المصرية والجزائرية للتنسيق الأمني"، وتابع: "نعمل على التنسيق بين مصر و الجزائر فيما يتعلق بالملف الليبي وخاصة مكافحة الإرهاب"، مشيرا إلى أن "حل الأزمة الليبية لابد أن يكون ليبيا، وننسق ذلك مع مصر وتونس".مؤكدا أن ليبيا تمتلك القدرات لحل الأزمة الحالية دون تدخلات خارجية.

جولة الوزير الجزائري سبقتها زيارة رئيس المجلس الرئاسى الليبى لحكومة الوفاق الوطنى فايز السراج،الى الجزائر، السبت 29 يوليه 2017،حيث التقى الوزير الأول عبد المجيد تبون.و أوضح بيان لوزارة الخارجية أن "هذه الزيارة الجديدة للسيد فايز السراج التي تأتي غداة اللقاء المنظم بسان كلود (فرنسا) تندرج في إطار المشاورات الدائمة  والمنتظمة بين البلدين".

وفي أعقاب لقاء باريس،أفاد بيان لوزارة الشؤون الخارجية،أن وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل أجرى ،الثلاثاء 25 يوليو 2017، مكالمة هاتفية مع وزير الشؤون الخارجية الفرنسي جون ايف لودريان تمحورت خاصة حول نتائج اللقاء الذي جرى بباريس بمبادرة من الرئيس الفرنسي بين رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية فايز السراج والمشير خليفة حفتر.

كما اشار البيان ذاته إلى ان عبد القادر مساهل قد تحادث قبل ذلك مع وزير الشؤون الخارجية الليبي محمد طاهر سيالة الذي سيقوم خلال الايام القليلة المقبلة بزيارة إلى الجزائر.وخلص بيان الخارجية إلى ان السيد مساهل قد "أكد لنظيره الليبي ان الجزائر "ستواصل جهودها من اجل مرافقة الاطراف الليبية في بحثها عن سبل استتباب السلم والاستقرار في ليبيا عبر الحوار الشامل والمصالحة الوطنية".

كما كانت الأزمة الليبية من بين أبرز محاور زيارة وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان إلى الجزائر شهر جويلية الماضي، إذ أكد الدبلوماسي الفرنسي رغبة بلاده في تكثيف التشاور مع الجزائر حول الوضع الليبي، في سياق البحث عن إطار يساعد على حل النزاع.

وتطمح الجزائر إلى لعب دور طلائعي في حلّ الأزمة الليبية والتقريب من وجهات نظر فاعلين أساسيين،وسبق لمساهل أن زار شرق وغرب ليبيا في الفترة ما بين 19 و21 أبريل/نيسان الماضي، وحلّ في عدة مدن منها البيضاء وبنغازي والزنتان ومصراتة وطرابلس، والتقى بعدة شخصيات مهمة، منها رئيس حكومة الوفاق فايز السراج، والمشير خليفة حفتر، قائد الجيش الليبي.

كما استقبلت الجزائر خلال الأشهر الماضية رئيس البرلمان عقيلة صالح، وقائد الجيش خليفة حفتر، وكذا فايز السراج، وأجرت محادثات مع تونس ومصر ومسؤولين من روسيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة  حول الموضوع ذاته، وتؤكد الجزائر دوما أنها لا تتحيز لطرف ما دون آخر في الأزمة، إذ تعلن أنها على مسافة تامة من جميع الفرقاء.

ويرى مراقبون أن تعدد المبادرات والتدخلات من عدة أطراف لا تلغي الدور المحوري للجزائر في الملف الليبي.وفي هذا السياق،نفى المراقب السابق ضمن هيئة الأمم المتحدة والخبير الأمني أحمد كروش،في تصريحات"النهار أون لاين"، الإثنين،وجود أي دولة يمكن لها أن تسحب البساط من تحت أقدام الجزائر فيما يخص تسيير الأزمة الليبية، خاصة أنها أثرت إيجابا في كل الأطراف المتصارعة داخل الأراضي الليبية منذ بداية الأزمة، مؤكدا على أن تقاليد الدبلوماسية الجزائرية واضحة لا تغير مبادئها.

فالجزائر التي عارضت التدخل العسكري في ليبيا منذ البداية، تجدد في كل مرة بأنه لا يوجد بديل عن الاتفاق السياسي الذي أصبح قاعدة لكل حل للأزمة في ليبيا، مع إشارتها إلى أن الاتفاق ذاته يظل مفتوحا لأي مراجعة إذا كانت هذه هي رغبة ليبيا.وكان وزير الشؤون الخارجية عبد القادر مساهل، أكد في الاجتماعات التي تعقد حول الأزمة الليبية بأن موقف الجزائر يميل إلى الحل السياسي الذي يقوم على الحوار والمصالحة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليبيا، داعيا في هذا الإطار إلى الإسراع بتعزيز المؤسسات السياسية والاقتصادية الليبية.

وتُكثِّف الجزائر من تحركاتها لتسوية الأزمة الليبية، من خلال تواصلها مع أطراف الأزمة،كما رفعت أيضًا مستوى التنسيق السياسي والأمني مع تونس لتسويتها، حيث أعلنت الدولتان في 6 مارس 2017 عن توصلهما إلى اتفاق للتعاون الأمني بشأن ليبيا، وتعزيز التشاور بينهما فيما يتعلق بتسوية الأزمة هناك.

ويرى مراقبون أن الجزائر تستهدف من تحركاتها تجاه الأزمة الليبية،سرعة إيجاد حل سياسي نظرا لما يمثله استمرار تدهور الأوضاع الأمنية في هذا البلد من مخاطر على أمنها، خاصة وأنها تفرض إجراءات عسكرية استثنائية على حدودها مع ليبيا منذ أكثر من خمس سنوات.إضافة الى سعيها إلى إقامة علاقات جيدة مع مختلف الأطراف الليبية وضمان مصالحها.