بعد مرور أكثر من عشر سنوات على اندلاع أحداث فبراير 2011، تعيش حرية الإعلام أزمة غير مسبوقة في البلاد، حيث أصبحت ممارسة الصحافة مغامرة محفوفة بالمخاطر في ظل حكم المجموعات المسلحة و غياب الأمن ما أدى حتما إلى إنتفاء الإستقرار.

وتتواجد ليبيا في أواخر قائمة التصنيف العالمي لمؤشر حرية الصحافة التي تصدرها العديد من المنظمات الدولية، فكل المعايير المتعلقة بحرية التعبير والإعلام؛ كالضمانات الدستورية والقانونية للصحفيين، والإصلاح الهيكلي للإعلام، وتزايد أعمال العنف والهجمات الدامية، والاعتداءات الجسيمة، من الطبيعي أن تضع ليبيا في مؤخرة دول العالم.

هذا وجاءت ليبيا هذه السنة في المرتبة مائة واثنتين وستين عالميا في مجال حرية الصحافة، بحسب آخر إحصائية لمنظمة مراسلون بلا حدود.

وأوضحت المنظمة أن تراجع ترتيب ليبيا في المؤشر العالمي لحرية الصحافة، سببه حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي تعيشه البلاد منذ سنوات، وما صاحبه من نزاعات مسلحة وحروب انعكست سلبا على حياة الصحفيين، وأدت إلى مقتل عدد منهم، إضافة إلى اعتقالهم بشكل تعسفي.

وحلت ليبيا في العام الماضي على المؤشر نفسه بالمرتبة الـ164، ونالت العام قبل الماضي أي 2018 المركز نفسه للسنة الراهنة أي 162 لأسباب أيضا تتعلق بالحالة الأمنية.

وتنشر المنظمة التصنيف العالمي لحرية الصحافة سنويًا منذ عام 2002، ويعمل المؤشر على قياس حالة حرية الصحافة في 180 بلدًا، انطلاقًا من منهجية تُقيِّم مدى تعددية وسائل الإعلام واستقلاليتها وبيئة عمل الصحفيين ومستويات الرقابة الذاتية، فضلًا عما يحيط بعملية إنتاج الأخبار من آليات داعمة مثل الإطار القانوني ومستوى الشفافية وجودة البنية التحتية.

وفي ذات السياق حذرت منظمة "مراسلون بلا حدود" من إفراغ ليبيا من الصحفيين بسبب استمرار الانتهاكات ضد الصحفيين وسياسة الإفلات من العقاب، وبمعنى آخر "وضع حرية الإعلام أصبح مأسوياً".

ورغم أن مسودة مشروع الدستور كفلت حرية التعبير والنشر وحرية الصحافة والإعلام في موادها (37 و 38 ) كما نصت المادة (163) على إنشاء مجلس أعلى للإعلام والصحافة، من مهامه حماية الصحفي ومصادر معلوماته، إلا أن كل ذلك لم يتحقق بسبب الخلاف حول الاستفتاء على الدستور.

وفي ظل غياب المعايير المتعلقة بحرية التعبير والإعلام، كالضمانات الدستورية والقانونية للصحفيين والإصلاح الهيكلي للإعلام، ومع تزايد أعمال العنف والهجمات الدامية والاعتداءات الجسيمة، لا يجد الصحافيين في هذا البلد من خيارات سوى المغادرة أو الإقلاع الإجباري عن مزاولة العمل الصحفي.

في وقت سابق،قالت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا في بيان لها، بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، أن هذه الذكرى السنوية العالمية، تأتي "في ظل استمرار الانتهاكات والتضييق على حرية الصحافة والإعلام والكلمة والوصول إلى المعلومة وعدم السماح للرأي المخالف بالتعبير الحر بحق الصحفيين والإعلاميين والمؤسسات الإعلامية في ليبيا.

وأشارت اللجنة إلى تصاعد الاعتداءات والانتهاكات بحق الصحفيين الليبيين من جرائم الاختطاف والاعتقال والإخفاء ألقسري من قبل الجماعات والتشكيلات المسلحة بعموم البلاد في ظل استمرار حالة الإفلات من العقاب نتيجة انهيار الأجهزة الأمنية وضعف منظومة العدالة واستمرار حالة الإفلات من العقاب التي باتت عاجزة عن ملاحقة الجُناة ومحاسبتهم.

وأعربت اللجنة "عن تضامنها الكبير مع الصحفيين والإعلاميين الضحايا والمتضررين جراء هذه الجرائم والانتهاكات البشعة التي ارتكبت بحقهم". مطالبة "جميع السلطات الأمنية والعسكرية بعموم البلاد بضرورة بالالتزام بالقوانين والأعراف والمواثيق والإعلانات الدولية الضامنة لحرية الصحافة والإعلام، ووقف جميع أشكال الممارسات والانتهاكات التي تمس بشكل مباشر حرية الصحافة والإعلام وحرية الصحفيين والإعلاميين في ليبيا، وكذلك وقف ممارسة سياسة تكميم الأفواه أو تقييد العمل الصحفي والإعلامي في ليبيا".

ومازالت ليبيا مكانًا يتعسّر العمل فيه بالنسبة للصحفيين والإعلاميين والنّشطاء الذين لازالوا عرضة لحملات التّرهيب والتّشهير، والذين تتواصل الاعتداءات على منازلهم وأسرهم وسلامتهم الجسدية ، وتتمّ ملاحقتهم قضائيّا بشكل تعسّفيّ بسبب العمل الذي يمارسونه. وقد أدى الصراع إلى تفاقم حدّة التهديدات التي تمسّ من حرية الإعلام في ليبيا.

من ذلك،يرى مراقبون أن الصحافة الليبية تمر بأحلك فتراتها منذ سنة 2011 حيث أن الجناة يقايضون جنود الحقيقة بحياتهم بدون أي تتبعات أمنية أو قضائية تذكر و لا إجراءات حكومية تدفع نحو توفير الحد الأدنى من ظروف العمل الآمن.

حيث لا تتعدى السلطة في ليبيا منطق الرثائيات و بيانات التضامن و التعاطف الذي يخرج عن طابعه المناسباتي و البروتوكولي البحت.