تعيش تونس على وقع أزمات متعاقبة شملت كل الميادين والقطاعات بدءا بالسياسية والإقتصادية مرورا بالإجتماعية ووصولا إلى الأزمة الصحية الخانقة جراء فيروس كورونا حيث سجلت البلاد أرقاما قياسية "مرتفعة جدا" في الإصابات والوفيات. ومع تدهور الوضع الصحي والإجتماعي خصوصا وتضرّر المواطن التونسي بدرجة أولى انطلقت حملات تحشيد "كثيفة" على مواقع التواصل الاجتماع لحراك شعبي يوم 25 يوليو 2021 الموافق لاحتفالات تونس بالذكرى الـ64 لعيد الجمهورية.

يعتبر فشل المنظومة السياسية بتونس المحرك الرئيسي للحراك الشعبي المزمع القيام به في ولايات عديدة من البلاد غدا الأحد 25 يوليو وخاصة بساحة باردو قبالة البرلمان التونسي حسب ماجاء في الصفحات الداعية لهذا التحرك والتي لاقت تفاعلا كبيرا من الشعب التونسي الذي أطلق بدوريه تدوينات عديدة للتحشيد وشعارات كثيرة لإسقاط  المنظومة الحالية مندّدين بتردي تردّي الوضع الوبائي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي وصلت إليه البلاد التونسية وإستشراء للفساد المالي والسياسي "الذي يغلب المصالح الشخصية على المصلحة العامة  وينخر مؤسسات الدولة" وفق ما عبَر عنه القائمون والمشاركون في هذه الحملات، مؤكدين حسب نصوص التدوينات أن غدا سيكون يوم حسم وبداية "لثورة جديدة". 

وإثر تصاعد وتيرة الدعوات على شبكات التواصل الاجتماعي، للخروج للتظاهر السلمي يوم 25 يوليو2021 من قبل بعض الناشطين والمدوّنين خاصة من فئة الشباب ،على غرار مجموعة " لا للتعويضات للنهضاويين " ذات الـ 690 ألف عضو وغيرها من المجموعات والصفحات الداعية للتحرك الشعبي، للمطالبة بحل البرلمان وتنظيم انتخابات مبكرة، وإسقاط الحكومة التي تسيطر عليها "حركة النهضة الإخوانية"، ودوّن عموم الشعب التونسي شعارات كثيرة تعكس ما آلت إليه الأوضاع بالبلاد، قوبلت هذه الدعوات بالرفض والتخويف من جهة وبالمساندة والدعم من جهة أخرى في ظل تحفظات كثيرة ومخاوف من اندلاع حراك شعبي"جامح لا يمكن إيقافه".


التحشيد لتحركات 25 يوليو..بين الإستنكار والتأييد

ورغم تأييد بعض الأطراف السياسية وأطياف من المجتمع المدني قد شككت أطراف سياسية تنتمي إلى الائتلاف الحاكم في نجاح هذا التحرك الاحتجاجي، مشددة على الاهتمام بأولويات أخرى على غرار معاضدة جهود الحكومة في التصدي للوباء، واتهمت القائمين على هذه الدعوة بالعمل على ضرب الاستقرار وتعميق الأزمة الوبائية التي تعيشها البلاد. حيث دعا رئيس لجنة الصحة بالبرلمان التونسي عياشي زمال في تصريح إعلامي، كافة المواطنين والمواطنات وخاصة منهم الشبان الذين يعتزمون الخروج للتظاهر يوم الأحد الموافق لـ25 يوليو إلى تأجيل هذا التحرك الاحتجاجي نظرا لتدهور الوضع الصحي بالبلاد نتيجة جائحة كوفيد 19.

وعلق النائب عن كتلة حركة النهضة محمد القوماني، على الدعوات المنادية بتنظيم مسيرات احتجاجية يوم 25جويلية.  وقال في تصريح إعلامي أن "هذا حديث قهاوي... هذه الدعوات لن تلقى حظوظ النجاح خاصة وأن المواطن لا ينجر وراء جهات مجهولة". وأضاف: "نحن نتفهم مشاعر الغضب لدى التونسيين على الاداء الحكومي والبرلماني والرئاسي، ولكن يجب الحذر من محاولات الاستثمار في هذا الغضب بالدعوة للتظاهر والنزول الى الشارع"مبينا أن الصفحات التي دعت الى قلب نظام الحكم كشفت عن جهل بالدستور على إعتبار تخيلهم لسهولة النزول الى الشارع وقلب النظام وتسليم الامور الى المؤسسة العسكرية.

من جانبه قال القيادي بحركة النهضة رفيق عبدالسلام إن "احتجاجات 25 يوليو المزعومة ستقودها القوى الثورية المغوارة، يتقدمها نجوم الفشل الثلاثة: منجي الرحوي وفاطمة مسدي ومحمد الهنتاتي، ستكون مراهنة على الخيبة مجددا". وأضاف في تدوينة له بصفحته على فيسبوك "بكل تأكيد سيضاف هذا التحرك لقائمة التعثر  الطويلة التي صنعها فريق الفشل والخيبة"، معتبرا أن "الشعب التونسي وبعد ما يزيد عن عشر سنوات من عمر الثورة لديه اليوم ما يكفي من الوعي والذكاء ليزن الرجال، ويقيم المواقف في السراء والضراء".

كما صرح الناطق الرسمي بإسم ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف، أن الفصل 71 من الدستور التونسي يعاقب بالإعدام كل من يسعى بغير حق إلى تغيير صبغة وهيئة الدولة التونسية "وهذه الدعوات موجودة بالنسبة لحراك 25 يوليو"، حسب تصريحهمضيفا "أنا لست ضد المحتجين ولكن دعوت إلى عقاب الذين أطلقوا الدعوات لاقتحام البرلمان والزج بالنواب في السجن   وتغيير هيئة الدولة".

كما أكد حزب العمال، في بيان له، أنه ليس من الداعمين لما يسمى بـ"مسيرات 25 يوليو" الجاري، مشددا على أن الحزب "لا يمكن أن ينخرط أو يسير وراء دعوات مجهولة المصدر، تقف وراءها أوساط غير معلومة أو مشبوهة".

وأفاد  الحزب أنه سبق له أن دعا الشعب التونسي إلى الخروج إلى الشارع للاحتجاج وللتعبير عن غضبه وللضغط من أجل الإطاحة بمنظومة الحكم بكل مكوناتها، رئاسة وبرلمانا وحكومة، وهو مازال يدعو إلى ذلك، "ولكنه لا يرى في ما تقع الدعوة إليه يوم 25 يوليو، الحل، لا من حيث الأهداف والبرنامج، ولا من حيث الأسلوب والطريقة". ودعا حزب العمال، الشعب التونسي بكل تعبيراته السياسية والمدنية وبفعالياته الشبابية والنسائية والثقافية وغيرها، إلى "عدم الانجرار وراء مثل هذه الأطروحات والبرامج، بل محاربتها دون هوادة".

من جانب آخر أكّد النائب منجي الرحوي مساندته لأي تحرك هدفه "كنس المنظومة الفاسدة" وذلك في تعليقه على الدعوات للتحرك الاحتجاجي يوم 25 يوليو الحالي، مضيفا أن "حالة غضب واستياء لا مثيل لها تجاه المنظومة الحاكمة التي أدارت ظهرها إلى حق التونسيين في الحياة".   وقال الرحوي في تصريحات إعلامية أن هذه التحركات "تم إعدادها من قبل شباب غاضبين على منظومة الحكم الحالية معربا عن أمله في أن يكون يوم 25 يوليو  إحدى المحطات لكنس وتغيير النظام الحالي. "

وقال رئيس منتدى الائتلاف الوطني التونسي والوزير السابق للتربية ناجي جلول على صفحته بالفايسبوك قائلا "يوم 25 جويلية سنحتفل بعيد الجمهورية في كل شوارع الحبيب بورقيبة" .وبيّن جلول أنه يوافق هذه التحركات باعتبارها تحركات تلقائيّة ومن يدعي عكس ذلك فهو خائف لأنها لا تعترف بمنظومتهم الفاشلة، معتبرا أنّ الوقت قد حان لتنقيح الدّستور وتغيير نظام الحكم.

كذلك أفاد أمين عام حركة الشعب زهير المغزاوي " لم نرَ دعوات واضحة من قيادات بارزة في بعض الأحزاب، لكننا نساند كل حراك شعبي مدني وسلمي يطالب بإسقاط المنظومة والكوارث التي تسببت فيها، رغم خطورة الوضع الصحي في البلاد، لتؤيد حركة الشعب موقفه في بيان لها اليوم بقولها وأكدت حركة الشعب " وقوفها مع كل التحركات والاحتجاجات الشعبية السلمية للتصدي لهذه المنظومة الفاسدة واسقاطها وتعديل الاوضاع ووضع حد لمنهج تخريب الدولة وتفقير الشعب بالتعويضات وغلاء الاسعار والتداين الخارجي المفرط مع مراعاة الاوضاع الصحية الخطيرة وًرفضها لكل تحرك يدعو للفوضى والمجهول وغير واضح الاهداف أو في خدمة أجندات خارجية."

من جانبه دوّن الإعلامي سمير الوافي ، اليوم السبت، استغرابه مما إعتبره تحول العاصمة وشوراعها إلى نقاط أمنية وطرق مقطوعة بسبب الأحداث المتوقعة ليوم غد الأحد 25 يوليو !، وهو ما أكده شهود عيان من انتشار غير مسبوق للنقاط الأمنية بالعاصمة التونسية.

واستنكر الوافي تحول الدولة فجأة إلى جانب الحزم والصرامة والإغلاق رغم أن ذات الإغلاق كان مطلوباً لمقاومة الجائحة ولكن ذات الحكومة تخاذلت في تطبيقه "لكن لماذا اليوم بالذات !؟؟...لماذا أصبح الأمن فجأة قادرا على ضبط النظام وتطبيق الإجراءات بعد عجز وإستعصاء !؟؟...لماذا نزلت الدولة الآن فقط بكل قوتها وهيبتها إلى الميدان بعد ضعف وإستضعاف...!!!؟؟ لو خفتم على صحة الناس منذ أشهر...كخوفكم على كراسيكم اليوم بالذات من غضب الغد رغم أنكم خائفون من وهم ومن كذبة...لتم إنقاذ آلاف الضحايا الذين رحلوا بسبب التخاذل والتهور والتقصير في حمايتهم...!!!". 

ويذكر أن تحركات احتجاجية انطلقت اليوم بعمادة الڨواسم من ولاية المهدية بالساحل التونسي أين عمد المحتجون إلى اشعال عجلات مطاطية احتجاجا على الوضع المتردي بالجهة تحت شعار " الشعب يريد تصحيح المسار". فهل تكون الشرارة الأولى لتحركات شعبية جديدة بتونس؟