يبقى انتشار السلاح أحد أهم التحديات التي تواجه المساعي الداخلية والدولية لإعادة الاستقرار إلى ليبيا، بعد سنوات من الاضطرابات السياسية والنزاعات العسكرية.فهذه الظاهرة التي انتشرت في البلاد منذ العام 2011،تحولت إلى المشكلة الأولى للمواطنين الليبيين الذين يتعايشون يوميا مع خطر الأسلحة التي أصبحت سيفا مسلطا على رقابهم.
في تقرير جديد لها،قالت الأمم المتحدة إن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة، وحذرت من تأثير انتشار هذه الأسلحة على تهديد حياة المدنيين.وحذر التقرير الأممي من أن ليبيا تضم أكبر مخزون في العالم من الأسلحة غير الخاضعة للرقابة يقدر بما بين 150 و200 ألف طن في جميع أنحاء البلاد.
وأبدت الأمم المتحدة تخوفاً من كمية الأسلحة الكبيرة في ليبيا، وحذرت من أثر استمرار الأعمال العدائية في البلاد على تفاقم مشكلة الألغام والمتفجرات الأرضية، وتهديدها لحياة المدنيين.وعلى خلفية هذا التهديد، تدرس المنظمة في جلستها القادمة قراراً يفرض حظر الأسلحة في ليبيا بشكل كامل.


وقال بوب سدون، المسؤول بدائرة الأمم المتحدة المعنية بمكافحة الألغام (أنماس)،أنه لم ير مثل هذا الكم الهائل من الأسلحة في أي بلد آخر خلال 40 عاماً من حياته العملية.وأضاف سدون أن الإنفاق على الذخائر في ليبيا "ارتفع، كما ازداد التهديد الذي تشكله الألغام الأرضية والمتفجرات من مخلفات الحروب، وللأسف فإن مخلفات الحرب التي تمت إزالتها في السابق عادت لتظهر مجدداً في كثير من المناطق بسبب القتال"، لافتا إلى أن الشعب الليبي "هو الذي يواجه الأثر الكامل لانعدام الأمن".
هذا الانتشار الواسع للسلاح فاقم من الأزمة التي تعيشها البلاد وساهم في انتعاش خلايا الإرهاب النائمة التي تستخدم، حسب الخبراء، تجارة الأسلحة للعودة للحياة في البلاد وهو ما يشكل تهديدا للمنطقة والدول الأوروبية.ودفع ذلك وزير الخارجية الألماني، هايكو ماس،الى مطالبة دول أوروبا بعدم التخلي عن دورها في أزمات ليبيا لصالح مصدري الأسلحة، معتبرا أن المتطرفين في إفريقيا يهددون أمن أوروبا.
وقال وزير الخارجية الألماني، خلال كلمته في مؤتمر الأمن الدولي في ميونيخ أوردتها قناة "العربية الإخبارية"، إن الاتحاد الأوروبي مستعد لتقديم المساعدة في تنفيذ وقف إطلاق النار في ليبيا،"وفقا لطلب الأمم المتحدة".وشدد ماس على ضرورة "عدم تخلي أوروبا عن دورها في أزمات سوريا وليبيا والساحل، لصالح مصدري الأسلحة"،وأضاف ماس، أن دول الاتحاد الأوروبي ستبحث الإثنين المقبل المساهمة في تنفيذ حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا.
وفي أعقاب الأزمة التي عصفت بها منذ العام 2011،شهدت ليبيا حالة من عدم الاستقرار تميز بالانتشار المستمر للأسلحة وتوسع نفوذ الجماعات المسلحة وتمدد التنظيمات الإرهابية في الأراضي الليبية مستفيدة من انعدام الاستقرار في دول الجوار، فيما انقسمت البلاد سياسياً و عسكرياً على وقع  فوضى السلاح الذي ساهم في تغذية الصراعات في البلاد.
وباءت محاولات السلطات التي تولت مقاليد الأمور منذ العام 2011،لتجميع الأسلحة بفشل ذريع حيث ظل المواطنون عموما ومقاتلو الجماعات المسلحة والمليشيات يرفضون تسليم أسلحتهم.وساهم استمرار العنف في ليبيا وانجرار البلاد أكثر فأكثر نحو عدم الاستقرار، في تنامي ظاهرة انتشار الأسلحة التي تتدفق على الجماعات المسلحة والأفراد رغم الحظر المفروض من قبل مجلس الأمن الدولي.


يذكر أنه في مارس/آذار 2011، أصدر مجلس الأمن الدولي قراره رقم 1970، وطلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة "منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتصل بها من أعتدة إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية والمعدات شبه العسكرية وقطع الغيار". كما حظر القرار أيضًا أن "تشترى الدول الأعضاء، أي أسلحة وما يتصل بها من أعتدة من ليبيا".وفي يونيو 2017،أصدر مجلس الأمن،قرارا بمواصلة حظر التسليح على ليبيا لافتا إلى أن"الحالة في ليبيا لا تزال تشكل تهديدا للسلم والأمن الدوليين".
ويتجدد حظر التسليح على ليبيا بشكل متكرر، وكان مجلس الأمن،قد تبنى الثلاثاء بغالبية 14 صوتاً قراراً ألمانياً بريطانياً مشتركاً يمدد حتى 30 نيسان/أبريل 2021 الحظر المفروض على الأسلحة، كما والإجراءات المتعلقة بالنفط وبمنع السفر وبتجميد الأصول.ويطالب القرار خبراء الأمم المتحدة المكلّفين بمراقبة تطبيق العقوبات بتقديم تقارير عن "كل معلومة تتعلق بالاستيراد غير المشروع إلى ليبيا، والتصدير غير المشروع من ليبيا، للنفط بما في ذلك النفط الخام والمنتجات النفطية المكررة".
ورغم هذا الحظر الدولي، إلا أن دولا مثل تركيا تواصل منذ سنوات اغراق البلاد بشحنات السلاح.وتصاعدت وتيرة ارسال شحنات السلاح من تركيا الى ليبيا،مع اندلاع معركة طرابلس،ففي أواخر مايو الماضي وصلت سفينة قادمة من ميناء "سامسون" التركي، محمّلة بأسلحة وذخائر متنوعة وآليات عسكرية إلى ميناء العاصمة طرابلس، حسبما وثقته صور ومقاطع فيديو التقطت على متنها، أظهرت كذلك لحظة تسلّم الشحنة من طرف كتيبة "لواء الصمود" التي يقودها المعاقب دوليّا صلاح بادي.
وخلال الأشهر الماضية تتالت عمليات ارسال شحنات السلاح من تركيا الى ليبيا،ومثلت الأراضي الليبية مسرحا لتجريب تركيا لطائراتها المسيرة على غرار طائرات مقاتلة جديدة من نوع "بيرقدار تي بي 2"،وتم تأكيد تواجد هذه الطائرة في ليبيا بعد نشر تسجيل مصور يظهرها أثناء استعدادها للهبوط في قاعدة معيتيقة الجوية في طرابلس، ثم ظهرت صور لمحطتي تحكم خاصتين بهذا النوع بعد وصولها الى طرابلس يونيو الماضي.


وأوصى مؤتمر برلين الذي انعقد في 19 يناير الماضي بضرورة وقف تدفق الأسلحة والمرتزقة الأجانب إلى ليبيا، والرفض القاطع للإرهاب والعنف أيا كان شكله ومصدره، وهو الأمر الذي دعا له أيضا مؤتمر وزراء خارجية دول جوار ليبيا في الجزائر.ولكن تركيا لا تلتزم بتعهداتها في مؤتمر برلين حيث واصلت عمليات نقل الأسلحة والمرتزقة عبر الجو والبحر إلى ليبيا.
وأكدت تقارير اعلامية مؤخرا أن تركيا أرسلت منظومة دفاع جوي إلى حكومة الوفاق في طرابلس.تداول نشطاء موقع التواصل الاجتماعي الليبيين، صورا مسربة توضح انتشار منظومات دفاع جوي تركية في الجزء المدني من مطار معيتيقة بالعاصمة الليبية طرابلس.وتوضح الصور الملتقطة بواسطة أحد ركاب الطيران المدني بمطار معيتيقة منظومة الدفاع الجوي بالقرب من برج المراقبة.
وتظهر الصور منظومة هوك المضادة للطائرات، التي ظهرت في المقطع المصور المسرب الذي نشره اللواء أحمد المسماري المتحدث باسم الجيش الليبي عن اختراق تركيا للهدنة وإنزال أسلحة لدعم المليشيات.وكان المسماري قد أكد في مؤتمر صحفي سابق إن تركيا وحكومة الوفاق استغلتا الهدنة في طرابلس وقامتا بتركيب منظومة دفاع جوي أميركية في مطار معيتيقة، بالإضافة إلى إنزال أسلحة وآليات عسكرية ومرتزقة سوريين وتركمان إلى طرابلس..
ونشرت شركة "إميدج سات" على حسابها على تويتر، الأربعاء 12 فبراير 2020، لقطات تظهر طائرات مسيرة من طراز "بيرقدار" في مطار معيتيقة الدولي.وأشارت الشركة إلى أن "مطار معيتيقة الدولي يستضيف طائرات تركية تابعة لحكومة الوفاق الليبية، من طراز "بيرقدار تي بي 2".وهو ما يعتبر دليلا آخر على الانتهاكات التركية في ليبيا ومساعيها المتواصلة لتأجيج الصراع في البلاد.


ويتهم الجيش الليبي، دولة تركيا، بقيادة المعارك في المنطقة الغربية لصالح الميليشيات المسلّحة المدعومة من حكومة الوفاق، عن طريق دعمها بالأسلحة والمعدات العسكرية وكذلك الطائرات المسيّرة.ويشير متابعون للشأن الليبي أن أنقرة تعول على المليشيات المسلحة لادامة الفوضى في البلاد واستمرار الصراع الذي يؤدى الى مزيد من اراقة دماء الليبيين.
وتعتبر الفوضى الأمنية مشهدا يرسم الأوضاع اليومية في ليبيا منذ تسع سنوات،وبات إنتشار السلاح في البلاد لعنة تهدد بإراقة المزيد من دماء الليبيين،مع تواصل عجز الحكومات المتعاقبة عن تنفيذ أي برنامج متكامل لجمع السلاح أو نزعه من المليشيات المسلحة ، التي غالبا ما تمتلك أسلحة وعتادا يفوق قدرة وتسليح الأجهزة النظامية الأمنية والعسكرية.كما يمتد هذا التهديد على الصعيدين الإقليمي والدولي،في ظل إنتشار العناصر الإرهابية العابرة للحدود.