منذ انتشار جائحة كورونا "كوفيد – 19 " في دول العالم ووصولها لكل القارات، أصبحت ليبيا حالة استثنائية لاسيما بعد انتشار الفيروس في كل دول الجوار دون استثناء، حتى يوم الثلاثاء الماضي عندما أعلن وزير الصحة المفوض بحكومة الوفاق أحميد بن عمر عن أول حالة في البلاد، والذي أثار هو الآخر بإعلانه المقتضب الشكوك حول مصداقية الخبر ودقة الإصابة من عدمها، ولعل أسباب هذه الشكوك هو ما صاحب الإعلان من تحضيرات وما أعقبه من إجراءات.

وعلى الرغم من أن الحالة لم تمض أكثر من ثلاثة أيام بعد إعلان إصابتها أعلن رئيس المجلس الرئاسي فائز السراج، أنها تتماثل للعلاج.

معلومات مجردة

الحاج صاحب الحالة وصل من السعودية عبر تونس في 5 مارس، ما يعني أنه كان برفقة المئات من ركاب الطائرة التي أقلته، وباعتباره كان في رحلة عمرة فأن احتمالية أن يكون من رفاقه في الرحلة نفسها عدد من الليبيين، ثم انتقل من تونس إلى ليبيا بريا على متن حافلة بها عشرات الركاب، ثم انتقل إلى حيث يقيم بشكل مؤقت باعتباره مهجر من منزله ويقيم مع أخت زوجته في عمارة سكنية بها عدة شقق في مدينة طرابلس.

بعد عدة أيام شعر الحاج الذي يعاني من مشاكل صحية مزمنة على مستوى الجهاز التنفسي "آزمة" –شعر- بضيق في التنفس فطلب من أبنه أن ينقله إلى إحدى العيادات، وبها عولج وأجري له اختبار "كورونا فيروس" وجاءت النتيجة سلبية، إلا أنه أصر على ينقل إلى مستشفى أكبر وتم نقله بالفعل إلى مستشفى طرابلس المركزي "شارع الزاوية"، وفيه أيضا تم التأكد من سلبية الاختبار، إلا انه أصر على البقاء في المستشفى، الذي قدم له العلاج اللازم لحالته المرضية، والذي مكث فيه إلى يوم الإعلان عن أنه مصاب بفيروس كورونا من قبل وزير الصحة المفوض بحكومة الوفاق.

يوم الإعلان

في صباح يوم الثلاثاء 24 مارس عقدت اللجنة العليا لمجابهة فيروس كورونا، اجتماعا عاديا لمناقشة عملها، وخلصت في اجتماعها الذي عقد بحضور وزير الصحة، ورئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض، وبقية الأعضاء، إلى أن ليبيا لاتزال خالية من فيروس كورونا، وأن أجهزة الدولة غير مؤهلة وتحتاج إلى توفير الأمكانيات اللازمة، وتسييل ما تم تخصيصه من أموال من قبل المجلس الرئاسي، والمقدرة ب 500 مليون دينار لم يتم تسييلها من قبل مصرف ليبيا المركزي.

 وبعد الاجتماع فوجئ عدد من أعضاء اللجنة بإعلان وزير الصحة عن ظهور أول حالة مصابة بالفيروس في ليبيا في بيان مرئي مقتضب تناقلته وسائل الإعلام المختلفة، أعقبه تأكيد من قبل نائبه في اللجنة رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض، في الوقت الذي تفاجأ مقرر اللجنة والمتحدث باسمها وكيل وزارة التعليم بالخبر عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، على الرغم من أنه متفق مع جميع أعضاء اللجنة بأن ليبيا خالية من الفيروس، وهو المخول بالإعلان في حالة التأكد من أي حالة.

هل هي إصابة أم مسرحية؟

أثارت طريقة الإعلان عن الحالة العديد من التساؤلات وإشارات الاستفهام بل والشكوك في صدقية الموضوع من الأساس، حيث يؤكد مصدر متخصص أن ما تم الإعلان عنه من وجود حالة مصابة بفيروس كورونا في ليبيا لا تعدو كونها "مسرحية" حسب وصفه، وهو يبني فرضيته على عدة معطيات منها، أن الحالة المعنية تمثل نموذج للأشخاص الأكثر تأثرا من المرض حيث تزيد سنه عن 70 سنة، ويعاني من أمراض تنفسية، وهو ما يعني أنه من ضمن الفئة الأكثر تضررا في حال الإصابة، وهو ما أظهر عكس ذلك من خلال ظهوره أثناء زيارة وزير الصحة بحكومة الوفاق، ومدير مركز الأمراض له بالمستشفى.

كما أن المعني عاد من السفر من السعودية عبر الجو فخالط المئات، ثم عبر البر من تونس إلى ليبيا وخالط العشرات على أقل تقدير، ثم وصل إلى بيته وخالط أسرته وجيرانه، وغيرهم في المحيط وهم عشرات مالم يكونوا مئات، إلا أن نتائج فحص المخالطين بناء على إقرار صحة الوفاق والمركز الوطني للامراض "وهما نفس مصدر إعلان الحالة"، أكدت سالبية نتائج جميع المخالطين، وهو مثار شك باعتباره مخالف لكل ما شابهه في بقية الدول.

في اليوم التالي لإعلان الحالة قدم عدد من عناصر الأمن القومي إلى بيت المعني وطلبوا من أبن "المريض" شفرة الهاتف الخاصة به، وغادروا دون إبداء أسباب، ويؤكد ابن المريض أنه لم يعلم بإصابة والده إلا من خلال وسائل الإعلام على الرغم من أنه كان على تواصل مع المستشفى قبل سحب شفرة الاتصال الخاصة به.

ويؤكد المصدر، ان عائلة "المريض" لم يتم حجرها صحيا ولا سكان العمارة، كما أنه لم يتم البحث عن رفاق الحاج في رحلته من تونس إلى ليبيا، ولا السلطات المسؤولة في منفذ راس جدير لتتقصى عمن كان يعمل بالمنفذ يوم دخوله، كما أنه لم يتم التواصل مع السلطات التونسية لإبلاغها بالرحلة التي كان المعني يستقلها عند عودته من الأراضي المقدسة، وهي الإجراءات الأساسية إضافة لغيرها مما تمارسها الجهات ذات الاختصاص.

ولعل ما يثير الريبة والاستغراب أكثر هو ما قام به الطبيب الذي قام بفحص عائلة "الحالة" حيث أنه أبلغهم بأن والدهم كان مصاب بفيروس كورونا إلا أنه شفي منه، فهل سجلت ليبيا استثناء آخر وهو الشفاء من المرض خلال 24 ساعة بخلاف كل دول العالم؟.

شواهد متعددة تثير الشكوك

خلال زيارة رئيس المركز الوطني لمكافحة الأمراض، للمستشفى، وظهوره رفقة رئيس مستشفى طرابلس المركزي، ومن ورائهم الأطقم الطبية بالقسم الذي تقيم فيه الحالة ظهروا دون أي إجراءات احترازية ودون حتى الاجراءات البسيطة التي يتخذها المواطن العادي، وهو ما يعكس عدم الجدية أو "معرفتهم بأنه لاتوجد مشكلة من الأساس"، وهو ما تم تداركه في الزيارة التالية التي قام بها مدير المركز رفقة وزير الصحة للحالة والتي تناقلتها وسائل الإعلام والتي عرفت بزيارة "سامحني يا ولدي"، وهو ما ردده الحاج الذي ظهر في حالة صحية جيدة، ويتحدث ويتنفس بشكل جيد، الأمر الذي آثار شكوك حول حقيقة إصابته أيضا، ولعل البعض قارن هذه الحالة بحالة النجم الرياضي الدولي الإيطالي مالديني صاحب اللياقة البدنية العالية والذي صرح بأنه في أهون أحواله جراء إصابته بالفيروس.

وما زاد الشكوك أكثر هو ماصرح به وزير الصحة وأكده مدير مركز الأمراض، بأن حالة المريض مستقرة ولا يعاني من مشاكل تنفسية، ما يضرب كل الفرضية التي بني عليها تعرضه للفيروس، وهو ما قد يعني أنه كان يعاني من مرض تنفسي عارض وشفي منه بعد تلقه للعلاج اللازم أثناء مكوثه بالمستشفى.

هل الــ 500 مليون وراء ظهور كورونا في ليبيا؟

بعد هذه التضاربات في التصريحات، والفجوات المتسعة بين الفرضيات ونتائجها، تبقى المساحة الأكبر للتساؤلات ما الذي دعا لمثل هذا الإعلان؟ ، ومن المستفيد منه؟ وما الدوافع من وراءه؟.

يذهب البعض إلى أن الأوضاع الميدانية ليلة الإعلان في مدينة طرابلس ومحيطها كانت تصب في مصلحة قوات الجيش التي بدأت تضيق الخناق على قوات الوفاق في أكثر من محور، إضافة إلى تزامن الإعلان وبدء عملية واسعة قامت بها قوات الوفاق في أكثر من منطقة في ليبيا من بينها الهجوم الكبير على قاعدة الوطية، وقد تم استغلال هذا الإعلان للفت الانتباه والتمويه وفقا لأصحاب هذه الفرضية.

فيما يذهب فريق آخر  إلى أن الإعلان عن الإصابة جاء بعد مماطلة  محافظ مصرف ليبيا المركزي في صرف وتسييل المخصصات المالية للجنة أزمة كورونا، والمقدرة بنصف مليار دينار، وذلك بوضعه ووضع كل أجهزة الدولة بما فيها الرقابية أمام فوهة الكارثة لتتلاشى كل مبررات عدم الصرف. 

وختاما ومهما كانت هذه الاستدلالات تؤكد أو تنفي إصابة الحاج "س" الذي يتمنى له الجميع الشفاء، فأنها تبقى إشارات تنطلق من معطيات تستوجب البحث، وبتعث تساؤلات تتطلب الإجابة، ومؤشرات يمكن البناء عليها لدراسة الوضع في ليبيا التي يبدو أن العناية الإلهية وحدها من رعاها من هذه الجائحة التي غزت العالم وانهارت أمامها قدرات الدول الكبرى.