يعتبر الوطن العربي من أكثر مناطق العالم فقرا للمياه وذلك لوقوعه في منطقة حزام الصحاري وهي معروفة بندرة الأمطار وعدم انتظام كميات هطولها وتوزيعها الجغرافي مما يقلل فرص الاستفادة من الأمطار.

وعلى الرغم من أن مساحته تقدر بحوالي 10% من مساحة اليابسة وسكانه يمثلون 5% من سكان العالم، الا أن معدلات هطول الأمطار تشكل حوالي 2% فقط من إجمالي الموجود في العالم.  كما أن نسبة ما يتحصل عليه الوطن العربي تبلغ أقل من 1% من موارد المياه في العالم. كذلك نصيب الفرد من المياه المتجددة 760 متر مكعب مقابل أكثر من 7000 متر مكعب على المستوى العالمي، ومن المتوقع أن يتراجع إلي 624 متر مكعب خلال فترة لا تتجاوز عام 2030. تقدر الموارد المائية المتجددة في الوطن العربي حوال 338 مليار متر مكعب في السنة , وهي المياه السطحية المتجددة (الأمطار والأنهار) والمياه الجوفية , والمياه غير التقليدية (مياه التحلية ومياه التقنية التي تشكل نسبة ضئيلة).

ليبيا بلد الصحراء القاحلة:


شكل رقم ( 3-1 ) خريطة موقع المناطق على خريطة ليبيا ونسبة مساحة كل منطقة


المصدر: الهيئة العامة للمعلومات، ليبيا في أرقام، طرابلس 2009، ص 7

شكل رقم ( 3-2 ) خريطة موقع المدن أو الأقاليم على 

خريطة ليبيا 


المصدر: الهيئة العامة للمعلومات، ليبيا في أرقام، طرابلس 2009، ص 2 


تعتبر ليبيا بلدا محدود الموارد الطبيعية بشكل كبير، إذ تشكل الصحراء القاحلة 90% من مساحتها المقدرة بنحو 1.8 مليون كيلومتر مربع، بحسب دراسة “الاستراتيجية الوطنية للأمن المائي” الصادرة في العام 2011 عن مجلس التخطيط العام الذي كان يتبع الجهاز التشريعي للدولة في السابق، ويتبع حاليا المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني.

ووفقا لدراسة استشرافية تناولت الوضع المائي في ليبيا في عام 2025، وصدرت عن وزارة التخطيط الليبية، مطلع العام 2010، تتوزع المـوارد المائية المتاحة في ليبيا بين 95 بالمائة مياها جوفية، 2.30 % مياها سطحية و0.90 % مياها محلاة 0.66 % مياه صرف، ويعتمد 95% من السكان في ليبيا على المياه الجوفية والتي تشكل المصدر الأساسي للمياه المستعملة في قطاعات وأنشطة مختلفة أهمها الزراعة والري والاستخدامات المنزلية والصناعية والاقتصادية والصحية، وتبلغ التغذية السنوية للمياه الجوفية في حدود 250 مليون متر مكعب، بينما يقدر الاستهلاك مليار متر مكعب.

وتشير الدراسة ذاتها إلى أن حصة الفرد من المياه المتجددة تعتبر من أقل دول العالم، وتوقعت أن حصة الفرد من المياه المتجددة ستنخفض من 80 مترا مكعبا لسنة 2005، إلى 40 مترا مكعبا في 2020، وقدرت الحد الأقصى من المياه الجوفية والسطحية بحوالي 4000 مليون متر مكعب في السنة، وبينت الدراسة أن نسبة المياه غير التقليدية، سواء كانت تحلية أو مياه صرف صحي معالجة، تقدر بحوالي 1000 مليون متر مكعب في السنة، مشيرة إلى أن نسبة المياه الجوفية غير المتجددة تقدر بـ 3000 مليون متر مكعب، فيما تقدر نسبة المياه الجوفية المتجددة بـ 650 مليون متر مكعب، فيما تبلغ نسبة المياه السطحية 170 مليون متر مكعب.

ليبيا مهددة بالعطش:

يتوقع خبراء أن تواجه ليبيا فقرا مائيا خلال السنوات القادمة، بدأت مؤشراته تلوح مع صيف سنة 2015، إذ أن المياه التي يعتمد عليها النهر الصناعي، غير متجددة فضلا عن مشاكل تواجه مصادر المياه الأخرى، كما أن نسبة الاستهلاك تقدر بنحو مليار متر مكعب، في القابل فإن التغذية السنوية للمياه الجوفية في حدود 250 مليون متر مكعب فقط، وهو ما يخلق عجزا حادا في تلبية الطلبات المتصاعدة على المياه، يقدر بنصف مليار متر مكعب.
 
 
في ظل تزايد الأعداد البشرية والتنمية في البلاد وعدم تنفيذ خطط ومشاريع مقبلة للمؤسسة الوطنية للموارد المائية المسؤولة عن إيصال المياه للمواطن، صارت أغلب مدن ومناطق ليبيا تعاني نقص المياه، فرغم وجود كميات كافية في جوف الأرض والتي تغذي الدولة بنسبة 75% عن طريق مياه النهر الصناعي، إلا أن عدم تطوير المحطات والمعدات اللازمة وصيانتها يؤدي إلى إعطاب ونقص في إنتاج المياه مع مرور الوقت.
 
 
إلى ذلك أكدت دراسة حكومية، مطلع عام 2010 حول الوضع المائي في ليبيا 2025، أن حصة الفرد من المياه المتجددة تعتبر من أقل دول العالم، بحسب الدراسة، وأن الحد الأقصى من المياه الجوفية والسطحية حوالى 4 مليارات متر مكعب في السنة وغير تقليدية (تحلية وغيرها)، حوالى مليار متر مكعب في السنة.
 
 
وقسمت الدراسة الموارد المائية إلى تقليدية مثل الجوفية والسطحية، وغير تقليدية متمثلة في النهر الصناعي وتحلية المياه، ومياه الصرف الصحي المعالجة، ونقل المياه من خارج الحدود، وفيما يتعلق بحصص الموارد المائية المتاحة، فإن 95% جوفية، و2.3% سطحية، و0.9% محلاة، و0.66% من مياه الصرف الصحي المعالجة.
 
 
ودعت الدراسة إلي ضرورة إعادة استعمال مياه الصرف الصحي المعالجة، مشيرة إلى أن السعات التصميمية المنفذة حوالى 450 ألف متر مكعب، بينما السعات التشغيلية تبلغ نحو 150 ألف متر مكعب يومياً. وتحمل الشبكة المعروفة باسم النهر الصناعي العظيم، المياه من أكثر من 1300  بئراً عميقة في طبقة المياه الجوفية في الحجر الرملي النوبي في الجنوب. وعادة، توفر خطوط الأنابيب 6.5 متراً مكعباً من المياه العذبة يومياً الى طرابلس وبنغازي وسرت ومناطق أخرى.
 
 
وتأسس النهر الصناعي عام 1983، بتكلفة مالية بلغت 30 مليار دولار، على مدى 25 عاماً، ولكن مياه النهر الصناعي غير متجددة وتكفي البلاد خمسين عاماً. ويستند المشروع على نقل المياه العذبة عبر أنابيب ضخمة تدفن في الأرض، يبلغ قُطر كل منها أربعة أمتار، وتمتد من حقول آبار واحات الكفرة والسرير في الجنوب الشرقي وحقول آبار حوض فزان وجبل الحساونة في الجنوب الغربي، حتى تصل جميع المدن التي يتجمع فيها السكان في الشمال.
 
 
فمنذ بداية النزاع في ليبيا، أدى انقطاع التيار الكهربائي ونقص الوقود إلى تهديد هيئة النهر الصناعي العظيم، وهي الموزع الرئيسي لمياه الشرب، بالفشل في تلبية احتياجات ما يقرب من 6 ملايين شخص في البلاد. وتحتاج مضخات وخزانات مياه محطات تحلية المياه إلى مصادر موثوقة من الطاقة الكهربائية لضمان استمرار توفير المياه. إلا أنه بسبب نقص الوقود، يعمل النظام بشكل جيد بأقل من طاقته الكاملة. ويبلغ العمر التصميمي للمشروع 50 سنة، ولكن العمر الفعلي سوف يعتمد بدرجة كبيرة على معدلات الضخ. وفي النهاية، لا أحد يعرف على وجه اليقين كم ستبقى من مياه هذا المصدر غير المتجدد – فسوف تنفد عندما تنفد.  

مدن كبرى تعاني العطش:
 
 
هناك مدن تعاني من نقص المياه وهي بحاجة ماسة إليه كمدينة طبرق التي يوجد بها مصدر واحد للمياه وهي محطة التحلية التي تعمل منذ عام 2000 ولم تخضع للصيانة إلى الآن، فطبرق تحتاج إلى 85 ألف متر مكعب من المياه يوميًا، إلا أن المحطة تنتج 36 ألف متر مكعب، الأمر الذي جعل الماء يصل للمواطنين كل سبعة أيام.
 
 
كما تعاني مدينة البيضاء أيضا من نقص المياه رغم وجود حقول مياه جوفية في محيطها ولكن استخراجها غالي التكلفة، وفي سرت يتم ضخ 300 ألف متر مكعب من المياه يوميا ولا يصل للمدينة سوى 30 ألف متر مكعب، و270 ألف متر مكعب تتسرب في الطريق بسبب تعدي المواطنين على خطوط النقل واستغلال المياه في مواسم زراعية غير مجدية.
 
 
إلى ذلك يواجه أهالي بلدية مرادة أزمة حادة نتيجة تردي الأوضاع والنقص الحاد في مياه الشرب، بسبب تهالك محطة التحلية التي يعود إنشائها إلى العام 1981 دون وجود أي صيانة أو تطوير لها، فيما ذكرت الشركة العامة للمياه و الصرف الصحي بالمدنية إنها تعاني نقصا حادا في توفير الخدمات للمواطنين، فالمواد التشغيلية للمحطة ما تزال على حالها منذ سنوات، ما جعل المحطة تتوقف عن خدماتها.
 
 
في بنغازي أدت صعوبة معالجة تداخل المياه المالحة مع مياه الشرب إلى إغلاق 90 بئرا في المدينة، و تتركز أزمة المياه في مناطق البلاد الشرقية لظروف جيولوجية أهمها الصخور الرسوبية "الجيرية"، كما يعتبر تذبذب المناخ أيضا عاملا رئيسيا في الأزمة حيث انخفض منسوب الأمطار من 600 ملم إلى 150 ملم في الأعوام الأخيرة، إلى جانب خطر تدفق الصرف الصحي في قنوات المياه.
 
رغم  وجود أكبر مشروع صناعي للمياه في العالم وصرف المليارات لتنفيذه وإيصال الماء من اقصى الصحراء في جنوب البلاد إلى مدن الشمال المطلة على البحر المتوسط، تواجه ليبيا خطر نقص المياه بسبب عدم جاهزية البنية التحتية للمؤسسة المختصة بالمياه للتطور البلاد وانشغال الحكومات المتعاقبة وعدم الوعي لدى المواطن الذي لم يع أو يقدر يوما أهمية المياه.


مشروع تحلية مياه البحر:

تعد فكرة تحلية مياه البحر استنباطا مباشرا للدورة الهيدرولوجية التي تحدث في الطبيعية، عندما يتصاعد بخار الماء من البحار و المحيطات و بقية المسطحات المائية بفعل حرارة الشمس، ثم يتكاثف في أعلى الجو ليسقط من جديد على الأرض بشكل أمطار أو ثلوج.

أما فيما يخص ليبيا فقد كانت بداية تجربتها مع تحلية مياه البحر عام 1962 حيث انشئت أول محطة لتحلية مياه البحر بمدينة السدرة لتزود شركة أسو النفطية بالمياه العذبة، ثم تطورت صناعة تحلية المياه في سبعينات القرن الماضي إلى ان وصل عددها الحالي إلى 30 محطة بلغت طاقتها الانتجاية 683000 مترا مكعبا في اليوم.

و تشمل كل الطرائق الموجودة في العالم و التي يمكن عرضها بايجاز كما ياتي:

التقنيات الحرارية و تشمل ما يأتي: طريقة التقطير المتعدد التأثير و تتخلص بتمرير مياه البحر على اسطح أنابيب ساخنة جدا فتتنقل حرارة اسطح الأنابيب إلى المياه فتتبخر ثم يعرض البخار إلى اسطح باردة لتكاثف متحولا إلى مياه عذبة.

ثانيا طريقة التبخر الوميضي متعدد المراحل وهي من أكثر طرائق التحلية انتشارا في العالم و تعتمد على حقيقة ان الماء يغلي عند درجات أقل، كلما استمر تعرضه إلى ضغط منخفض، فعندما يتم تسخين الماء يدفع إلى حجرات الضغط إلى أن يحدث له غليان مباشر، فيتحول إلى ما يسمى بالبخار الويمضي وهذا البخار.

و يتضح بأن محطات تحلية مياه البحر في ليبيا البالغ عددها 30 محطة، تنتج حسب التصاميم المعدة 467600 مترا مكعبا في اليوم الواحد تتوزع توزيعا خطيا على امتداد ساحل البحر المتوسط ابتداء من مدينة بنغازي شرقا و انتهاء بمدينة زوارة غربا.

لكن الذي يبدو أن هناك 14 محطة أي بنسبة 38 بالمائة من مجموع المحطات متوقعة عن العمل بشكل نهائي في حين توجد ثلاث محطات تحت التنفيذ الذي لم ينجز لحد كتابة هذا البحث في عام 2008، وهناك خمس محطات لا تتوفر عن كميات انتجها بيانات بسبب استمرار تعطل عمليها، لاسببا فنية و تقنية مع وجود محطة واحدة لم تنفذ حتى الوقت الحاضر.

تؤدي كل هذه الاشكاليات إلى عدم انتظام ضخ الكميات المطلوبة حسب الطاقة التصميمة لكل محطة و بالتالي حصول غجز مائي، إذ ان المفروض بالمحطات انها وضعت لكي تغطي حاجة المناطق على ضوء طاقتها الانتاجية وحجم المنطقة السكنية.

ستعاني ليبيا عجزا مائيا مستمرا، إذا ما توفر من موارد مائية لا يوازي الحاجة المتزايدة، وفضلا عن ذلك فأن التوقعات تشير إلى أن هذا العجز سوف يتزايد بمعدلات لا يمكن مواجهتها مستقبلا، لا سيما أن ليبيا قامت باستغلال جميع ما يتوفر من موارد مائية تقليدية.

حلول قد تنقذ ليبيا من شبح العطش:

- لا شك أن النهر الصناعي سيحقق نوعا من الكفاية المائية للمناطق التي تعاني من عجز مائي، لكن هذه الكفاية ليست نهائية، اذ ستنتهي بانتهاء المخزون المائي في العقود الأربعة القادمة و بالامكان الابقاء على المخزون المائي الموجود في الجنوب ليكفي حاجاة وسط و جنوب ليبيا، بينما يتم تحلية مياه البحر للمناطق التي تطل على الساحل الشمالي، لا سيما أن صناعة تحلية البحر تعتمد على مياه البحر المتوسط، الذي تطل على ساحله أغلب التركزات السكانية.

- تحتاج صناعة تحلية مياه البحر إلى رؤوس أموال و طاقة كهربائية و خبرات، و هذه العناصر الثلاث متوفرة في ليبيا، لأنها من البلدان المصدرة للنفط ثم أن الخبرة المتراكمة متوفرة لان عمر هذه الصناعة قارب الخمسة عقود و بالامكان اعداد كوادر اضافية في هذا المجار.

- يمكن لصناعة تحلية مياه البحر أن تكون الرديف الاستراتيجي للمياه الجوفية الموجودة في الاحواض المائية، اذ ما تم استخدامها بشكل أمثل، حتى تغطي احتياجات الاستهلاك اليومي في المناطق الشمالية لمختلف الاغراض.

- تحتاج ليبيا اليوم إلى العمل على إكمال المحطات التي مازالت قيد الإنجاز حتى تساهم في تخفيف حدة الحاجة إلى المياه.

- كما يجب إصلاح المحطات العاطلة و المتوقعة لاجل تحقيق الكفاية المائية، بدل أن تظل متوقفة لتؤدي إلى هدر طاقات العاملين، فضلا عن التآكل و الاندثار الذي يحدث للمحطات جراء تقادمها و قربها من مياه البحر المالحة.

- زيادة أعداد المحطات بحيث تلبي حاجة سكان الشريط الساحلي و ما يله من مناطق ذات عجز مائي، لتخفيف الضغط الحاصل على الأحواض المائية.

- لا بد من توفير فريق عمل يحمل كل الامكانيات الفنية والتقنية التي يمكن أن تعالج أي عطل أو توقف في محطات التحلية، حتى تستمر بالانتاج بكامل طاقتها.