يتجه الليبيون الى الدخول في مصالحة وطنية شاملة ولاسيما بين السلطات والزعامات الجهوية وأمراء الحرب في مدن غرب البلاد التي تعتبر نفسها المنتصرة في العام 2011 وأنصار النظام الجماهيري.

وفيما أعلن عن إطلاق سراح عددا من كبار رموز النظام السابق ، من بينهم أحمد رمضان مدير مكتب الزعيم الراحل معمر القذافي، أكدت مصادر مطلعة أنه تم الاتفاق بين وجهاء واعيان مصراتي ، وقبيلتي القذاذفة والمجابرة على الكشف عن مكان دفن القذافي ونجله سيف المعتصم ووزير دفاعه أبوبكر يونس جابر.

وأبرز المجلس الرئاسي أنه جرى الإفراج عن عدد من السجناء السياسيين، الذين انتهت مدة محكوميتهم، أو الذين لم تتم إدانتهم قضائيًا.

وأكد بيان المجلس الإفراج عن أحمد رمضان، مشيرا إلى أن المجلس الرئاسي، سيُواصل عمله في إطار المهام الموكلة له، بتحقيق المصالحة الوطنية الشاملة، بالتنسيق من أجل الإفراج عن بقية السجناء الذين لم تصدر أحكام قضائية ضدهم.

وجدّد الرئاسي تشديده على أهمية الإسراع في إطلاق سراح كل المسجونين قسريًا، والذين ليست لديهم أي قضايا، وإحالة كل الموقوفين على ذمة قضايا، إلى القضاء، في أسرع وقتٍ ممكنٍ.

وأضاف البيان: “يتابع المجلس، بشكل مباشر ،مع الجهات ذات العلاقة كافة ، هذا الملف؛ تأكيدًا على قيم العدالة ومبادئ حقوق الإنسان في بناء ليبيا الجديدة”.

وقالت مصادر أن مبعوثا من المجلس الرئاسي أتصل بالمفرج عنهم ونقل إليهم طلبا رسميا بالمساهمة في تكريس المصالحة الاجتماعية بين الليبيين خلال الفترة القادمة.

وكان وفد من قبيلة القذاذفة حل ضيفا على مدينة مصراتة السبت الماضي ،« لبحث إمكانية الدفع باتجاه إطلاق كافة المحتجزين منذ العام 2011 وفق الإجراءات القانونية، وذلك في إطار المساعي للمصالحة الوطنية وطي صفحة الماضي».

وخلال لقاء مع الوفد ، أكد وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا على ضرورة ترسيخ ثقافة التسامح والتعايش بين الليبيين، مضيفًا: «نذكِّر كافة الأطراف والمؤسسات بضرورة الالتزام بمسؤولياتها وفق خارطة الطريق؛ لتحقيق العدالة والسلام والعفو العام عن كافة المساجين والمحتجزين والأسرى من مختلف الأطراف، والمضي قدمًا نحو الانتخابات الرئاسية والبرلمانية بعد مئة وعشرة أيام»،

وقال مصدر أمني من مدينة سرت الليبية فجر الاثنين، إن أعيان مدينة مصراتة أبلغوا أعيان قبيلة المجابرة التي ينتمي لها وزير الدفاع وأحد رفاق معمر القذافي الفريق أبوبكر يونس جابر وأعيان قبيلة القذاذفة، لاستلام رفات كل من الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، والمعتصم القذافي، وأبو بكر يونس جابر.

والأسبوع الماضي ، قال القيادي الميلشياوي صلاح بادي أحد المشاركين في دفن العقيد ونجله المعتصم بالله، مع وزير الدفاع أبو بكر يونس، إنه "مستعد للكشف عن المكان الذي دفن فيه جثمان القذافي بعد مقتله في 20 أكتوبر عام 2011، إثر معركة دامية في مدينة سرت مسقط رأسه".

وتم الإفراج مساء أمس  الأحدعن اللواء ناجي حرير مسعود القذافي ، آمر الكلية العسكرية وكتيبة محمد المقريف في النظام السابق ،الذي ألقي عليه القبض في 2011 وأطلق سراحه في 2017 بعد ثبوت براءته من التهم المنسوبة إليه ، ثم أعيد اعتقاله من قبل ميلشيا الردع الخاصة بقيادة عبد الرؤوف كارة في العام 2018.

وتزامن ذلك مع الإفراج عن الساعدي القذافي بعد 7 سنوات قضاها رهن الاعتقال ، وأعلنت حكومة الوحدة الوطنية في بيان صحفي عن إخلاء سبيل الساعدي القذافي، نجل معمر القذافي، تطبيقاً لقرار الانفراج الصادر بحقه قبل عامين.

وقالت الحكومة إنه بعد عامين من قرار الإفراج عن الساعدي القذافي، تسلمته عائلته وفقا للإجراءات القانونية، مؤكدة التزامها بما تعهدت به بالعمل على الإفراج عن جميع السجناء ممن تقضي أوضاعهم القانونية ذلك، دون استثناء.

ودعت الحكومة، في بيانها، الى أن تصب مثل هذه الجهود في مسار المصالحة الوطنية الشاملة، والتي أساسها نفاذ القانون واحترامه.

وصرح رئيس الحكومة الليبية عبد الحميد الدبيبة بأن الإفراج عن الساعدي القذافي جاء تنفيذا لقرار أصدرته النيابة العامة، مضيفا أنه لا يمكن لليبيا التقدم إلى الأمام دون تحقيق المصالحة ولا إقامة دولة بدون تحقيق العدل وإنفاذ القانون.

وذكر محمد حمودة، الناطق الرسمي باسم حكومة الوحدة الوطنية، في تصريحات صحفية أن قرار الافراج خطوة من شأنها الدفع نحو المصالحة الوطنية ونسيان الماضي.

وكشفت مصادر صحفية، أن الطائرة التي تقل الساعدي القذافي هبطت في ساعة مبكرة من صباح الإثنين في مطار إسطنبول بتركيا، وعلى متنها ناجي حرير المفرج عنه أيضا لأسباب صحية.

وظهرت صورة لإحدى صفحات جواز سفر الساعدي، كتب عليها: "مغادرة على طائرة خاصة تابعة للجهاز التنفيذي للطيران الخاص ،،، قاصدة إسطنبول الساعة 21:45 مساء".

وكان الساعدي القذافي قد لجأ أثناء ثورة فبراير 2011 الى النيجر، إلا أن السلطات في النيجر قامت بتسليمه للسلطات الليبية عام 2014 ليسجن من وقتها حتى تاريخ خروجه اليوم.

واتهمت سلطات طرابلس نجل القذافي بالاستيلاء على ممتلكات بالقوة والترهيب في حقبة ترؤسه الاتحاد الليبي لكرة القدم" وأصدرت المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (إنتربول) "مذكرة حمراء" بحقه لمطالبة دولها الأعضاء،  وفي أبريل 2018 تمت تبرئته في حكم نهائي من كل التهم المنسوبة إليه بما في ذلك تهمة قتل لاعب ومدرب فريق الاتحاد لكرة القدم بشير الرياني، لكن لم يتم الإفراج عنه ، وبعد مجيء الحكومة الجديدة في مارس الماضي ، اتسعت دائرة المساعي المبذولة لإخلاء سبيل من برّأهم القضاء كالساعدي وعبد الله منصور ، وشارك فيها المجلس الرئاسي ووزيرة العدل حليمة عبد الرحمان والنائب العام الصدّيق الصور .

وكانت عبد الرحمن، قد صرحت في وقت سابق أنها تسعى إلى تنفيذ حكم البراءة للساعدي القذافي، وأشارت إلى أن الوزارة «لا تتوقف عن التواصل مع الجهات ذات العلاقة لتنفيذ حكم البراءة الذي حصل عليه الساعدي القذافي، رغم عدم خضوع مكان احتجازه لسلطة وزارة العدل»، حسب قولها.

وقالت مصادر مطلعة ، أن طلبا باستقبال الساعدي تم توجيهها الى عمّان والرياض والقاهرة وأنقرة، وأن السلطات التركية والسعودية سارعت بقبول الطلب ، وأضافت أن الساعدي غادر نحو تركيا لتكون محطته اللاحقة مصر حيث تقيم والدته الحاجة صفية فركاش وطفلاه ( ولد وبنت ) الذين يعيشان مع والدتهما ، كما أن القرار الأخير من مجلس الأمن يتم لشقيقته عائشة المقيمة بسلطنة عمان إمكانية زيارتهما هناك

ويرى المراقبون أن أغلب من تم الإفراج عنهم من رموز النظام السابق انتقلوا مباشرة من طرابلس للإقامة في دول أخرى ومنهم البغدادي المحمودي آخر أمين للجنة الشعبية العامة ( رئيس وزراء ) في عهد القذافي وبوزيد دوردة مسؤول الأمن الخارجي الأسبق وسيد قذافي الدم وأحمد الشريف وغيرهم

ويقيم أغلب المفرج عنهم بالقاهرة أو ببعض العواصم الأخرى ، ويرد البعض ذلك الى عدم قدرة السلطات المحلية على توفير الحماية الأمنية لهم ،فيما يشير آخرون الى أنهم عادة ما يطالبون بالمغادرة الى الخارج لتلقي العلاج ، وللالتقاء بأفراد أسرهم المشتتة في ديار المهجر

واعتبر المستشار مصطفي النعمي أن نقل الساعدي القذافي الى خارج وطنه بعد الإفراج يعتبر انتهاكا للقانون والحقوق الأساسية للإنسان

وأضاف النعمي : “الإفراج عن المحكوم عليه بالبراءة بعد مضي عدة سنوات بالسجن ظلما بالرغم من صدور حكم نهائي وبات ببراءته ، ونقله بواسطة طائرة إلى تركيا بدلا من منحه حق اختيار مكان إقامته يعد ذلك انتهاك لحق من حقوقه الأساسية وهو حق في العيش داخل وطنه أو منحه حرية التوجه لأي مكان يختاره لا أن ينقل إلى دولة لا يرغب في الاقامة بها مما يجعله يعيش بعيدا عن أسرته وموطنه الحقيقي”. متسائلا: “لماذا لا يسمح له بالتوجه الي حيث تقيم أسرته وأطفاله الذين هم في أمس الحاجة إليه؟”

لكن مصادر ليبية ، أكدت أن الساعدي اختار المغادرة الى الخارج ،وقد تم ترتيب ذلك مع السلطات التركية لتكون أسطمبول محطته الأولى في اتجاه المحطة الثانية التي يرغب في الاستقرار بها ، وأعدت له السلطات جواز سفر ، ومكنته من السفر عبر طائرة خاصة ، وقد تم عليه الكشف الطبي للتأكد من سلامته البدنية وتوفير جميع الضمانات الأمنية التي تتطلبها عملية المغادرة من السجن الى المطار ،

وأضافت المصادر أن الساعدي له موقع اعتباري خاص لدى أنصار والده ، وبالمقابل يكن له آخرون عداء مطلقا قد يهدد حياته ، ثم هو حاليا لا يمتلك منزلا خاصا في طرابلس ، وأفراد أسرته موجودون خارج ليبيا ، ما عدا شقيقه سيف الاسلام الموجود بمكان غير معلوم ، وقد رأى من الأفضل المغادرة الى خارج البلاد ليكون على صلة مباشرة بأفراد أسرته

وبالمقابل ، تساءلت أوساط ليبية عن الطريقة التي تم بها نقل الساعدي الى تركيا ، ولا سيما في ظل العلاقات الأمنية والمخابراتية الواسعة والوطيدة بين طرابلس وأنقرة .

وشكك آخر متحدث باسم الحكومة الليبية في العام2011 موسى إبراهيم في الدوافع وراء نقل الساعدي الى تركيا بالذات ، وقال في تدوينة أن «الطائرة التي أقلت اللواء الساعدي القذافي الي اسطنبول لم تكن طائرة عادية وحتى جواز السفر كان مزورا لأسبب سياسية » وأضاف « يمكن  أن تكون صفقة جديدة من الأخوان لعرقلة الانتخابات ،وصفقة جديدة للإطاحة بنجل العقيد الراحل معمر القذافي والجرّ به الى هدف ما »

ويرى المتفقون مع هذه الشكوك أن تركيا تسعى حاليا لاختراق أنصار النظام السابق ممن يمثلون قاعدة شعبية واسعة تعارض دورها في البلاد ، لعقد صفقة معهم بهدف التوصل الى تحالف بينهم وبين الإخوان خلال الانتخابات القادمة لقطع الطريق أمام عدوها خليفة حفتر القائد العام للجيش

وسبق لأنقرة إن استقطبت عددا مهما ممن كانوا محسوبين على النظام السابق تحت غطاء العمل على تحقيق مصالحة وطنية شاملة

وفي الأثناء ، اعتبر عضو مجلس النواب الليبي عبد المطلب ثابت، إن "عملية الإفراج هذه تندرج تحت إطار المصالحة الوطنية" ، مشيرا الى أن "المصالحة الوطنية مهمة في المرحلة الحالية، من أجل لم الشمل، ورأب الصدع بين كل الليبيين".

ووصف رئيس حركة المستقبل ووزير الخارجية في الحكومة المؤقتة المنتهية ولايتها عبد الهادي الحويج، الإفراج عن رموز النظام السابق بالبداية نحو مصالحة لا تقوم على المغالبة.

وقال الحويج في تغريدة على حسابه بموقع تويتر “خروج المحتجزين بعد كل هذه السنوات العجاف، بداية نحو مصالحة شاملة لا تقوم على المغالبة، والاقصاء، والتشفي”.

واشار الحويج في تغريدته إلى خطوات رأي أهميتها بعد قرار الإفراج قائلا “خطوة مهمة وعلى الليبيين تصميم نموذج لشكل المصالحة التي يجب أن تكون، يستكمل خطوات ما بعد الإفراج عبر آليات جبر الضرر وضمانات عدم العودة وحفظ الذاكرة والعمل معا نحو سلام الشجعان”.

وينتظر أن تشهد الأيام القادمة الإفراج عن بقية أنصار النظام السابق المحتجزين في سجون طرابلس ومصراتة ضمن خطة المصالحة الوطنية ، فيما لا تستبعد مصادر قريبة من مراكز القرار أن يكون من بين المفرج عنهم عبد الله السنوسي رئيس المخابرات في النظام السابق.

ويرى المهتمون بالشأن الليبي أن رئيس الحكومة عبد الحميد الدبيبة كسب نقطة مهمة في رصيده الشعبي بإقراره مبدأ الإفراج عن رموز النظام السابق ، وقد استفاد في ذلك من الأجواء الإيجابية التي تنظر بها الفعاليات الاجتماعية والسياسية في مدينته مصراتة الى المصالحة كمشروع وطني شامل.

ويحسب لليبيين أنه لم يتم تنفيذ أي حكم من أحكام الإعدام الصادرة في حق رموز النظام السابق ، وأنه تم النظر بجدية الى التوازنات المناطقية والقبلية والاجتماعية ، واليوم لا يتجاوز عدد المحتجزين من رموز نظام القذافي 10 أشخاص ، ينتظر أن يتم الإفراج عنهم خلال أيام.