لم يختلف العام 2021 كثيرا عن سابقه من الناحية الاقتصادية في بلدان المغرب العربي حيث مازالت البلدان المغاربية ترزح تحت ثقل "الكارثة الاقتصادية" التي عمقتها الأزمة الوبائية وحملات الإغلاق التي أغرقت العالم أجمع في أسوأ ركود عالمي منذ عقود. فرغم تخفيف قيود الوباء في بعضها إلا أن هبوط مؤشراتها الاقتصادية الرأسي السريع لم ينقذها من براثن الأزمة الاقتصادية الخانقة.

اختلفت نسب النمو والإنكماش بين الدول الشقيقة مرتبطة بذلك بعدة عوامل منها السياسي والوبائي والأمني، فالدول المغاربية الأقل استقرارا كانت الأكثر تأثرا على غرار تونس وليبيا بينما شهدت المغرب والجزائر وموريتانيا انتعاشة طفيفة رغم الوباء والإغلاق. ففي حين حملت انتعاشة القطاعات الحيوية العالمية كالنفط والتبادلات التجارية مؤشرات إيجابية إلا أن الأزمات وعدم الاستقرار حالت دون تحقيق التوقعات المنشودة للاقتصادات المغاربية.

الاقتصاد الجزائري.. ينتعش رغم إغلاقات كورونا الصارمة

شهدت بداية 2021 عودة تدريجية للنشاط الاقتصادي في الجزائر، رغم الإغلاق الصارم الذي فرضته بسبب الوباء، وما نتج عنه من خسائر فادحة خلال العام 2020. يؤكد الخبراء أن السياسات الجزائرية كانت ناجعة إلى حد ما بحديها من جهة تصديا للوباء ومن جهة أخرى لإنعاش الاقتصاد المتداعي جراء الإغلاق.

أكد صندوق النقد الدولي آواخر شهر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد الانتهاء من مشاورات المادة الرابعة التي يجريها مجلسه التنفيذي مع الجزائر لعام 2021، إن الاقتصاد الجزائري يتعافى تدريجيا من تداعيات جائحة كوفيد19 والصدمات التي شهدتها أسواق النفط في 2020. مفيدا أنه من المتوقع أن يتعافى الاقتصاد في 2021 و2022.

من جانبه توقع صندوق النقد العربي نمو اقتصاد الجزائر بحوالي 4,5 في المائة خلال 2021، حسب تقريره الـ15 حول "آفاق الاقتصاد العربي" وأشار التقرير إلى أن الجزائر سجلت "تعافي ملحوظ" خلال العام 2021 في عدد من القطاعات الاقتصادية الجزائرية بما يشمل "الصناعة و قطاع البناء والأشغال العمومية والري والخدمات غير المسوقة والمحروقات".

وربط صندوق النقد العربي هذا التعافي بالارتفاع المسجل في الأسعار العالمية للنفط والاستثمارات في قطاع المحروقات إضافة إلى عملية التلقيح ضد فيروس كورونا التي "ستسمح بإعادة الاستئناف الكامل للنشاطات الاقتصادية المختلفة".

أظهرت الأرقام الرسمية الجزائرية ارتفاعا ملحوظا في صادرات المحروقات بنسبة 60 في المائة، فيما سجلت الصادرات خارج المحروقات مستوى تاريخيا محققة نحو 5 مليارات دولار بزيادة 160 في المائة مقارنة بسنة 2020. وفي مقابل ارتفاع الصادرات، سجلت الواردات انخفاضاً ملموسا لتصل إلى 30 مليار دولار، أي نصف قيمتها قبل 10 سنوات، ويتعلق الأمر بـ"انخفاض هيكلي وليس ظرفيا"، حسب تصريحات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون.

الاقتصاد المغربي.. يتعافى تدريجيا رغم الخسائر الفادحة

أكد المندوب السامي للتخطيط بالمغرب أحمد لحليمي في تصريحات إعلامية، أن نمو الناتج الإجمالي سيكون أعلى بكثير من التوقعات التي سبق وأن أعلنتها المندوبية في بداية العام، والتي حددتها في 4.5 في المائة، متوقعا أن يرتفع معدل نمو الاقتصاد الوطني إلى 5 في المائة مع نهاية سنة 2021.

ومن جانبه أعلن صندوق النقد الدولي بداية الشهر الحالي أن الاقتصاد المغربي يتعافى، مع توقع نمو يصل إلى 6,3% في العام 2021، وهو أحد أعلى المعدلات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وبحسب رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى المغرب، روبيرتو كارداريلي، فإن الاقتصاد المغربي "استعاد معظم ما فقده تقريبا خلال الركود العالمي الحاد العام 2020" والذي سبّبته الجائحة الوبائية.

وفي الخطاب الذي ألقاه العاهل المغربي من القصر الملكي، أمام الجلسة الأولى للبرلمان أكد الملك المغربي محمد الخامس إن اقتصاد بلاده يشهد "انتعاشا ملموسا" رغم الآثار "غير المسبوقة" لجائحة كورونا، متوقعا أن يحقق المغرب نسبة نمو (بالناتج المحلي الإجمالي) تفوق 5.5 في المئة سنة 2021، وهي نسبة لم تتحقق منذ سنوات، وتعد من بين الأعلى على الصعيدين الجهوي والقاري".

تعتبر السياحة، أحد أهم الركائز الأساسية في الاقتصاد المغربي اذ تساهم بحوالي 7 بالمائة في الناتج المحلي الاجمالي ومصدرا مهما للعملة الصعبة ولتوفير مواطن الشغل المتضرر الأكبر من تداعيات كورونا والأزمة الاقتصادية الحادة التي عصفت بالمغرب وأغلب الدول المغاربية والعالمية. وقد تكبد هذا القطاع خسائر قدرت بمليارات الدولارات بفعل تداعيات الوباء خلال السنتين المنصرمتين، ولا يزال يعاني من التأثيرات السلبية للوباء خاصة مع ظهور المتحور الجديد أوميكرون الذي اضطر المغرب لإغلاق حدوده لمدة 15 يوم الشهر الماضي.

وقد أفادت مندوبية التخطيط المغربية في بيان لها، حسب وكالة الأنباء المحلية، حول الوضعية الاقتصادية خلال الفصل الثاني من سنة 2021 بأن هذا الانتعاش تحقق بفضل الارتفاع الملحوظ للنشاط الفلاحي بنسبة 18,6 بالمائة والأنشطة غير الفلاحية بنسبة 14,8 بالمائة. وأضافت المندوبية أن النمو الاقتصادي خلال الربع الثاني من السنة الجارية كان مدعوما أيضا بانتعاش الطلب الداخلي، الذي يقود النمو الاقتصادي والتحكم في التضخم. مؤكدة أن الاقتصاد المغربي يسير في الطريق الصحيح منذ بداية السنة الجارية وذلك بفضل حملة التلقيح والتعافي لدى الشركاء الاقتصاديين الرئيسيين في إطار تحسن الوضع الوبائي.

الاقتصاد الموريتاني.. الأكثر صمودا رغم المؤشرات المعتدلة

من المتوقع أن يشهد الاقتصاد الموريتاني نموا بنسبة 3.1بالمائة و5.6 بالمائة في العامين الحالي والمقبل، بعد انكماش بلغت نسبته 2.2 بالمائة في عام 2020. وقد بلغ إجمالي الناتج المحلي لموريتانيا 8.18 مليار دولار في عام 2020، ومن المتوقع أن يصل حجم الاقتصاد إلى 9.24 مليار دولار هذا العام بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.

 تؤكد الوكالة الدولية للطاقة المتجددة أن موريتانيا تمتلك موارد كبيرة للطاقة المتجددة يمكن تطويرها لتعزيز نمو الاقتصاد وتحسين الوصول إلى الكهرباء، خاصة عبر مصادر الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

وأفاد البنك الدولي في تقرير له إن قطاع المعادن ونشاط التعدين خلال العامين الماضيين، أنقذ الاقتصاد الموريتاني من الانهيار بسبب التداعيات القوية للجائحة العالمية، مشيرا إلى أن تضرر قطاعات الصيد والتجارة والنقل والخدمات هو السبب الأول في هذا التراجع. ولكن التأثر السلبي لهذه القطاعات على أداء الاقتصاد، عوضه الأداء الجيد لقطاع التعدين والمساعدات وخفض الدين التي قدمها المانحون الدوليون.

يعتمد الاقتصاد الموريتاني أساسا على صادرات المعادن، خاصة الحديد، بالإضافة إلى ثروة سمكية طائلة ذلك إضافة إلى الزراعة والثروة الحيوانية الهامة والمتنوعة التي تصل مساهمتها إلى أكثر من 26 بالمائة من إجمالي الناتج المحلي. وفي إطار نجاحها في احتواء الأزمة الوبائية بأخف الأضرار البشرية والاقتصادية قدم صندوق النقد الدولي تهنئة لموريتانيا وذلك على خلفية الخطة الاقتصادية والمالية التي انتهجتها حكومة الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني في مواجهة جائحة كوفيد 19.

الاقتصاد التونسي.. تواصل الركود في ظل أفق مجهول

يؤكد الخبراء والمحلّلون أن الاقتصاد التونسي يمر بأسوأ فتراته على الإطلاق في هبوط رأسي حاد متواصل لكل مؤشراته الحيوية التي تنذر بأسوأ التوقعات خاصة مع المحادثات المتعثرة مع صندوق النقد الدولي إضافة إلى غياب الحلول المحلية وسط أزمة سياسية خانقة.

بعد "عشرية سوداء" أطاحت بعديد الركائز التنموية وعطلت دواليب الدولة حيث تداولت 14 حكومة على البلاد التونسية في 10 سنوات فقط مشتتة بذلك كل سبل الإصلاح خاصة مع تسلل الأحزاب والساسة و"الفاسدين" إلى سلطات القرار ما جعل من تونس تغرق في المديونية والعجز وتدهور المقدرة الشرائية في ظل وضعية اجتماعية صعبة تنذر"بانفجار قريب" إن لم يتم اتخاذ القرارات والحلول المناسبة من سلطات القرار الحالية.

 جاءت توقعات البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بانتعاشة متواضعة للاقتصاد التونسي بنسبة 2.5 بالمائة لسنة 2021 و3.3 بالمائة للسنة المقبلة وتوقعات البنك الإفريقي للتنمية بنسبة 2 بالمائة، مخالفة للتوقعات المتفائلة من صندوق النقد العربي الذي توقع انتعاشة بنسبة 3.9 بالمائة خلال سنة 2021 و3 بالمائة للسنة المقبلة، فيما توقع صندوق النقد الدولي نموا بنسبة 3 بالمائة في تونس لسنة 2021 و3.3 بالمائة في 2022.

يعيش الاقتصاد التونسي وضعا كارثيا وأرقاما "تصعب مهمة الرئيس التونسي والحكومة الجديدة" فعلى عكس التوقعات، استهلت البلاد العام الحالي بتسجيل انكماش بنسبة 1.7 بالمائة في الربع الأول من العام ليسجل نموا طفيفا في الربع الثالث بنسبة 0.3 بالمائة. أما نسبة التضخم ارتفعت إلى 6.4 بالمائة في نوفمبر/تشرين الثاني، كما تشهد نسبة النمو تراجع متواصل من 2013. كذلك تجاوز حجم الدين العام 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان 43 بالمائة إبان الثورة التونسية. كل هذه المؤشرات الرئيسية ألقت بضلالها على المؤشرات الثانوية المرتبطة بها كالبطالة وغيرها.

تسعى تونس لوقف هذا النزيف الحاد خاصة مع بلوغ الدين العام مستويات قياسية، وتفاقم العجز في الميزانية، وارتفاع نسب البطالة والتضخم، مع تراجع النمو الاقتصادي من خلال مزيد من التداين في مفاوضات حثيثة متعثرة مع النقد الدولي والبحث عن شراكات محلية وإقليمية وعربية ودولية ذلك إضافات إلى مشروع ميزانية تم إصداره خلال الأيام القليلة الماضية والذي قدم حلولا مثيرة للجدل من شأنها أن تلقي بضلالها الوخيمة على الوضع الاجتماعي الصعب أساسا.

الاقتصاد الليبي.. مشروط بالوحدة والاستقرار

على عكس باقي الاقتصاديات المغاربية لم يكن الاقتصاد الليبي، يعاني فقط من الجائحة والإغلاق بل كانت العوامل كثيرة بقدر التداعيات. فالبلد النفطي الغني المتربع على مساحة شاسعة من الخريطة المغاربية والإفريقية عانى لسنوات من الفوضى والصراع والانقسامات الحادة في كل مؤسساته الحيوية وسلسلة "مدمرة" من الإغلاقات المتواصلة التي طالت منشآته النفطية.

رغم التفاؤل الذي يحف الاقتصاد الليبي خاصة مع عودة ضخ النفط وانتعاشه عالميا، فإن الوضع العام بالبلاد يتأرجح بين الاستقرار والتأزم خاصة بعدما صاحب الترشحات الرئاسية من توترات بلغت حد تأجيل الانتخابات الليبية التي كانت تحمل معها آمالا وتوقعات إيجابية كثيرة.

يقول للبنك الدولي في تقرير له قبل تأجيل الاستحقاق الانتخابي "إذا حققت العملية السياسية تقدما إيجابيّا وبقي الوضع الأمني مستقرّا، فإن ليبيا ستواصل مسارها نحو التعافي الاقتصادي. وإذا ظل التقارب الحالي على المسار المقرر، وأُجريت الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بنجاح في موعدها بطريقة سلمية، ولم يتوقف إنتاج النفط، فمِن المتوقع أن تسجل ليبيا معدل نمو في إجمالي الناتج المحلي يبلغ أكثر من 70 بالمائة في عام 2021".

ويضيف التقرير ذاته أنه "في أعقاب انكماش اقتصادي هائل في عام 2020، يشهد قطاع الهيدروكربونات الليبي بوجه خاص، وبالتالي الاقتصاد الليبي بوجه عام، انتعاشاً كبيراً" خاصة مع استعادة إنتاج النفط مستوياته المسجلة في عام 2019 (1.2 مليون برميل يوميّاً)، حسب التقرير.

من جهته توقع صندوق النقد العربي أن يحقق الاقتصاد الليبي نموا حقيقيا خلال العامين 2021 و2022، وذلك في ظل المسار السياسي الذي ينتهجه الفرقاء الليبيون والإستقرار النسبي للوضع الداخلي. تبقى هذه التوقعات "توقعات" خاصة في ظل الوضع الحالي بالبلاد وتأجيل الانتخابات وغياب شخصية توافقية تقود البلد النفطي إلى بر الأمان.